السبت، 9 يناير 2010

مدرسة اسمها حسين الدرج


صدق هو وعد الله للمؤمنين بالنصر والتمكين في الدنيا والآخرة ( وعد الله الذين امنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم ولبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بى شئ ) ، ومفلح هو من سار على هدى المصطفى صلى الله علية وسلم عبادة ودعوة وسعيا في الأرض حتى يصبح عبدا ربانيا يكاد لو اقسم على الله لأبره فهو محب لله ويعمل لإعلاء كلمته لتكون هي العليا مضحيا براحته في سبيل الله وفى سبيل إسعاد الآخرين والسعي بالخير بين الناس والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة و احسب أن من هؤلاء الرجال المرحوم الدكتور حسين الدرج الذي توفى فجر الجمعة الموافق 25/6/2004

، ولا اعتبر - في حقيقة الأمر - خريجا لتلك المدرسة إذا قيست معرفتي به بالسنين وللدكتور الدرج تلاميذ أفاضل تربوا على يديه وشربوا منه الكثير ، رباهم على يديه ومنذ نعومة أظفارهم ، ولست بالتالي ممن يحق لهم الحديث عن هذا الرجل العملاق إلا أن حديث الأخ الفاضل الدكتور أنور حامد عنه شجعني أن أروى بعضا مما رأيت من مواقف تنبئ عن حقيقة هذا الرجل العملاق وتبين فضله وتعرف السائرين على الطريق كيف يكون العمل في وسط المجتمع لتؤثر فيه وكيف تزرع فيه الخير حتى ولو لم تقطف أنت ثمرته .

حين ترشح الدكتور الدرج فى انتخابات مجلس الشعب عام 2000 م خرجت شبرا الخيمة عن بكرة أبيها في سابقة لم تحدث من قبل مسيحييها قبل مسلميها لتؤيد الدكتور الدرج والذي كان مرشح الإخوان المسلمين عن دائرة قسم أول شبرا الخيمة فقد عايشوا الرجل وعرفوه وأيقنوا انه الأقدر على أن يمثلهم تحت قبة البرلمان ويدافع عن حقوقهم ، وحين بداء يوم الانتخاب وفى الإعادة اخذ يمر الرجل على المدارس الواحدة تلو الأخرى حتى يتابع العملية الانتخابية ولما تعثرت السيارة التي كنا نركبها واقترب موعد صلاة الظهر أصر الرجل على أن يدرك الصلاة في مسجده ( والذي كان شديد التعلق به ) الذي كان يؤوم الناس فيه إذا به يوقف احد المارة من راكبي الموتوسيكلات ويركب خلفه حتى يصل لمسجده ليصلى بالناس الظهر .

، وبعد الصلاة كنا قد قابلناه وهو يحاول دخول اللجان الانتخابية القريبة منه وإذ بالأمن يمنعه من الدخول حتى للإدلاء بصوته هو ولما أصر الرجل ادخلوه وحدة ليقابل القضاة المشرفين على العملية الانتخابية ثم رجال الأمن الذين اعلموه ساعتها أن قرار صدرا بمنع دخول أحدا من الناخبين للجان أو التصويت في شبرا الخيمة فخرج الرجل للناس في هدوء وابتسامة قائلا لهم ( إننا نشكركم على هذا التفاعل وعلى خروجكم ولقد والله حصلنا على ما أردنا وأرجوكم أن تعود والى بيوتكم في سلام وهدوء حتى لا يتعرض احد بالأذى لتلك الجموع او يختنق الاهالى بالغاز المسيل للدموع ) ولم يكد الرجل ينهى حديثة حتى تعالت الصرخات من جموع الاهالى العاديين وأخذت جموع الشباب في البكاء ( وبالمناسبة لم يكونوا من الإخوان ) رافضين ان يتنازلوا عن الرجل الذي اختاروه لأنفسهم وبدأوا يدفعون الرجل لدخول اللجان للتصويت بشدة حتى أتعبوا الرجل وكل من كان محيطا بالدكتور الدرج محاولين اخراجة من محيط تلك اللجان واخذ الرجل يبكى ويرجوهم بالعودة إلى بيوتهم حرصا على سلامتهم وهم يبكون فى حرقة فى مشهد مفعم بالأحاسيس والمشاعر لم أر مثله ولن أنساه ما حييت حتى اننى رأيت ضباط الشرطة يبكون هم أيضا من مقدار ما رأوه من حب الناس لذلك الرجل .

، ولم يكن ذلك الحب والالتفاف الجماهيري وليد لحظة او دعاية انتخابية إذ كان الرجل دائما بين الناس يشاركهم أفراحهم وأتراحهم يوقفه الصغير او الكبير فيمتثل في لين وحب وابتسامته لا تكاد تفارق محياه وساعدته مهنته كطبيب قلب وأوعية دموية ان يختلط بالناس حتى اذا اذن للصلاة قام ليصلى فى مسجده الذى لا يبعد عن عيادته الا أمتارا معدوده .

، ومما يروى عنه انه كان يحث احد الشباب ليبتعد عن طريق الانحراف فدفعه ليقيم مشروعة الصغير ( عربة كبده ) ليكسب قوت يومه منها بالحلال وكان يمر على تلك العربة يوميا بعد انتهاء موعد العيادة ليأخذ منه سندوتشات الكبدة حتى أن زوجة الدكتور ( الأخت أم عائشة ) راجعته في أمر شراء هذه السندوتشات ولكن الرجل أصر على عادته حتى استقام أمر هذا الشاب .

وكان من يرى الرجل يجده رجلا وكأنه الأسد يشبه كثيرا الدكتور عبد العزيز الرنتيسى وكنت تراه يصعد المنبر ليلقى خطبة الجمعة فتحس مدى هيبته لمنبر رسول الله صلى الله علية وسلم في قلبه - وهو الخطيب المفوه وابن جامعة الأزهر - والذي يظهر في حركاته ولفتاته وهو على المنبر وقد كان رحمة الله جياش المشاعر قريب العبرات خاصة مع أبناءة واشد ما يكون مع ابنته عائشة .

لقد كان الرجل يعبد ربه سلوكا واحتكاكا بالناس شفوقا عليهم يدخل البيوت ليداوى المرضى لا فرق فى ذلك بين غنى او فقير امين على اسرارهم يدلهم على الخير لهم ولأبنائهم محبوبا يدخل البيت كطبيب يداوى البدن فإذ به يخرج منه كصديق وطبيب يداوى الروح ويصلح بين الناس حتى ولو كانوا اهل بيت واحد .

، واحسب ان للرجل حظا كبيرا من الزهد فلم يلتفت للدنيا ليجمع منها حلالا لأولاده لينتفعوا به بعد مماته ولكن ترك لهم الحب والتقدير من الناس إحياء لذكراه وإكراما له ، فلم يشاء الرجل ان يترك عيادته بين اهالى شبرا الخيمة وهو الحي الفقير ليفتح عيادة فى مكان اخر يستطيع ان يرفع فية قيمة الكشف و لم يترك لهم من المال الا بقدر سنوات قليلة قضاها بجوار بيت الله الحرام وسرعان ما عاد الى أحبابه وأهلة الذين احبوة .

ولما كان يوم وفاته يوم جمعه وعلم الناس بخبر وفاته حوالى الساعة العاشرة صباحا امتلئ مسجده والمساجد المحيطة به بالمصليين وخرج ابناء شبرا الخيمة عن بكرة أبيهم وبالآلاف ليودعوا الرجل الوداع الأخير فى مسقط رأسة بمحافظة الشرقية فرحم الله الرجل العملاق صاحب مدرسة فى الربانية و مخالطة المجتمع والتأثير فية ودعوته لدين الله فكان ان اجمع علية الناس صالحهم وطالحهم ولم يرتضوا بغيرة نائبا عنهم بمجلس الشعب المصري ومن قدر الله أن تظل مدينة شبرا الخيمة قسم أول بلا نائب حتى انتخاب الدكتور محمد البلتاجي رفيق درب الدكتور الدرج والذي مكث بجواره وتابع حالته الصحية في مرضه الأخير وحتى وافته المنية رحمة الله غير مبدل ولا مفرط فكان ممن قال عنهم الله فى كتابة

( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله علية فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا )

بقلم : البدوي عبد العظيم البدوي

مستشار قانوني – محكم تجارى دولي - باحث

من قتل الجندي المصري أحمد شعبان ؟؟


مَنْ قتل الجندي المصري على الحدود؟!!
بقلم: محمد السروجي- كاتب مصري
حالة من الفوضى والعشوائية على الحدود بين مصر وقطاع غزة المحاصر منذ سنوات، فوضى في الممارسات والإجراءات.. في الأقوال والتصريحات.. في الأحكام والقرارات، فكان الحصاد المر- وكالعادة- مقتل المجند المصري أحمد شعبان 21 عامًا، وإصابة 15 من الشرطة المصرية، و11 من أعضاء القافلة التي ضمت نوابًا برلمانيين وناشطين حقوقيين وإعلاميين من 40 دولةً عربيةً وأوروبيةً هذا بخلاف ردود الأفعال الرسمية والشعبية لبعض البلدان المشاركة في القافلة، فكانت التظاهرات الحاشدة أمام السفارة المصرية في إسطنبول وعمان، فضلاً عن التدخل الدبلوماسي الفوري من الجانب التركي، متمثلاً في رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان ووزير خارجيته أحمد داود أوغلو- الذي طلب وفورًا من الوزير أبو الغيط الإفراج عن القافلة دون شروط- هذا الفريق البارع الذي يستطيع وبمهارة فائقة التوظيف الإيجابي للأحداث، وكسب مساحات جديدة لتركيا القادمة، رغم أنوف الحمقى والكسالى.

وعلى الطرف الآخر حالة الصبيانية وعدم الرشد التي أصابت الدبلوماسية المصرية التي تتحرك وتفكر بعقلية أمنية بحتة، وكأنها لا تعلم عن الدبلوماسية شيئًا، حين أدخلت نفسها ومعها مصر الكبيرة القديرة هذا النفق المظلم والضيق ضيق أفق هذه الدبلوماسية العرجاء، دخلت معركة من النوع الفشنك وأرادت تحقيق انتصار وهمي- يعوض إخفاقاتها المتتالية- على مجموعة من الناشطين والحقوقيين المتضامنين مع شعب غزة الذي يحاصره الصهاينة والعرب سواء بسواء.

معركة وهمية أرادت الخارجية المصرية أن تؤكد شعارًا صبيانيًّا، مفاده "لا يمكن لي الذراع المصرية"! متناسية أن الذراع المصرية قد أصابها الشلل بسبب السياسات الفاشلة والعقيمة والمتخلفة التي تُدار بها البلاد، ومتناسية أن الذراع المصرية- وللأسف الشديد- تُلوى يوميًّا، وخير شاهد هذا الجدار الفولاذي الذي اُتخذ قرار بنائه في واشنطن بين ليفني ورايس بعيدًا تمامًا عن الوجود المصري، ووقتها هاج النظام معتبرًا أن القرار اعتداءٌ على السيادة المصرية، ثم كان ما كان من الخضوع والتنفيذ وتجييش الإعلام الحكومي والموالي لعزف سيمفونية الفزاعة الموسمية المسماة بالأمن القومي والسيادة الوطنية، وهم أبعد ما يكون عنها بل وأخطر ما يكون عليها!

للأسف الشديد موضوع القافلة أُدير بطريقة متخلفة، وكان من الممكن أن يُدار بطريقة حضارية تليق بمكانة مصر عقل وقلب العروبة والإسلام، طريقة تحقق الكثير من المكاسب والإنجازات، طريقة تجمع بين السياسة والثقافة والسياحة وأمور أخرى؛ لكن عندما يُحرم هذا النظام التوفيق، ويترك كل أسباب النجاح، ويمسك بكل أسباب الفشل لا يكون إلا ما كان! كان من الممكن أن تُزاح العقلية الأمنية جانبًا، وتُستدعى العقلية السياسية والدبلوماسية لتحسين الصورة الذهنية لدى العالم أو على الأقل لدى 40 دولة مشاركة في القافلة عن النظام المصري، والمتهم بإحكام الحصار على غزة، وكان من الممكن توظيف الحدث لتخفيف الاحتقان الشعبي لدى سكان غزة المحاصرين منذ سنوات، والذين يزداد يقينهم يوميًّا أن النظام المصري شريك متضامن في حصارهم، وكان من الممكن توظيف الحدث لتفويت الفرصة على المعارضة المصرية بعمل إنساني وإسلامي، وكان من الممكن توظيف الحدث لإثبات أن النظام المصري وسيط نزيه وضامن أمين على المصالحة بين فتح وحماس، وكان من الممكن الكثير؛ لكن وللأسف الشديد جاء الحدث في السياق الطبيعي لنظام الإدارة القائم على فن إضاعة الفرص وصناعة الأزمات، هذا هو القاتل الحقيقي للمجند المصري.. رحم الله الشهيد أحمد شعبان، ورحمنا الله جميعًا من هذا النظام وإدارته الفاشلة.

الجمعة، 8 يناير 2010

ضعف عباس يزداد، والحذر من تنامي حماس


أحداث الاسبوعين الاخيرين تبرز المعاضل التي تقف امامها الحكومة في الوقت الحالي. المعضلة الاولى وجدت تعبيرها مع اغتيال الحاخام مئير افشالوم حاي قرب شافيه شومرون. فقد تبين أنه بين المنفدين كان مسلحا يخدم في جهاز أمن السلطة الفلسطينية وكذا من كان مطلوبا في الماضي وتعهد بالامتناع عن اعمال العنف، ولهذا فقد ترك لحاله.

وكانت اسرائيل مطالبة بان تقرر اذا كانت سترى في الحدث ضريبة أليمة ولكن ضرورية في صالح "الحملة" المتواصلة لتعزيز ابو مازن، او ذريعة لتصفية فورية لمنفذي العملية.

كان واضحا ان خطوة اسرائيلية من جانب واحد ستضع رئيس السلطة في حرج مزدوج، لان قواته لم تنجح في وضع يدها على المنفذين ولان عملية اسرائيل ابرزت اهمالها تجاه الرأي العام الفلسطيني وتجاه الرأي العام في اسرائيل على حد سواء.

فاختارت اسرائيل، وعن حق، العمل وحدها والثناء الذي اغدقه الناطقون بلسانها على نجاعة اجهزة الامن الاسرائيلية تماما بالتوازي مع العملية التي نفذتها، عظمت فقط شدة المعضلة حول استمرار التعاون مع قوات الامن الفلسطينية.

في موعد قريب من هذا الحدث ودون صلة به، حظي الجمهور باطلالة نادرة على رؤية رئيس المخابرات يوفال ديسكن للموضوع الفلسطيني. فمن جهة قضى ديسكن بان استمرار الفصل بين قطاع غزة تحت حكم حماس وبين الضفة الغربية تحت سيطرة السلطة الفلسطينية يخدم الاحتياجات الامنية لاسرائيل.

من جهة اخرى أعرب عن شكه في امكانية تطبيق تسوية مع تلك السلطة دون رأب الصدع بين شطري "فلسطين".

وحسب كل التقديرات الرسمية، من غير المتوقع قريبا ان تنجح رام الله في فرض إمرتها على غزة. وبالتالي تقف اسرائيل امام معضلة حين تستثمر مقدرات سياسية وأمنية في السلطة ورئيسها وهما على مستقبل محفوف بالغموض في أفضل الاحوال.

الاعتبارات المعقدة التي ينطوي عليها تحقيق اتفاق لتنفيذ صفقة شليت هي الاخرى تتضمن جوانب تتعلق بمستقبل السلطة الفلسطينية.

الجمهور لا يشارك في تفاصيل الاتصالات في هذا الموضوع، وحسن ان هكذا ولكن كان هذا رئيس المخابرات ديسكن الذي نقل على لسانه انه قال ان تنفيذ الصفقة سيفسر كانجاز لحماس.

وحسب اقواله، يستعد ابو مازن لتقليص مثل هذا الضرر على مصالحه. الحملة المتواصلة "لتعزيز" ابو مازن، التي ميزت كل العام 2009، تنتقل إذن الى العام 2010، والحكومة مطالبة بخطوات اخرى كي يتمكن ابو مازن من ادارة المفاوضات مع اسرائيل على التسوية الدائمة والتي في الواقع الحالي ليس لديه أي قدرة على اجرائها.

على خلفية هذا الوضع المعقد جدير بالتطرق الى التهديد الذي اطلقه الرئيس الفرنسي نهاية الاسبوع في أنه اذا واصلت اسرائيل نشاطات مثل تصفية قتلة الحاخام حاي فسيتعين على السلطة ان تدرس من جديد التعاون الامني الجاري بين اسرائيل والسلطة.

هذا تهديد فارغ من المحتوى الامني والسياسي: اذا ما توقف التعاون الجزئي القائم اليوم، فلن يكون لاسرائيل أي مصلحة في السماح بمواصلة التعزيز الامني للسلطة من خلال الولايات المتحدة.

الوحدات التي يدربها الامريكيون بمساعدة اردنية وبموافقة اسرائيلية تعمل اساسا كي تقمع المعارضة الحمساوية في الضفة الغربية وكذا ضمان حكم ابو مازن. وفي ظل عدم وجود مثل هذا التعاون الامني، ستنهار السلطة.

في أثناء الاشهر الاخيرة تمكن ابو مازن من تحويل ضعفه وضعف السلطة الى "ذخر". لدرجة أن الولايات المتحدة جعلت تعزيزه المتواصل على ايدي اسرائيل الشرط اللازم لاستئناف الحوار السياسي للقدس معه.

لغة التهديدات من محمود عباس تجاه اسرائيل في نهاية الاسبوع الماضي يجب أن تقنع ايضا الادارة الامريكية وكذا حكومة اسرائيل بانه انتهى مفعول هذه السياسة.

بقلم: أفرايم هليفي رئيس الموساد سابقا

يديعوت أحرونوت، 5/1/2010

رؤية صهيونية لاستمرار تحدي حماس، والدور المصري في الضربة القادمة


بعد مرور عام على العدوان، تعاود التساؤلات القديمة لتطرح نفسها من جديد: هل تقدم "إسرائيل" على شن عدوان على قطاع غزة؟ وما هي الآفاق التي يمكن أن يصل إليها عدوان كهذا؟

لتستقيم الإجابة، من المفترض الإشارة إلى أن وضع حركة حماس وقدرتها العسكرية ومنعتها السياسية، كما تبدو بعد عام على العدوان، يمثّل دافعاً وحافزية للاحتلال، كي يعيد تكرار خياراته العسكرية حيال قطاع غزة.

يضاف إلى ذلك، أن أهم خيار بديل للخيار العسكري لإسقاط حماس أو احتوائها، هو الحصار الإسرائيلي والعربي المفعل منذ عام، مع تحميل الحركة مسؤوليته وما ينتج منه من مآسٍ للشعب الفلسطيني، وربط هذه النتيجة بخيارات الحركة ونهجها المقاوم.

ورغم ذلك، تمكنت حماس من تطوير قدراتها العسكرية، استناداً إلى العبر التي استخلصتها من عدوان 2008، حتى بلغت مستويات قياسية، وفقاً للتقارير الاستخبارية الإسرائيلية، قياساً على ما كانت تملكه من قدرات عشية العدوان، الأمر الذي يزيد من أزمة "إسرائيل" وقدرتها الفعلية على تجاوز حماس بوصفها عقبة تحول دون أي تسوية يراد إمرارها والإصرار عليها من الأمريكيين.

في المقابل، هناك العديد من الأسباب والاعتبارات الكافية لكبح الاندفاعة الإسرائيلية نحو عملية عسكرية واسعة في هذه المرحلة، لعل من أبرزها:

- عدم استنفاد الرهانات على ما قد يقوم به النظام المصري، كخيار بديل للخيار العسكري المكلف، وتحديداً في ظل بناء جدار فولاذي بمزايا يمكن أن يراهن عليها إسرائيلياً، في الحد من تطوير المقاومة في غزة لقدراتها العسكرية، بالمستوى الذي يفاقم تهديدها للأمن الإسرائيلي.

- اضطرار رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو للإنسجام مع الأولوية الأمريكية، في هذه المرحلة، بدفع عملية التسوية على المسار الفلسطيني، وهو ما يؤدي إلى كبح أي اندفاعة مفترضة نحو تصعيد عسكري واسع على الجبهة الفلسطينية، قد يؤدي إلى تداعيات ميدانية وسياسية غير معروفة النتائج.

- الانهماك الإسرائيلي بالاستعداد وتوجيه الأضواء نحو البرنامج النووي الإيراني، بعدما بلغ مرحلة حرجة وتشخيص القيادة الإسرائيلية، بكل عناوينها السياسية والعسكرية والاستخبارية، بأن إيران باتت تملك ما يكفي من الخبرة والمواد والإمكانات التي تمكّنها من صناعة أسلحة نووية.

وأي عدوان على قطاع غزة، سيؤدي إلى حرف أولويات الإدارة الأمريكية واهتماماتها، وهذا آخر ما تريده إسرائيل، نظراً لما تمثله إيران من تهديد للأمن القومي الإسرائيلي.

- فتقر القيادة الإسرائيلية إلى مشروعية دولية لازمة في هذه المرحلة، وتبعاً لها مشروعية داخلية، لشنّ عدوان واسع على غزة، وخصوصاً أن الوضع الأمني شبه الهادئ من شأنه أن يكبح أي اندفاعة في هذا الاتجاه في الوقت الراهن.

كذلك، إن انسداد أفق التسوية، مع حكومة يغلب عليها الطابع اليميني المتطرف، يمثّل عاملاً إضافياً للكبح الإسرائيلي.
ميدانية صرفة، على "إسرائيل" أن تحدد أهدافها من أي عدوان جديد على القطاع، وخصوصاً أن هذا الخيار العسكري قد استُنفد على نحو كبير في العدوان السابق.

وبالتالي على القيادة العسكرية "الإسرائيلية" أن "تنتخب" أهدافها بناءً على ما يمكن أن يتحقق قياساً على تجارب الماضي: إعادة احتلال القطاع، أو تدمير القدرات العسكرية لـ«حماس» وبقية الفصائل، أو تطويعها سياسياً، أو اخيراً فرض إجراءات ميدانية تحول دون مواصلة تعاظم القدرات العسكرية.

في كل الأحوال، يبقى الرهان الإسرائيلي في هذه المرحلة منصباً أساساً على ما قد يحققه النظام المصري في هذا المجال، بانتظار ما ستؤول إليه التطورات الإقليمية على مستوى التسوية، وعلى مسار الملف النووي الإيراني.

وحسبما أفادت الأنباء، اقترح رئيس الوزراء، أثناء زيارته للقاهرة الأسبوع الماضي، أن تستضيف مصر لقاء قمة بينه وبين محمود عباس الذي يقال إنه ينظر إلى ذلك الاقتراح على نحو إيجابي كما قيل.

ما الذي يمكن أن يخرج به المرء من اقتراح نتنياهو؟ هل يمكن أن يكون ذلك الاقتراح بداية لمفاوضات "إسرائيلية" ـ فلسطينية جادة؟ ليس هناك شيء أقل احتمالاً من ذلك. إذا ما نظرنا لهذه الخطوة من جانب نتنياهو فسيتبين لنا أن لها ثلاثة أهداف:

الأول: عزل وإضعاف حماس المكروهة بنفس المقدار - وإن لأسباب مختلفة - من قبل "إسرائيل"، ومن قبل "فتح" التي يقودها محمود عباس في الضفة الغربية، ومن قبل مصر.

"فإسرائيل" ترى أن تحدي حماس المستمر لها لم يعد محتملًا.. وعباس ينظر إلى حماس باعتبارها منافساً خطيراً للقيادة الفلسطينية.. أما مصر فترى أن الحركة الإسلامية الفلسطينية، المرتبطة ارتباطا وثيقاً بجماعة الإخوان المسلمين في مصر، تمثل تهديداً أمنياً لسيناء.

ثانيا: بعض هذه المخاوف، مقرونا بالضغط الذي تمارسه "إسرائيل" والولايات المتحدة، دفع مصر للانخراط في مشروع لمحاولة منع الفلسطينيين من حفر الأنفاق التي تربط بين قطاع غزة والأراضي المصرية من خلال بناء جدار من الصلب يمتد لمسافة عميقة في الأرض على جانبها من الحدود.

ثالثا: ما يدفع نتنياهو لتقديم اقتراحه هو سرقة الأضواء من "جورج ميتشيل" مبعوث أوباما الخاص للشرق الأوسط، الذي يحاول منذ فترة حث الإسرائيليين والفلسطينيين على مواصلة المفاوضات التي انقطعت بينهما. ومن المؤكد أن نتنياهو لا يرغب في مفاوضات جدية، كما يتبين بوضوح، من خلاله مواصلة سياسته الاستفزازية في بناء المستوطنات.

علاوة على ذلك، فإن الفجوة بين آرائه بشأن المفاوضات، وآراء الفلسطينيين واسعة إلى الدرجة التي لا تتيح أي فرصة لإجراء محادثات جدية بين الطرفي بل وقد تفيد في بيان مدى عبثيتها. والشيء الذي تخشاه إسرائيل أكثر من غيره، هو التدخل الدولي لحل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني.

فهي تدرك تمام الادارك أن هناك إجماعاً قد تبلور بين الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة على حل الدولتين.

لذلك فهي تسعى من خلال الاقتراح الذي قدمه رئيس وزرائها لاستباق أي محاولة من جانب اللاعبين الدوليين لوضع إطار للمفاوضات، أو دعوة الأطراف المعنية لمؤتمر دولي.

وهدف نتنياهو من ذلك هو فرض شروطه على الفلسطينيين المهزومين من خلال مباحثات ثنائية تقتصر عليهما وحدهما دون وسيط.

الأخبار اللبنانية، 6/1/2010




النظام المصري والسيادة الوطنية



د. إبراهيم حمّامي


[ 06/01/2010 - 10:23 ص ]






قبل البدء لابد من تحديد نقاط هامة وأساسية:

* نحترم سيادة الدول عامة ومصر الحبيبة خصوصاً ولا نسمح بالتعدي عليها من أي كان

* السيادة كل لا يتجزأ، ولا يجوز التهاون فيها في ِموقف والتلاعب بها في مواقف

* السيادة لا تخضع للانتقائية او الاستخدام السيئ لتبرير المواقف كما يحدث اليوم

* السيادة هي للدولة والوطن والتراب وليست أداة في يد النظام

* السيادة لا تعني مطلقاً التعدي على حقوق الآخرين

* السيادة الوطنية تخضع لاتفاقات ثنائية وإقليمية ودولية، وليست مزاجية

وقبل البدء أيضاً، نوضح أن البعض غمز، والبعض ألمح، وبعض ثالث صرّح بأن هذه السلسلة تحرف البوصلة عن العدو الحقيقي، وترمي باللائمة على النظام المصري، وردنا بسيط: ما من احتلال عبر التاريخ استطاع أن يكرس احتلاله إلا من خلال عملاء وفرقاء، أما عملاء الاحتلال اليوم فهم من يقبعون في المنطقة السوداء في رام الله، وأما الفرقاء الشركاء فمثالهم النظام المصري الذي يتفنن في قتل وخنق قطاع غزة، والذي شارك ويشارك في حصاره، وبالتالي البوصلة لم تنحرف وما زالت نحو العدو الحقيقي الذي لا يختلف على إجرامه عاقلان، أما العملاء والشركاء فما زال هناك من يدافع عنهم، أو مغرر به، أو وقع فريسة لإعلامهم الموجه، لهذا وجب التوضيح.

لا يستخدم النظام المصري "شماعة" السيادة الوطنية إلا عندما يتعلق الأمر بجريمة يرتكبها ضد الشعب الفلسطيني، هو لم يستخدمها مطلقاً أمام الانتهاكات المتكررة لتلك السيادة، بل تنازل عنها في أحيان كثيرة بمحض إرادته، ولا يستقوي إلا على المستضعفين من أهل غزة، لتبرز السيادة الوطنية حجة يبرر بها أفعاله، بعد أن يستفذ الحجج، أو بعد تفنيد الحجج الواهية، وبأسلوب " ما حدش يفتح بؤه دي مسألة تتعلق بالسيادة"!

لم نستطع أن نسجل حادثة أو موقف واحد تحدث به النظام المصري عن سيادته خارج الشأن الفلسطيني، نقول ولا حادثة واحدة ولا موقف واحد وحبذا لو أسعفنا المدافعون عن النظام ونشّطوا ذاكرتنا، وسبحان الله نكتشف اليوم أن من يتعدى ويهدد هذه السيادة هو قطاع غزة فقط لا غير، لكننا سنرد على هذا الادعاءات وندحض افتراءات هذا النظام الكاره لكل ما هو عربي.

النظام المصري يتنازل عن السيادة المصرية
هذا ليس ادعاء، وبقراءة بسيطة في اتفاقيات السلام المزعوم الموقعة عام 1979 يوثّق بروفيسور عبد الستار قاسم ما يلي:
مصر تتمتع بحكم ذاتي على سيناء وفق اتفاقيات كامب ديفيد لعام 1979، وهو حكم ذاتي شبيه بالحكم الذاتي الذي تمارسه السلطة الفلسطينية، ويقتصر على إدارة الشؤون المدنية للناس. مسموح لمصر وفق الاتفاقية إدخال لواء واحد فقط من الجيش المصري على أن يتمركز في الجهة الغربية من سيناء، إلى الغرب من ممري متلا وجدي، وهذا يشكل وجودا عسكريا مصريا رمزيا من قبيل الاحترام لمصر، ولا يمكّنها من خوض حرب أو الدفاع ضد عدوان، أو من فرض سياسة معينة. ووفق الاتفاقية، وحتى تحتفظ مصر ببعض ماء الوجه، على الجيش الإسرائيلي أن يبتعد عن الحدود المصرية الفلسطينية الافتراضية كيلومترين فقط. ممنوع على مصر أيضا إقامة مطارات عسكرية في سيناء، في حين أقامت الولايات المتحدة مطارين ضخمين لإسرائيل في النقب كجزء من صفقة توقيع اتفاقية كامب ديفيد.

مسموح لمصر أن تحتفظ بقوة شرطة محدودة في سيناء بهدف الحفاظ على الأمن المدني، وعلى أن تكون أسلحتها فردية، أي بنادق رشاشة ومسدسات. محظور عليها استخدام آليات أمنية قتالية، وفقط تستطيع استخدام آليات قمع الشغب، أي الآليات المناسبة لمواجهة مظاهرات وغضب جماهيري. ولا تستطيع مصر بناء مدن جديدة في سيناء، ولا تنفيذ سياسة زيادة عدد السكان، والتي تعتبر من ضرورات الأمن القومي المصري.

مصر، وفق اتفاقية كامب ديفيد ملتزمة بأمن إسرائيل، وعليها أن تلاحق الإرهاب والإرهابيين الذين يحاولون المس بأمن إسرائيل، وأن تحول دون تنفيذ أي نشاط قد يخل بأمن إسرائيل. وهذا ما يجعل الاتفاقية أمنية بالدرجة الأولى، وإذا كان لمصر أن ترفض الترتيبات الأمنية الخاصة بإسرائيل لما وقعت إسرائيل، ولما انسحبت قواتها من سيناء. وبناء على هذا، الانفتاح على غزة ممنوع لما ما قد ينطوي على ذلك من مخاطر أمنية لإسرائيل، وعلى مصر أن تبقي الحدود مع غزة مغلقة على اعتبار أنها حدود أمنية بالنسبة لإسرائيل. ولهذا تم تحديد معابر بين مصر وإسرائيل تقوم كل دولة بالإشراف على الحركة من جانبها، ومعبر رفح ليس من ضمنها على اعتبار أنه معبر تتحكم فيه دولة الاحتلال وفق معاييرها الأمن والسياسية.

ولهذا لا تقوم مصر أصلا بفتح معبر رفح بإرادتها هي وإنما تبعا لإرادة إسرائيل. إسرائيل هي التي تقرر فتح المعبر لمدة يومين أو ثلاثة، ومصر تقوم فقط بدور البواب. فعندما نسمع في وسائل الإعلام أن مصر قررت فتح معبر رفح لفترة معينة علينا أن ندرك أن إسرائيل أجازت ذلك، وأن وسائل الإعلام تنسب العمل للنظام المصري زورا وبهتانا. وهذا ينطبق على كل قوافل الدعم المعنوي والمادي لغزة، ولا تستطيع قافلة المرور دون إذن من الأمن الإسرائيلي. أي أن مصر تستخدم فكرة السيادة المصرية والأمن القومي المصري كذريعة إعلامية، وهي لا تعني ذلك أبدا بالنسبة للمطلعين على اتفاقية كامب ديفيد والترتيبات الأمنية"

القوات المتعددة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة هي التي تسيطر على سيناء، وهي صاحبة القرار في أي تحرك أمني أو عسكري مصري. هذه القوات موجودة في ممري متلا وجدي الاستراتيجيين، وتمتلك أجهزة إليكترونية متطورة للإنذار المبكر، وتسير دوريات برية وعمليات استطلاع فضائية وجوية وفق إرادتها هي وليس وفق إرادة مصر. أمريكا هي التي تقود هذه القوات، وممثلوها هم الذين يتحركون بحرية في سيناء، وهي التي توجه قوات الشرطة المصرية للعمل ضد جماعات يشتبه أنها تهرب السلاح إلى غزة، أو تتعاون مع المقاومة الفلسطينية بأي شكل من الأشكال.

لم تستطع مصر أن تُدخل قوات إضافية إلى رفح المصرية لتشديد الرقابة على الخطوط الفاصلة بين غزة وسيناء، وكان لزاما عليها أن تأخذ إذن إسرائيل بذلك. وقد ردت إسرائيل بأنه يجب تعديل اتفاقية كامب ديفيد لكي تتمكن مصر من إدخال أعداد إضافية. مصر لم تكن تسعى لإدخال قوات جيش نظامي، وإنما قوات مكافحة الشغب ومراقبة الحدود، وبالرغم من ذلك خضعت لموافقة إسرائيل.

ومع هذا لا يخجل المسؤولون المصريون من الحديث عن السيادة المصرية على سيناء. سيناء يتم انتهاكها كل يوم من قبل الأمريكيين، ويتم مراقبتها من قبل إسرائيل وتقييد حركة المصريين فيها، ولا يبدو أن المسألة تثير أعصاب النظام المصري إلا عندما يتعلق الأمر بغزة واحتياجاتها".

بحسب النظام المصري سيناء ليست محررة
لا نفتري على أحد لكننا نقرأ الدرس الذي عرضه المتحدث باسم الخارجية المصرية حسام زكي بتاريخ 19/12/2008 وليكرر موقفه في اليوم التالي أي 20/12/2008 في لقاء مع قناة مصر الاخبارية، وفيها يقول:" أن الأرض المحررة تعنى أن يكون لك عليها سيادة وتستطيع أن تتصرف فيها كيفما شئت وهذا ليس وضع قطاع غزة"، يحق لنا أن نسأل: هل سيناء محررة أم لا؟ بحسب علم الجميع لا تستطيع مصر أن تتصرف فيها كيفما تشاء، ولا تستطيع أن تطير طائرة حربية في أجوائها، ولا تستطيع أن تدخل جندياً واحداً دون اذن، وغيرها من الأمور التي وثقناها هنا، فهل على العالم أن يقتل سيناء وأهلها لاثبات أن هناك احتلال؟ أم أن السيادة في مصر تختلف عنها في غزة؟ ولو طبق تعريف الذكي زكي لمنع الماء والقطر عن جنوب لبنان وعن العراق وعن كل مكان يخضع للاحتلال.

صخرة دايان
مظهر آخر من مظاهر الاذلال الاسرائيلي للنظام المصري مدعي السيادة، وسر لا يعرفه أبناء مصر الأحرار، ما يُسمى بصخرة دايان، وهي صخرة يصل ارتفاعها إلى 12 متراً وعرضها 3 أمتار وضعت بعناية على ربوة عالية بساحل البحر فى منطقة مفارق طرق ويحيط بها الأسلاك الشائكة على مساحة 200 متر مربع ، وتحديداً في منطقة الشيخ زويد على أرض يمتلكها المواطن المصري اسماعيل خطابي وكان “موشيه ديان” وزير الدفاع “الإسرائيلي” آنذاك قد أمر بنحت صخرة ضخمة من جبل موسى المقدس “بدير سانت كاترين” لإضفاء نوع من القدسية على النصب المنحوت على ثلاث وجهات، الأولى على شكل امرأة عربية تحمل طفلها وتهرول ناحية البحر تعبيرا عن الخوف من الصهاينة، والوجهة الثانية على شكل خريطة سيناء منكسة، والثالثة على شكل خريطة فلسطين كما يراها “الإسرائيليون”، فيما حفرت أسماء الطيارين “الإسرائيليين” على الصخرة باللغة العبرية وثبتت في أعلى مكان بالشيخ زويد ليراها جميع أهالي سيناء.

اختار ديان المكان المخصص لإقامة النصب التذكاري بعناية فائقة، فهو المكان نفسه الذي شهد مذبحة مروعة للأسرى المصريين، كما أن ارتفاع المكان عن سطح البحر جعل النصب التذكاري على مرمى البصر من الجميع، وكان يقصد بذلك أن يظهر أن القتلى “الإسرائيليين” أغلى من الشهداء المصريين، والدليل على ذلك أن “إسرائيل” أقامت لقتلاها نصبا تذكاريا يخلد ذكراهم، منقوشة عليه أسماؤهم حتى الآن، أما الشهداء المصريون الذين سقطوا في هذا المكان لا يجدون من يقرأ عليهم الفاتحة.

الإيحاء الآخر الذي تمثله الصخرة، التي سميت باسم “صخرة ديان”، يتمثل في ضخامتها وارتفاعها لتوحي بالهزيمة والانكسار، والمثير أن هذه الصخرة تحولت بعد ذلك إلى “حائط مبكى” جديد يحج إليه “الإسرائيليون” كل عام ليذرفوا دموع التماسيح على قتلاهم، وليتحول الأمر إلى مسمار جحا جديد على أرض مصر، يضاف إلى “أبو حصيرة” والمعبد اليهودي وغيرهما من الأماكن على الأراضي المصرية.

النظام المصري صاحب السيادة لا يبقي الصخرة وحسب، بل يحرسها وينظفها ويعتني بها، ويُسهل زيارة مئات الاسرائيليين لها كل عام، ترى هل يزوروها لتذكر الطيارين الاسرائيليين أم للشماتة بالضحايا المصريين؟ هناك نصبين آخرين في منطقتي نخل والحسنة في وسط سيناء.
أي سيادة تتحدثون عنها يا أصحاب السيادة؟

مواقف لا سيادية
لا نستطيع بحال أن نحصر مواقف الذل اللاسيادية للنظام المصري، وهي كثيرة جداً، من قبيل مقتل مواطن مصري جرح زميلين كانا يرافقانه على متن مركب بحري صغير يعمل في خليج السويس في مجال بيع البضائع للسفن وذلك إثر تعرضهم لإطلاق نار من سفينة نقل مستأجرة لدى البحرية الاميركية تحمل اسم «غلوبال باتريوت» في 24/03/2008 لتغادر السفينة في نفس اليوم ترعاها عين النظام المصري، أو إعادة متسللين اسرائليين إلى سيناء بتاريخ 22/12/2009 دون تحقيق معهما ترعاهما محفة جنود النظام.

الجدار الفولاذي قرار سيادي
استخدم النظام المصري كعادته ورقة السيادة الوطنية لتبرير بناء الجدار الفولاذي لخنق غزة، ويصر على تسميته بإنشاءات، وعلى أنه داخل الأراضي المصرية وبالتالي لا يحق لأحد الحديث عنه، هذا مردود عليه لأن "الانشاءات" في أي دولة تخضع لاتفاقات ومعاهدات، وان كان الأمر كما يدعي أبو الغيط وحسام زكي، لحُق لأوغندا مثلاً أو السودان أن تبني سداً على النيل دون أن يحق لمصر أن تحتج حتى لو عطش شعبها، ولجاز ل "اسرائيل مثلاً أن تردم خليج العقبة، ترهات لا مثيل لها ومبررات واهية لا تنطلي على أحد، وهنا اقتبس مرة أخرى ما كتبه الكاتب والمفكر المصري فهمي هويدي متسائلاً عن حقيقة ما يثار من ان الجدار لحفظ أمن مصر ودفاعاً عنها وعن سيادتها ليطرح الأسئلة التالية:

* إذا كان هناك أي تصور للمساس بأمن مصر الوطني، لماذا لم تلجأ مصر قبل إقامة الجدار إلى التفاهم مع حركة حماس لعلاج الأمر، وهي المسيطرة على القطاع ويتم حفر تلك الأنفاق بعلمها.. وإذا كانت مصر قد تدخلت لوقف اطلاق الصواريخ من غزة نحو المستعمرات الإسرائيلية، ألم يكن الأجدر بها أن تتدخل لدى حماس لوقف ما تتصوره مساسا بأمنها؟

* إذا كان السور دفاعا عن الأمن القومي المصري، فلماذا تنهض به الولايات المتحدة وفرنسا وغيرها من الدول الأوروبية، ولماذا تلك الحفاوة الإسرائيلية المشهودة به، ومنذ متى كانت تلك الأطراف مشغولة بالدفاع عن أمن مصر والوطن؟

* منذ متى وبأي معيار موضوع يمكن أن يشكل قطاع غزة تهديدا لأمن مصر؟ وهل يعقل أن يقام الجدار الفولاذي مع القطاع، في حين تظل منطقة الحدود المباشرة بين مصر وإسرائيل (في طابا مثلا) بدون أية احتياطات أمنية، ويرتع فيها الإسرائيليون كيفما شاءوا؟

* أليس الحصار هو المبرر الوحيد للتوسع في حفر الأنفاق، وإذا كانت مصر حريصة حقا على أمنها الوطني، لماذا لا تكثف جهودها وتمارس ضغوطا لرفع الحصار، بدلا من أن تتورط في التصدي للنتائج المترتبة عليه؟

* ما مدى سلامة الموقف القانوني المصري إذا اتهمت أمام المحاكم الدولية ــ ناهيك عن محكمة التاريخ ــ بأنها انتهكت القانون الدولي الإنساني وأحكام اتفاقية جنيف الرابعة، وأسهمت في حرمان الشعب الفلسطيني من أسباب عيشه الخاصة، الأمر الذي يعتبر اشتراكا في ارتكاب جريمة ضد الإنسانية.

* إزاء الحفاوة الإسرائيلية بالموافقة المصرية على بناء الجدار، هل يمكن القول إن تطابقا حدث في الرؤية بين الأمن الوطني الإسرائيلي والأمن القومي المصري؟

* لا خلاف حول حق مصر في الدفاع عن أراضيها والحفاظ على أمنها. لكن ألا يستحق المساس بالأرض أو تهديد الأمن إجماعا وطنيا، بحيث يعرض على مجلس الشعب على الأقل، بدلا من أن يُحاط الشعب المصري علما به من إحدى الصحف الإسرائيلية؟

حين يفكر المرء في إجابة تلك الأسئلة فسوف يدرك أن إقامة الجدار لا علاقة له بأمن مصر، وإنما هو في حقيقته استجابة لدواعي أمن إسرائيل، فرضتها السياسة الأمريكية وقامت بتنفيذها تحت أعيننا،ولكننا أغمضنا وسكتنا، إلى أن قامت الصحافة الإسرائيلية بكشف المستور وفضح المسكوت عليه".

شهادات حسن سيرة وسلوك للتغاضي عن السيادة
ويضيف فهمي في مقاله المنشور بتاريخ 29/12/2009 تحت عنوان "الجدار حماية لأمن اسرائيل":
قبل استعراض تلك الأسئلة، فإنني أذكر بشهادتين تسلطان الضوء على خلفية الموضوع وملابساته.
الشهادة الأولى مصرية، للسفير المصري السابق إيهاب وهبة الذي نشر في جريدة «الشروق» (عدد 2009/2/1) ثلاث ملاحظات على ما يجري على الحدود، يهمنا اثنتان منها في السياق الذي نحن بصدده.
الأولى كانت حول انتهاكات إسرائيل المستمرة لما أوردته معاهدة السلام المبرمة عام 1979 والخاصة بصيانة الحدود واحترامها، وتركزت الملاحظة حول استمرار العدوان الإسرائيلي على الشريط الحدودي مع مصر منذ وقوع العدوان على غزة، الذي يمثل تهديدا حقيقيا لأمن مصر «حيث تقوم إسرائيل بقصف هذه المنطقة بمختلف أنواع الأسلحة والصواريخ والقنابل، التي أحدثت الكثير من الأضرار بالمباني داخل الحدود المصرية وروعت المواطنين. بل وأوقعت بهم إصابات مختلفة.

كل ذلك إلى جانب تدمير الأنفاق التي تدعي إسرائيل أنها تُستخدم في تهريب السلاح إلى غزة».
في الملاحظة الثانية تحدث الدبلوماسي المصري عن تقرير اطلع عليه صادر في عام 2008 عن مركز أبحاث الكونغرس (ذكر رمزه ورقمه) وكانت الأنفاق موضوعه الأساسي، حيث استعرض كل التفاصيل المتعلقة بها.
وذكر التقرير الذي وزع على أعضاء الكونغرس أن لجنة الاعتمادات قررت حجب 100 مليون دولار من المساعدات العسكرية لمصر، إلى أن تتأكد الخارجية الأمريكية من أن مصر أوقفت التهريب عبر الأنفاق ودمرتها.
الشهادة الثانية إسرائيلية، وقد وردت على لسان عاموس جلبوع رئيس قسم الأبحاث الأسبق في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، وهو يميني متطرف يكن عداء واحتقارا شديدين للعرب عامة والفلسطينيين بوجه أخص، لكنه من أشد المتحمسين لتوثيق العلاقة مع مصر، ويعتبر أن اتفاقية كامب ديفيد أهم حدث بعد تأسيس الدولة العبرية.
هذا الرجل اشترك في برنامج حول وضع إسرائيل الاستراتيجي في العام الجديد، جمعه مع عدد من المستشرقين وبثه راديو تل أبيب في 11/18 الماضي. وكان مما قاله النص التالي:

إن العلاقات مع مصر تمثل أهمية كبرى بالنسبة لإسرائيل. والمتابع للسياسة المصرية يلاحظ أن نظام الرئيس مبارك خرج عن طوره بسبب مباراة كرة القدم بين مصر والجزائر، حتى أصبح يهدد بقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. لكنه ينتهج سياسة مغايرة تجاه إسرائيل
فإلى جانب التزام النظام المصري الصمت عندما قمنا بحملة (الرصاص المصبوب) ضد غزة مؤخرا، فإنه وفر الأجواء لاستمرارنا في الحملة، رغم سقوط المئات من الفلسطينيين، كما أنه منع أي تحرك عربي لصالح الفلسطينيين خلال الحرب (يقصد إفشال مصر لمؤتمر القمة الذي دعت إليه قطر)..
وفي أحيان عدة يتم قتل جنود مصريين (بواسطة الإسرائيليين) ممن تواجدوا بالقرب من الشريط الحدودي، لكن الحكومة المصرية لم تقم بأي إجراء.
وهذا يدلل على وجوب تحقيق إجماع داخلي حول استراتيجية العلاقات مع مصر.
وفي الوقت ذاته يجب أن نحث جماعات الضغط اليهودية وأصدقاءنا في الكونغرس، لعدم الضغط على النظام المصري في كل القضايا الأخرى.
ويجب أن يعلم الجميع أن نظام مبارك مهم لنا، ويجب توفير الأجواء المواتية لضمان تشجيع كل الذين يسيرون على خطاه».

عودة للسيادة المصرية
خلاصة القول أن النظام المصري لا يتذكر السيادة المصرية إلا للاستقواء على الضعفاء، ليهدد أبو الغيط بكسر ايديهم وأرجلهم، وليضع هذا النظام العراقيل أمام قوافل الاغاثة كما فعل مع قافلة شريان الحياة 3 التي أصر على عودتها لتدخل من ميناء العريش بحجة القرار السيادي، علماً بأن القافلة التي سبقتها - أميال من الابتسامات - تم تعطيلها 33 يوم في العريش وما حول العريش قبل دخولها غزة، و لا ندري كيف أن الدخول من منفذ رسمي مصري – نويبع- يعتبر تعدياً على السيادة المزعومة.
إن "شماعة" السيادة يستخدمها النظام المصري في أبشع الصور، وهو الذي فرّط ويفرّط بالسيادة المصرية ليل نهار، ولا تعني له إلا تبرير المواقف الإجرامية ضد الشعب الفلسطيني وقضيته، لأن سيادة مصر بنظر نظامها هي فقط وبشكل حصري ضد هؤلاء.
ترى هل بقي لهذا النظام ادعاء بالسيادة المنتهكة على يديه، وهل بقي من يدافع عن مثل هذا النظام؟

التالي: لولا مصر ما كان العرب!

الخميس، 7 يناير 2010

حوار مع التعليقات على مقالة ﴿لَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ﴾

بقلم: أ. د. عبد الرحمن البر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد؛

فقد تفاعل عدد كبير من الإخوة مع المقالة التي نشرها الموقع بعنوان: ﴿لَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ﴾، كما تفاعل معها عدد كبير من الإخوة على موقع الـ(فيس بوك) وموقع (ساحتنا) منتدى شباب الإخوان المسلمين، وقد كتبت هذا الحوار تفاعلاً مع الإخوة المشاركين في منتدى (ساحتنا)، وهآنذا أنقله لقراء موقعنا الكرام؛ لما أرجو فيه من الفائدة، خصوصًا وقد تشابهت التعليقات والمداخلات والأسئلة، وأرى أنه من الأهمية بمكان أن يكون لنا على هذا الموقع الكريم منتدى نتبادل فيه الحوار مع زوار الموقع إن شاء الله، وهاكم ما كتبته لمنتدى (ساحتنا).



لا بد أن أعلن سعادتي لتواجدي بينكم في هذا المنتدى الطيب الكريم، وأسأل اللهَ أن يكون لهذا التواجد معكم أيها الأحبة فائدة إن شاء الله.



الضوابط العشرة للمشاركة في الحوار:

دعوني في البداية أطرح الضوابط العشرة التي أرى- من وجهة نظري- أنها يجب أن تحكم مشاركاتنا، فإن لاقَتْ قبولاً لديْكم فبها ونعمت، وإلا فإنني شخصيًّا سأجتهد في الالتزام بها، ما لم يظهر لي خطأ شيء منها.



1- أول هذه الضوابط: استخدامُ أفضل الألفاظ وأكثرها أدبًا في التعبير عن الرأي، امتثالاً لقول الله تعالى: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53)﴾ (الإسراء)، فرُبَّ كلمةٍ طيبةٍ أَلَانَتْ قلبًا قاسيًا، ورُبَّ كلمةٍ جافةٍ أذهبتْ مودَّةً قائمةً، وقد وصف الله أهل الجنة فقال: ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ (الحج: من الآية 24)، وعد النبي صلى الله عليه وسلم الكلمة الطيبة من الصدقات، وشبابُ الإخوان أولى الناس بهذا الذوق الرفيع.



2- الاعتدالُ في تقويم الأشخاص، وعدم المبالغة في مدح أحد أو ذم آخر، وليقل كما علَّمنا النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَادِحًا لاَ مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ أَحْسِبُ فُلاَنًا- وَاللَّهُ حَسِيبُهُ- وَلاَ أُزَكِّى عَلَى اللَّهِ أَحَدًا، إِنْ كَانَ يَعْلَمُ" (متفق عليه).



2- التواضع في طرح الأفكار والآراء وترك التعالي في مخاطبة الآخرين، أو اتهامهم بسوء الفهم وضعف العقل ونحو ذلك، حتى تبقى القلوب سالمة من البغضاء أو الشحناء.



3- ترك الجدال وعدم التمسك بالخطأ متى ظهر للإنسان؛ فإن ذلك مما يغير القلوب، وحتى إذا لم يظهر للأخ أنه أخطأ؛ لكن تباينت الآراء وأصرَّ كل شخص على رأيه ووجهة نظره فعلى العاقل- وكل المشاركين إن شاء الله كذلك- أن يمسك عن اللدد في الخصومة؛ ولنذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِى رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ" (أبو داود)، ومن حكم العرب: (من لاحاك فقد عاداك).



4- إحسان الظن بالمشاركين في كل ما أمكن فيه العذر، وترك اتهام النيات أو إساءة الظنون، أو تحميل الكلام على المعنى السيئ متى كان له وجه من الخير يمكن حمله عليه، على حد قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لا يحل لامرئ مسلم سمع من أخيه كلمة أن يظن بها سوءًا، وهو يجد لها في شيء من الخير مخرجًا".



5- التأني والتثبت وعدم الاستعجال في الحكم على الأمور بمجرد ورود خبر أو نسبة كلام لأحد في أي وسيلة إعلامية، والانتظار حتى تنكشف الأمور، ويمكن بناء الحكم على أساس سليم وعلى معلومات موثقة، وفي الحديث: "التَّأَنِّي مِنَ اللَّهِ وَالْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ" (أبو يعلى والبيهقي).



6- عدم المسارعة على رد كلام أحد قبل أن تحسن فهمه وتقف على حقيقته، ولو اقتضى ذلك أن تستفهم منه عن مراده بوضوح قبل أن تسارع بنقد كلامه أو نقضه، ومن لطيف ما أوصى به أحد الحكماء ابنه أن قال له: (لا ترد على أحد جوابًا حتى تفهم كلامه؛ فإن ذلك يصرفك عن جواب كلامه إلى غيره، ويؤكد الجهل عليك، ولكن أفهم عنه، فإذا فهمته فأجبه، ولا تتعجل بالجواب قبل الاستفهام، ولا تستح أن تستفهم إذا لم تفهم، فإن الجواب قبل الفهم حمق).



7- مراجعة النفس باستمرار؛ ليكون القصد من الحوار معرفة الصواب، وليس الانتصار لوجهة نظر على أخرى، فالحق أحق أن يتبع أيًّا كان قائله، ومن كلام الإمام الشافعي رحمه الله: "ما ناظرت أحدًا، وأحببت أن يخطئ، بل أن يوفق ويسدد ويعان، ويكون عليه من الله رعاية وحفظ، وما كلمت أحدًا قط وأنا أبالي أن يظهر الحق على لساني أو لسانه).



8- التماس العذر لأخيك فيما غاب عنك من أمره أو من حقائق لا تعرفها، فالمؤمن يطلب معاذير إخوانه، ولا يسعى مثل المنافقين في تتبع عثراتهم أو التماس الخطأ في كلامهم، وبذلك تبقى الأخوة قائمة والمودة متجددة مهما اتسع الخلاف أو كثرت القضايا المختلف فيها، فلا يفسد الخلاف ودًّا، ولا يقطع صلة.



9- توقير الكبار وأهل الفضل وحفظ أقدارهم وتقدير جهادهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرَفْ لِعَالِمِنَا" (أحمد والترمذي)، ولا يصح أن تستهوينا مقولة (هم رجال ونحن رجال)؛ حتى ننسى فضلهم وجهادهم، حتى لو خالفناهم في بعض آرائهم، وقد قال الإمام الشافعي: (الحر من راعى وداد لحظة، وانتمى لمن أفاده ولو بلفظة).



أعرض على حضراتكم هذه الضوابط لتكون ميثاق شرف فيما بين المشاركين في هذا المنتدى، إن لقيت قبولاً لديكم، وإلا فأنا شخصيًّا ملتزم بها إن شاء الله.



بعد هذه المقدمة التي آسف لطولها؛ فإنني أتوجه بخالص الشكر لكل من أثنى على مقالتي، وأسأل الله أن تحقق مقصودها من الذكرى التي علمنا الله أنها تنفع المؤمنين.



وبعد؛ فبالنسبة لبعض الإخوة الأحبة الذين أثاروا بعض الأسئلة، فسأحاول في إيجاز أن أجيب بما أعلم، وليعذروني إن تجنبت الحديث عما لا علم لي به أو عما لم تتضح لي حقائقه كاملة، وأنا أشكرهم بدايةً لحسن ظنهم بي، وأحب أن أؤكد للجميع أنني أحترم وأدين بالفضل لكل الإخوان الكرام الذين سبقونا على الطريق ومهدوا لنا سلوكه، وأسأل الله أن يجزل عطاءهم وأن يسدد آراءهم، وأن يحفظهم لدعوته قادة مربين ومعلمين مخلصين، ولا يمنع اختلافي مع بعضهم في بعض الآراء أو في تقدير بعض المواقف أن يظل إجلالهم يملأ قلبي ويسكن روحي، ولم يزل أهل الفضل والخير يخالف بعضهم بعضًا، ومودتهم قائمة، وأخوتهم دائمة، والحمد لله.



- بالنسبة لما أثاره الأخ الكريم مجدد الدين، فإنما رجوت يا أخي أن يكون المقال تذكيرًا لا تسكينًا، ولست في وارد حكاية ما حصل، فلن أزيد شيئًا على ما قيل، وكل ما يُتَصَوَّر أن يحصل أن ينقسم المتابعون إلى فريقين، أحدهما يؤيد ما أقول، والآخر يصرخ ويندد؛ لأنني أرى أن البعض قد تخندق في آراء مسبقة تجعل الحديث في الموضوع مجرد إثارة لا أكثر.



كيف ننظر إلى الاختلاف بين القادة المربين:

- ما أحب أن أقوله، وما يجب أن أقوله: إن الاختلاف الذي حصل لا ينقض دينًا ولا يهز شرعًا، ولا يصادم قطعيًّا من الدين (من وجهة نظري)، وإنما هو اختلاف في الاجتهاد؛ للمصيب فيه أجران وللمخطئ أجر واحد، وقد سأل عمر بن الخطاب رجلاً: ما فعلت في موضوع كذا؟ فقال: أشار عليَّ زيدُ بن ثابت وعليٌّ بكذا، فقال عمر رضي الله عنه: لو كنت أنا لقضيت بكذا، قال الرجل: وما يمنعك، والأمر إليك؟ قال عمر رضي الله عنه: لا، هذا رأي، والرأي مشترك.



وخالف عمر بن الخطاب أبا بكر رضي الله عنهما في كيفية تقسيم الأموال على المسلمين، فرأى عمر أنه ينبغي أن يراعي التفاوت بين السابقين إلى الإسلام والمتأخرين الذين دخلوا فيه بعد نصر الله والفتح، واستدل بقول الله تعالى: ﴿لاَ يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10)﴾ (الحديد)، وقال أبو بكر: الجميع عندي سواء، والتفضيل المذكور في الآية إنما هو عند الله، ثم أنفذ أبو بكر رأيه، ولم يغضب عمر، ولم يعلن نكيرًا على اجتهاد أبي بكر، فلما تولى عمر غيَّر ما فعله أبو بكر وفاضل في تقسيم المال بين السابقين والمتأخرين، فلم يعلن أحد عليه النكير، ولما دنا أجله تبيَّن له أن رأي أبي بكر كان أسدَّ وأحكم، فتمنى لو أنه فعل مثل ما فعل أبو بكر.



وهكذا ينبغي أن ننظر إلى ما جرى بين إخواننا الأفاضل الكرام من اختلاف، ويظل للجميع في قلوبنا كامل التقدير، وننفي عن الجميع سوء الظن أو القول بأن أحدهم كان حريصًا على إقصاء الآخر، وأنا أشهد الله أنني ما لمستُ ذلك في أحدٍ منهم ممن لقيت ﴿وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81)﴾ (يوسف)، وهذا ما أردت التأكيد عليه في المقال الذي عنونته بالآية الكريمة ﴿لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ﴾.



- وهنا أقول للأخ بلال: إن القياس لا يقتضي أن يكون المقيس والمقيس عليه متشابهين من كل الوجوه، لأنهما لو تطابقا من كل الوجوه فإن ذلك يعد نصًّا لا قياسًا، ولو اشترطنا ذلك لبطل القياس كله، ولصار كثير من نصوص الشريعة معطلاً مقيدًا بالسبب الذي نزل فيه، والله أعلم.



- ثم أعود إلى ما حدث بخصوص الخلل اللائحي، وما حدث بخصوص مذكرة د. الزعفراني اللذين تكلم عنهما الأخ مجدد الدين لأقول: من الطبيعي أن ينظر الإخوان في كل ما قيل، وأن يعملوا على معرفة ما يعد خللاً، ثم يفكروا فيما يمكنهم معالجته من ذلك؛ لكن ذلك يا أخ مجدد لن يكون، ولا ينبغي أن يكون تحت سيف التهديد أو الضغط من أحد أو لأحد، فمراجعة اللوائح والهياكل والنظم حاجة للتطوير والتجديد والتقدم بالعمل، بغض النظر عن مطالبة أحد به أو عدم المطالبة، وأرى- من وجهة نظري- أنه يكفي أن تعرف هذا أنت وجميع الأحبة من الإخوان ومن محبي الإخوان؛ لتطمئنوا على سلامة السير إن شاء الله.



- وأما أستاذنا الكبير الدكتور إبراهيم الزعفراني- حفظه الله- فهو يعرف تمامًا كيف يتابع مذكرته، وكيف وممن يتلقى الرد عليها، ولا أرى من المناسب أن يطلب كل أخ أن يعرف كل شيء عن كل شيء، أو أن يشغل كل الإخوان أنفسهم بكل ما يجري ويتركوا ما هو أهم من الأعمال، ولعل فيما ذكرت كفاية- من وجهة نظري- والله أعلم.



- وأما ما أشرت إليه من فقه إدارة الأزمات فأمر جميل وعظيم، وأنا أدعو نفسي أولاً وأدعو جميع إخواني في كل المستويات إلى تعلم هذا الفقه، والاستفادة القصوى مما جرى، والاجتهاد في تعظيم الإيجابيات وتجنب السلبيات، ومراعاة المستجدات التي كشفت عنها هذه الأزيمة- تصغير أزمة- (على حد تعبير أخي الحبيب الأستاذ الدكتور صلاح سلطان حفظه الله) على مستوى الصف، وعلى مستوى المجتمع وعلى المستوى الإعلامي وعلى كل المستويات، ونسألكم إخواننا الكرام الدعاء لنا بالتوفيق والرشاد، وأطالب الشباب بعرض أفكارهم ورؤاهم، حتى ولو لم يُؤخذ ببعضها، فإن عقول الشباب لا شك أكثر حدةً، وربما أنشط في ابتداع أفكار جديدة، والله يوفقككم ويرعاكم.



- أما سؤالك عما سوف يحدث بخصوص الجهاز الإعلامي الإخواني، وما سوف يحدث بخصوص مجلس الشورى الجديد والقديم فهذه أسئلة أترك للأيام أن تأتيك بإجابتها إن شاء الله، ونحن معك نسأل الله أن تكون الفترة القادمة خيرًا وأفضل للجماعة وللإسلام، وأن يولي علينا أصلحنا بإذن الله.



للمجتهد المصيب أجران وللمخطئ أجر:

بالنسبة للأخ العزيز بلال، فليس عندي جديد أضيفه تعليقًا على ما أوردته في مداخلتك سوى أن أقول: إن ما قد يكون حصل بين بعض إخواننا القادة الكرام المحترمين من اختلاف في سلامة بعض الإجراءات أو وجهات النظر؛ لا يعدو كونه اجتهادًا من كل منهم، ونرجو الله أن يكتب للمصيب منهم أجرين، وألا يحرم المخطئ منهم أجر الاجتهاد، ومن فضل الله أنهم جميعًا كانوا أعف من أن يتناول بعضهم بعضًا بالسوء على النحو الذي حصل من بعض الشباب، غفر الله لنا ولهم، وهدانا وإياهم سواء السبيل.



إخواني الأحبة.. قد أكون استرسلت معكم وأطلت الكلام عن غير سابق قصد، فمعذرةً للإطالة، وقد كنت استعددت هذه الليلة لكتابة موضوع آخر في شأن آخر، لكن ما قدره الله خير، وأسأل الله ألا يحرمني متعة التواصل معكم، وأن يوفقنا جميعًا إلى خدمة ديننا ونشر دعوتنا وإنهاض أمتنا، والله أكبر ولله الحمد.



آخر كلام في الحوار:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

أما قبل؛ فسلام الله ورحمته وبركاته على الأحبة عمومًا وعلى الذين شرفوني بالتعليق والمشاركة خصوصًا، ويشهد الله أني جد سعيد بتواجدي معكم، ومطمئن تمامًا بإذن الله أنه ما دامت الجماعة المباركة تضم أمثالكم، وتشتمل على مثل هذه العقول الناهضة فهي إلى خير بإذن الله.



وأما بعد؛ فإنني أضيف هذا التعليق ليكون آخر مداخلة لي إن شاء الله في هذا الموضوع؛ حيث أرى أن وجهات نظر الجميع قد وضحت والحمد لله، ولم يبق لدي- شخصيًّا- ما أضيفه بعد مشاركاتكم القيمة، ولهذا فأنا أريد أن ننتقل إلى موضوع آخر نُثْريه بالحوار والمناقشة إن شاء الله، وأختم ببعض الإشارات السريعة:

1- أنا ممن يرون أن الحوار لا يقتضي بالضرورة أن ينتهي باتفاق المتحاورين على كل شيء، بل متى اتضحت الآراء ففي هذا كفاية، وفي القدر الذي نتفق عليه بركة ومقدمة لاتفاق في نقاط أخرى، وسنرى بعد حين أن ما يجمعنا ونتفق عليه أكبر بكثير مما تتباين آراؤنا فيه، وأنا أرفض تمامًا مصطلحات من قبيل (الإفحام- الإلزام- التفنيد- الإسكات... إلخ)، فنحن في مناقشة لا في منافسة، وحسبنا أن يفهم كل منا الآخر ولو لم يقتنع برأيه وحججه، ما دام يثق بإخلاصه وسلامة نيته، وقد حدث أن الإمامين أبا حنيفة ومالكًا- رحمهما الله- بعد أن صليا العشاء في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم (متعنا الله جميعًا بالصلاة فيه، قولوا: آمين) وقفا على باب المسجد يتناقشان في بعض المسائل ويختلفان، حتى إذا أدلى كل منهما بحجته ولم يقتنع بحجة الآخر أمسكا عن الجدال وانتقلا لمسألة أخرى، وتكرر ذلك عدة مرات، وبقيا كذلك حتى طلع الفجر، ولم يصدر عن أي منهما كلمة عيب في صاحبه، رحمهما الله وخلَّقنا بأخلاقهما.



2 – أنا سعيد جدًّا بمشاركة الأخ عياش، وأوافق تمامًا على أن الثقة يجب أن تكون في المؤسسات، وألا تكون خاضعة للانطباعات الشخصية، بل للضوابط المتفق عليها، وأرى مع ذلك أن الثقة في المؤسسات لا تلغي الثقة في الأفراد الذين عرفنا صدقهم وعدالتهم، وهل المؤسسات إلا بأهلها، ومن روائع ما قاله إمامنا البنا (وما أكثر روائعه): (يقولون إن العدل في نفس القاضي وليس في نص القانون) وقد قِيل: أعطني قانونًا جائرًا وقاضيًا عادلاً أضمن لك العدل، فكيف إذا اجتمع الأمران عدالة القانون وعدالة القاضي؟ وهو ما نسعى- ويجب أن نسعى- إليه في هذه الجماعة المباركة بفضل الله.



ومع ذلك فأنا لم أتجه بكلامي إلى قضية الثقة، إنما تحدثت عن أهمية حسن ظن المؤمن بنفسه وبإخوانه، وحسن الظن لا يعني العصمة، ولا ينفي الخطأ؛ لكنه يدفع الأخ إلى التماس المعاذير لإخوانه وبخاصة فيما غابت عنه بعض حقائقه، كما يدفع إلى رجاء هدايتهم إلى الصواب الذي يرضاه الله، وإلى الدعاء لهم بذلك.



هذا رأيي، وجزى الله عياشًا وإخواننا جميعًا كل خير، وإن كنت أتوقع منه ومن أحبتنا جميعًا في المستقبل استخدام ألفاظ أقل حدة وأكثر دقة في التعبير عما تنطوي عليه صدورهم من خير، وما تختزنه عقولهم من أفكار راقية.



3- كفاني أخي أبو المجدد التعليق على مسألة مذكرة الأخ الحبيب والأستاذ المفضال الدكتور الزعفراني، وكذلك كفاني أخي جندي العقيدة التعليق على كلام أخي عبد الجواد، فما كتباه هو بالضبط ما قصدته، أتم الله عليهما وعلى الجميع النعمة.



وإلى لقاء في حوار آخر رائق شائق ماتع مع حضراتكم، وحتى ذلك الحين- وهو قريب- أستودع الله دينكم وأمانتكم وخواتيم أعمالكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

----------

* عضو مكتب الإرشاد.

سيناريو الحرب الإسرائيلية القادمة على غزة

تشير بعض التخمينات الاستخبارية الصادرة في مطلع عام 2010م الحالي, والذي لم تمض منه سوى بضعة أيام, إلى احتمالات أن يشهد قطاع غزة عملية عسكرية جديدة, وذلك على غرار عملية الرصاص المسكوب التي سبق أن نفذتها القوات الإسرائيلية في مطلع عام2009م الماضي.
الحيثيات ومعطيات حملة بناء الذرائع:

تقول المعلومات, بأن الخبير الأميركي بروس رايديل قد قدم تقريرا للإدارة الأميركية, وتحديدا للرئيس الأميركي باراك أوباما, تطرق فيه إلى النقاط الآتية:

• يوجد احتمال متزايد بأن تندلع حرب إسرائيلية-فلسطينية جديدة ضد قطاع غزة, وذلك بسبب الخلايا الجهادية التي بدأت تتجمع وتتمركز في قطاع غزة.

• توجد العديد من السيناريوهات التي تتضمن انطلاق الشرارة الأولى لاندلاع هذه الحرب, منها على سبيل المثال لا الحصر, قيام هذه الخلايا الجهادية باستهداف الإسرائيليين الموجودين في المناطق المحيطة بالقطاع, وتحديدا على طول امتداد حدود إسرائيل-قطاع غزة, أو المناطق البحرية المواجهة للقطاع.

هذا وأشار تخمين بروس رايديل, إلى أن الخلايا الجهادية التي بدأت تتجمع وتتمركز في قطاع غزة, عند قيامها بأي استهداف ضد الإسرائيليين, يمكن أن تقتل بعض الجنود, وما هو أكثر خطورة قد يتمثل في قيام عناصر هذه الخلايا بغارة عابرة لحدود القطاع تسفر عن اعتقال جندي إسرائيلي, بما قد يؤدي إلى وجود " شاليط" جديد تحت قبضة هذه الخلايا, وهو ما لن تستطيع إسرائيل أن تتحمله هذه المرة, في ظل رئيس الوزراء الليكودي بنيامين نتنياهو, والذي سوف يسعى لاستغلال وتوظيف الوضع الجديد بما قد يؤدي إلى إشعال حريق أكبر, وعلى وجه الخصوص إذا أدركت حكومة الليكود-إسرائيل بيتنا بأن هذا الحريق قد يشكل مخرجاً جديداً.

ماذا تقول سردية الخلايا الجهادية الجديدة:

خلال الفترة الممتدة من لحظة صعود حركة حماس لجهة إكمال سيطرتها على القطاع, تواترت المزيد من التقارير والتسريبات التي سعت إلى التأكيد على تزايد العناصر الجهادية في القطاع, وكان من أبرز هذه التسريبات, المزاعم التي قالت بأن بعض الأطراف الأصولية السلفية تعمل لجهة نشر المزيد من الخلايا السلفية-الجهادية في مناطق جنوب قطاع غزة, وذلك لموازنة نفوذ حركة حماس التي تمركزت في شمال القطاع, وبرغم عدم الاهتمام بهذه المعلومات, فقد جاءت تطورات الوقائع والأحداث اللاحقة وهي تتضمن قيام أحد زعماء الجهاديين بالإعلان في خطبة الجمعة بأحد مساجد جنوب قطاع غزة عن قيام "الإمارة الإسلامية في القطاع" الأمر الذي أدى إلى دخول أنصاره في اشتباك مسلح مع عناصر حركة حماس, والتي سعت من خلال ذلك إلى التأكيد مجددا على كامل سيطرتها على شمال ووسط وجنوب القطاع.

أشارت بعض التسريبات إلى وجود عملية تبادل معلومات واسعة النطاق تشترك فيها: وكالة المخابرات المركزية الأميركية-جهات الموساد الإسرائيلي-المخابرات المصرية-المخابرات الأردنية-المخابرات السعودية-المخابرات اليمنية-إضافة إلى المخابرات الباكستانية, وقد أسفرت عملية تبادل المعلومات هذه عن النقاط الآتية:

• وجود حركة عناصر جهادية بين المسرح الباكستاني ومسرح قطاع غزة.

• وجود عمليات تسلل مستمرة ومنظمة لداخل القطاع بواسطة العناصر الجهادية-السلفية السعودية.

وأضافت التسريبات, بأن تنظيم القاعدة, الذي ظلت مراكز رئاساته تتمركز في المناطق الشمالية من الحدود الأفغانية-الباكستانية, قد نجح مؤخرا في نقل هذه المراكز إلى منطقة بلوشستان الباكستانية المجاورة للحدود الباكستانية-الإيرانية, وحاليا, يسعى تنظيم القاعدة باتجاه تعزيز وجود رئاساته في بعض المناطق اليمنية, والمناطق الصومالية التي تسيطر عليها حركة شباب المجاهدين, التي تشكل الذراع الصومالي للقاعدة, وبرغم ازدحام جدول أعمال تنظيم القاعدة, فمن المتوقع أن يتولى تنظيم القاعدة اهتماما أكبر بالسعي لإيجاد موطئ قدم في منطقة شرق المتوسط, وبرغم الإخفاق الذي مني به تنظيم القاعدة في الساحة اللبنانية, فمن المتوقع أن يسعى التنظيم لاستغلال الفرصة التي أصبحت تلوح أمامه في قطاع غزة, خاصة وأنها ستوفر له موطئ قدم لجهة استهداف الإسرائيليين, والنظامين المصري والأردني, إضافة إلى الأطراف الفلسطينية المهادنة لإسرائيل.

السيناريو, والسيناريو المضاد:

تؤكد كل تصريحات زعيم القاعدة أسامة بن لادن, ونائبه أيمن الظواهري على أن التمركز في منطقة الشرق الأوسط, هو حلم القاعدة الأول, وذلك لجهة الربط بين مشروع إقامة الإمارة الإسلامية, ومشروع تحرير القدس, أما بالنسبة لنجاح تنظيم القاعدة في تحقيق التمركز في قطاع غزة, فهو أمر يصعب تأكيده أو نفيه, وذلك, بسبب:

• استمرار سيطرة حركة حماس على قطاع غزة, بسبب تفوقها العسكري والمعنوي داخل القطاع.

• عدم قدرة حماس على فرض سيطرة كاملة, وذلك لأن دعم السكان المحليين في القطاع هو الذي يحدد في نهاية الأمر من هو الذي سوف يسيطر.

وبالتالي, إذا دخلت حركة حماس في الهدنات وعقد الصفقات, والمصالحات, دون الحصول على شيء, فمن الممكن أن يحدث انقلاب في الرأي العام الفلسطيني داخل قطاع غزة, بما يتضمن ليس قيام السكان المحليين بدعم الخلايا الجهادية الجديدة, وإنما بانشقاق الكثير من الأطراف داخل حركة حماس نفسها, فقد سبق أن سيطرت حركة فتح على القطاع.

ولكن انقلاب الرأي العام الفلسطيني داخل القطاع اتجه نحو دعم حركة حماس, والآن, فإن استمرار سيطرة حركة حماس في القطاع سوف يكون رهينا بمدى قدرتها على عدم التورط في صفقات محور تل أبيب-القاهرة-عمان الخاسرة, والتي سوف لن تجلب لحركة حماس سوى استبدالها بالخلايا الجهادية, وتنظيم القاعدة, وما هو جدير بالاهتمام يتمثل في أن سيناريو الاستبدال هذا, هو الذي يسعى لتحقيق محور واشنطن-تل أبيب المدعوم بواسطة القاهرة, وذلك لأنه سوف يتيح لبنيامين نتنياهو إرسال قواته هذه المرة تحت مزاعم أنه يسعى لمحاربة القاعدة, مستخدما نفس مبررات إرسال أميركا وبلدان الاتحاد



الأوروبي للقوات الأميركية وقوات حلف الناتو لأفغانستان واستخدام الطائرات والقوات الخاصة في استهداف المتشددين في جبال هندوكوش, وتورابورا, و اليمن.

موقع الجمل، 6/1/2010

http://www.alzaytouna.net/arabic/PlsToday_Word_Archive/2010/1/Pls_1662_7-1-2010.doc

من وحي الانتخابات

تمت الانتخابات - بفضل الله - و اجتهد إخواننا فيها قدر جهدهم لإخراجها و إتمامها علي أفضل صورة ممكنة حتي تشكل لنا مكتب إرشاد هو باقة من خيرة الإخوان كل واحد فيهم يصلح -بنعمة الله عليه- لأن يحمل أمانة و قيادة دولا بكاملها نحسبهم كذلك و لا نزكيهم علي الله و قد صاحب هذه الانتخابات زخم إعلامي شديد كان في أغلبه يهول الأحداث و ينسج القصص و الأساطير من قبيل أن شباب الإخوان الغاضبون يستعدون لاقتحام مكتب الإرشاد بالمنيل و إيقاف الانتخابات الباطلة و من مثل أن د.عصام العريان انقلب علي الإصلاحيين و عقد صفقة مع المحافظين في مقابل دخوله مكتب الإرشاد و غيره من القصص و التلفيقات الأمنية المفضوحة و في المقابل كان هناك قلة من المتابعات الإعلامية الموضوعية سواء من كتاب و أعضاء الإخوان أو من غيرهم و بعض هذه الكتابات انتقدت بعض الممارسات و الأحداث التي شابت هذه الانتخابات وصلت إلي طلب البعض إلي إعادة الانتخابات بكاملها حفاظا منهم علي سمعة و مكانة الجماعة و غيرة منهم علي ألا يشوب هذه الدعوة التي هي أمل الأمة بحق في مواجهة المشروع الصهيوأمريكي الذي يسعي لاحتلال أرضنا و عقولنا ... و لكن لكل هؤلاء الغيورين علي دعوتنا أناقش معهم الأمر فأسوق بعض القواعد الشرعية - العقلانية في الأساس- فهناك القاعدة التي تقول أن : " درء المفاسد أولي من جلب المصالح" و هناك القاعدة التي تقول أن : " الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف" ومن ذلك فعل النبي صلي الله عليه و سلم من تركه هدم الكعبة و إعادة بناءها بعض ضم حجر إسماعيل الذي هو جزء منها خوفا من أن القوم حديثو عهد بالإسلام و خوفا من أن يستسهل الناس - بعد النبي صلي الله عليه و سلم - الأمر و يصبح هينا في نفوسهم فترك الكعبة علي ماهي عليه ضرر و لكنه أهون من إعادة الهدم و البناء و قد يصبح الأمر ملعبة بين الناس ... و لذا وجدنا ذلك الموقف الصلب من مرشدنا الأستاذ عاكف في رفض أي محاولات لإعادة الانتخابات برغم ما قد نتفق أو نختلف عليه من ملاحظات شابت العملية الانتخابية و قد نلتمس لإخواننا بعض الأعذار سواء بالتضييق و المخاوف الأمنية أو بعد المسافات أو عدم إمكانية التواصل و التعارف الجيد بين أعضاء الشوري أو غيه مما قد نتفق فيه أيضا أو نختلف في نسبه أو حجمه و لكن الأهم الآن هو الحفاظ علي وحدة الكلمة و لم الشمل و هذا هو المقدم الآن في ظل ظروف صعبة تمر بنا علي مختلف الأصعدة داخليا و خارجيا ... إذن فالفرقة و الانشقاق ضرر كبير لا يحتمل و غير مسموح به و قد نتحمل ضررا أخف و هذا أهون حسب القواعد الشرعية و العقلانية و إن كان هذا لا يمنع من أن نتعلم من الأخطاء و نضع سبل عدم تكرارها و نعدل من لوائحنا بالطريقة السليمة بما يضمن عدم وقوع مثل هذه الأخطاء و الله تعالي يدبر لدعوته و هو ناصر الحق .

الأربعاء، 6 يناير 2010

عام على هزيمة الإنسانية

لا يمكن لأي إنسان محايد يتمتع بفطرة سليمة إلا أن يعتبر ما حدث في غزة مطلع العام الماضي ولم ينتهي إلى يوم الناس هذا سوى إنها هزيمة جديدة للإنسانية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. ذلك لأن جريمة وقعت بكل تفاصيلها الدقيقة على مرأى ومسمع من العالم كله وفر فاعلها بلا عقاب رغم انه معلوم المعالم والعنوان. صحيح أن الإنسانية شهدت مثل هذه الجرائم ولكن الوحشي والمثير للشفقة هو ذلك المستوى المتدني الذي وصلت له الفطرة الإنسانية حيث أن الجريمة لا تزال مستمرة والجرح الإنساني العميق لا يزال ينزف بغزارة والجميع يقف مكتوف الأيدي بل وربما في وضعيه التواطؤ مع المجرم. ولولا الأضواء الخافتة الواهنة التي نراها في نهاية النفق شديد العتمة الذي تقف فيه الإنسانية الآن من أصحاب النفوس السوية التي لا يزال قلبها ينبض بالحياة لأعلنت وفاة الإنسانية واختفاء نوازع الخير فيها.

دعونا نتفق بداية أن إسرائيل خرجت مهزومة في هذه الحرب هزيمة بالمعنى الحرفي للكلمة. هزيمة عسكرية إذ فشلت في تحقيق أي من أهدافها المعلنة أو حتى الخفية سوى الدمار والقتل الذي خلفته وراءها ولكنها بشهادة كل العسكريين تلقت هزيمة عسكرية إستراتيجية فالحرب ليست موسم قتل وتدمير بل هي طريق لإخضاع العدو. قد يقول قائل إنها نجحت في تحقيق أهدافها والدليل أن الصواريخ التي تطلق عليها توقفت. والرد أن إطلاق الصواريخ لم يتوقف حتى بعد إعلان إسرائيل وقف عملياتها العسكرية. وان المقياس من الآن فصاعدا ليس في حجم ما يمكن أن تلقي به المقاومة على إسرائيل من صواريخ بل في حجم ما ستلقاه إسرائيل من مقاومة وما ستتكبده إسرائيل من خسائر في أي معركة عسكرية مشابهة لما حدث في أوائل العام المنصرم.

ولكن وكما هو الحال في حرب إسرائيل على لبنان عام 2006 خرجت إسرائيل مهزومة استراتيجيا ولكنها حققت عبر حلفائها ما لم تستطع أن تحققه في الميدان. واستطاعت عبر الضغوط الدولية والداخلية أن تبعد فوهة البندقية عن رأسها قليلا. وهو ما حاولته بنفس السيناريو بعد حرب غزة. فسارعت إلى توقيع أغرب اتفاق وقف إطلاق نار في التاريخ عبر اتفاقية مع طرف ثالث لوقف الحرب في الاتفاقية المعروفة باسمي ليفنى- رايس والتي تعهدت فيها الولايات المتحدة بعدت تعهدات كلها ينبغي على أطراف أخرى أيضا أن تنفذها مثل وقف تهريب السلاح وضبط الحدود مع القطاع إلى آخره.

أخطر ما وقع أثناء هذه الحرب هو حالة الفرز والاستقطاب الشديدين التي أسفرت عنها هذه الحرب وبشكل اكبر من الحرب اللبنانية. إذا أن العالم انقسم إلى نقيضين احدهما مع إسرائيل وحلفاءها يؤيد الحرب سرا وعلانية والطرف الأخر وقف إلى جانب المقاومة يساندها ويكشف الجرائم التي ارتكبت في حق شعب أعزل يقف أمام قوة عسكرية مدججة بالسلاح ولكنها بائسة سياسيا واستراتيجيا وتبحث عن نصر بأي ثمن. وكان الفرز في الجانب العربي أشد ووضح تباين المواقف بشكل فاضح مما جعل تسمية "حرب الفرقان" التي أطلقتها حماس على الحرب هو الأنسب لهذه الحرب حيث كانت بمثابة لحظة الكشف التي ظهر فيها الجميع بلا أقنعة وكل الوجوه بلا رتوش.

في كل الأعراف الإنسانية فإن تسجيل حي لجريمة ما هو قمة النجاح في إثبات أركان الجريمة بما يسهل الأمر على أي قاضي للإدانة المجرم وتوقيع العقاب المناسب عليه. ولذلك لم يكن من الصعب على ريتشارد جولدستون، القاضي ‏السابق بالمحكمة الدستورية لجنوب إفريقيا والمدعي السابق للمحكمتين الجنائيتين الدوليتين ليوغوسلافيا ‏السابقة ورواندا‏ أن يتوصل للحقيقة حيث كانت واضحة وضوح الشمس. وهنا نسجل أول هزيمة للإنسانية بصورة عامة وهزيمة لبعض الأطراف ومنها فلسطينية للأسف. إذ لو حدث ما حدث مع كيان أخر غير إسرائيل لسيق العشرات من قيادته إلى السجون ووضعت أسماؤهم على قوائم المطلوبين لدى الجنايات الدولية. ولكن في هذه حالة فإن عملية التغطية على الجريمة والتهرب من إدانتها والتستر على مرتكبيها لا يزال مستمرا.

وبعد أن وضعت الحرب أوزارها بصورة مفاجئة بدون أن تتوقف المقاومة عن إطلاق الصواريخ ولا أطلق سراح الجندي الإسرائيلي الأسير أو تسقط حماس أو تضعف قبضتها على القطاع أو حتى يقف التهريب بدأت حرب من نوع أخر أقذر وأشد شراسة في تقديري حتى من الفسفور الأبيض الذي قتل وشوه الفلسطينيين آلا وهو حرمان الفلسطينيين من ثمرة الصمود والانتقال إلى مرحلة إحكام الحصار والخنق لغزة. فتوقفت عملية إعادة الإعمار ولم يسمح بدخول مواد البناء الضرورية لأكثر من 6000 أسرة تسكن الآن في الخيام و العشش. بل وحرم القطاع من أبسط ضرورات الحياة ليتحول إلى اكبر سجن في تاريخ البشرية. وهنا تلقت الإنسانية هزيمة جديدة إذ وقف العالم كله يشاهد جزءا من الكيان البشري يتعرض لتعذيب وتنكيل يومي بسبب خياره الديمقراطي والسياسي وخيارة الجغرافي بوقوعه في هذا المكان في من العالم واستعداده المذهل للدفاع عن حقه في الحرية والحياة الكريمة.

وعلى نقيض الحالة اللبنانية التي كان لسوريا دور مركزي داعم لحزب الله في حربة مع إسرائيل فإنه في الحالة الفلسطينية كان النظام المصري للأسف شوكة في ظهر القطاع فما أن انتهت الحرب ووقعت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسبي ليفنى مع وزيرة الخارجية الأمريكية المنصرفة كوندليزا رايس اتفاقها الشهير حتى بدأت السلطات في مصر خطوات أشبه بالتنفيذية فالأنفاق التي أضحت شريان الحياة الوحيد للفلسطينيين الذي لم يتم سده منذ بداية المقاومة راحت تتساقط ويعلن الكشف عنها ليصل إلى 62 نفق منذ بداية العام حتى شهر أكتوبر بل إن السلع التي ظن أنها تعد للتهريب للقطاع تم الكشف عنها ومصادرتها. وترافق ذلك مع زيارة مراقبين دوليين للحدود المصرية مع غزة للتعرف على جهود الحكومة المصرية لوقف عمليات التهريب مع غزة. بعد ذلك شرع النظام المصري في واحد من أخطر مشاريعه وأبعدها أثرا ليس فقط على غزة وأهلها بل على مصر وأمنها القومي على المدى البعيد كان ذلك الجدار الفولاذي العازل الذي جاء الكشف عنه من إسرائيل نفسها. وبعد محاولة مصرية بدائية في النفي، تراجعت وأعلنت أنها تقوم فعلا بعمل الجدار دون الكشف عن تفاصيله والسبب من وراء بناءه بل وتكلفته أيضا التي قيل أنها تبلغ 23 مليون دولار أمريكي.

الهدف المصري من هذه الإجراءات غير مبرر وغير معلن ولا يمكن تفسيره وإعطاؤه الشرعية والمنطقية بناء على حجج النظام المصري وإعلامه بأنه وقف تهريب المخدرات والإرهاب الخ.. في الوقت الذي لم تسجل فيه أي عملية إرهابية وقعت في مصر كان مصدرها غزة تحديدا. بل ويعجب المرء من سذاجة طرح تهريب المخدرات من قطاع يسأل الله ثمن الدقيق. ولكن بعض التدقيق في الصورة يمكن أن يكشف عن بعض الأسباب لهذه المطاردة المصرية لغزة بعد توقف إسرائيل نفسها عن الحرب المعلنة.

أعتقد أن أهم هذه الأسباب للهزيمة الإنسانية للنظام المصري في حالة غزة هي:

1- الربط العجيب بين حماس في فلسطين وحركة الإخوان المسلمين في مصر. نعم حماس هي امتداد الإخوان المسلمين في فلسطين ولكن أجندة حماس تختلف من حيث بنودها وأبعادها عن تلك التي تتصل بالإخوان في مصر. فحركة حماس في فلسطين حركة مقاومة تسعى لتحرير فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي ولذلك فإن الداخل المصري لا يعنيها في شيء بل إنها في تقديري احرص على علاقة دافئة مع مصر لما في ذلك من تسهيل لوضعها تحت الحصار. ولكن الحساسية المصرية المفرطة تجاه الحركة بدا واضحا منذ اليوم الأول لوصول الحركة إلي السلطة حتى وهي في حكومة وفاق وطني مع فتح والرئيس عباس. فظل تعامل مصر مع قيادات ووزراء حماس من خلال جهاز المخابرات العامة لتماثل وضع الإخوان في مصر والذي تعتبرها الحكومة المصرية حركة محظورة تتعامل معها من خلال جهاز امن الدولة.

2- الموقف الدولي من حماس والذي عمل على وضع حكومة حماس تحت الحصار الدائم ولم تنجح الدول العربية بتعديل هذا الموقف رغم قدرتها في رأيي على ذلك حيث أن وضعية حماس كحركة منتخبه ديمقراطيا كان يمكن أن يسهم في تخفيف الحصار الدولي عليها لولا اشتراك دول ما يعرف بالاعتدال العربي والنظام المصري على وجه الخصوص في عملية منظمة لخنق وإسقاط حكومة حماس.

3- ملف التوريث في مصر والذي يظل احد الأسباب للتعاطي الإيجابي للنظام مع المطالبات الدولية لخنق غزة بهدف إخضاعها للشروط الإسرائيلية أو إسقاط نظامها وإعادته لنظام عباس.

في ظلال هذه الهزيمة الإنسانية بدا موقف النظام المصري مريبا وعجيبا فهو مستعد بل ويرحب بمقابلة مجرمي الحرب من أمثال أولمرت وليفنى ويهود بارك ورئيس السلطة الذي فقد كل أوراقة عوضا عن شرعيته في الوقت الذي ظل فيه على تحفظه ومعاملته غير السوية مع الشريك الفلسطيني الأهم في القضية الآن. وانتهى العام الأول على هزيمة الإنسانية في غزة بمواقف غريبة وتعنت حول مسار قافلة إغاثة وقيود على أعداد ناشطين جاءوا من كل أركان الدنيا لإضاءة شمعة أمل في نفق الإنسانية المظلم في غزة فإذا بالحكومة المصرية تمنع معظمهم من دخول القطاع لتصادر حق أخر لسجين غزة في أن يقرر وحده من يزوره.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن كم مبرر قدمه العالم والنظام المصري وبعض الفلسطينيين أنفسهم لإسرائيل لمواصلة جريمتها ضد أبناء الإنسانية في غزة؟

د.خالد

توصيات تربوية من واقع الأحداث



بقلم: د. محمد بديع






من فضل الله علينا وعلى الناس أنه ربنا الكريم الحنان المنان الذي لا يترك عباده ويتولى الصالحين وحتى المخطئين؛ فهو طبيبهم يبتليهم بالمصائب ليطهرهم من المعايب، وقد عاشت جماعتنا المباركة منذ نشأتها في كنف الله عز وجل، تتقلب بين نعم فتشكره عليها، وتصبر على ابتلاءاته فيجعلها الكريم منحًا في طيات محن، وكان وما زال وسيظل هذا هو استقبالنا لتربية الله لنا بالأحداث كما قال عز وجل: ﴿لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ (النور: من الآية 11)، وكما قال رسوله صلى الله عليه وسلم: "عجبتُ لأمر المؤمن إن أمره كله لهو خير، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن".




لقد ظهرت ثغرات تحتاج إلى أن نسدها بسرعة وبإتقان، فكل واحد منا على ثغرة من ثغور الإسلام، فلا نؤتين من قِبلك، وكذلك أي ثغرة نجدها في الصف يتسلل منها الشيطان، كما رآه الرسول صلى الله عليه وسلم رأي العين، وعلَّمنا أن نسدها بجسدنا في الصلاة التي تمنع فيها الحركات أصلاً إلا هذه الحركة الضرورية لملء فراغات الصف، وللمصلي على ذلك الأجر حتى ولو كانت حركة لدعم أخ من آخر الصف حتى لا يصلي وحده، أي أنها حركة فيها تأخر في المكان والمكانة ولكن الأجر مضاعف.


حدث أن تناقلت وسائل الإعلام أخبارًا غير صحيحة، وأحيانًا روايات وتحاليل مغرضة، وأثَّر ذلك في بعض أفراد الصف، وهذا شيء طبيعي ولكن تداعياته خطيرة إذا لم يُعالج ولم تُعالج أسبابه، وهذا هو العلاج الرباني والنبوي الشريف ﴿لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ(12) لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13)﴾ (النور)، ﴿فتبينوا﴾، وفي قراءة ﴿فتثبتوا﴾، وهذه أوامر نزلت للتنفيذ؛ فلماذا غفلنا عنها وغفلنا عن دوافع هذه الفتن ﴿يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَةَ﴾، والأخطر من ذلك ﴿وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ﴾ (التوبة: من الآية 47).


نعم إنه في المقابل يجب أن تعرف الأخبار الصحيحة، وإذا حدث خطأ وجب على المخطئ أن يعترف بخطئه فهذه فضيلة (ولهذا حديث آخر بإذن الله)، أما الحديث النبوى الشريف في هذا المقام؛ فيعلمنا أننا يجب أن نحب ما يحبه الله، ونكره ما يكرهه الله "إن الله كره لكم قِيل وقال"، واللافت للنظر أنه عليه الصلاة والسلام حذَّر أولاً من قيل، وهي الكلام مجهول المصدر (صرَّح مصدر رفض ذكر اسمه)، (مصدر وثيق الصلة بالجماعة)، (صرَّحت شخصية قيادية نحتفظ باسمها) قبل أن يحذرنا من قال، وهو الكلام المعلوم المصدر، وكل ذلك من أساليب الدس والوقيعة والتماس العيب للبرآء.. لذا يجب أن نشغل أنفسنا بمعالي الأمور التي يحبها الله ويكره سفاسفها؛ لأن النفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، وهكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما كثر اللغط في الغزوة من حديث الإفك، أمر أصحابه أن يركبوا دوابهم، ثم تقدم بهم للأمام يومًا كاملاً؛ حتى حلَّ عليهم التعب فناموا فجعل العلاج مزيدًا من العمل بعد العمل ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ(7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)﴾ (الشرح)، فلا وقت للكلام والواجبات أكثر من الأوقات "لو أنكم تشترون الكاغد (أدوات الكتابة) للحفظة لسكتم عن كثيرٍ من الكلام"، هذا قول الصادق المصدوق في فضول الكلام، فما بالكم بالمكروه منه فضلاً عن المحرم.


وزاوية ثانية لوحظت في هذه الفترة أيضًا، بعد أن سكن الغبار والدخان الإعلامي المتعمد؛ وهي أن بعضنا لا ينضبط ميزانه، ولا يحصل على درجة النجاح في امتحان التجرد في الحكم على الأشخاص والمواقف بغير هوى (فاللهم ارزقنا أن نعيش مع الحق بغير خلق، وأن نعيش مع الخلق بغير نفس، وأن نعيش مع النفس بغير هوى)، ففي الغضب لا نغضى عن الحسنات وفي الرضا لا نرفع الشخص ولا الموقف فوق ما يستحق، وهذا فيما بيننا وبين بعضنا، وأيضًا فيما بيننا وبين كل الناس.


إخواني وأخواتي وأحبابي في الله..


إن قياداتكم بشر، فلا ترفعوهم بحبكم لهم إلى درجة مَن لا يخطئ، وعندما يخطئون لا تنزلوهم إلى درجة أقل من حقهم ومكانتهم؛ لأن هذا- إن حدث- خلل في ميزانكم وحكمكم على الموقفين.. وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الإمام في الصلاة رغم مكانته العالية عند الله وعند الناس بشر يصيب ويخطئ، وقد وضعت السنة لنا وله ضوابط تصحيح الخط أن نقول له: (سبحان الله) كلمة موجزة؛ لكنها عميقة الأثر فى التربية، فمعناها أن المنزه عن الخطأ والنسيان هو الله، أما أنا وأنت فالنسيان والخطأ واردان، وأيضًا درجة الخطأ لها سنة، فإن نسي الإمام التشهد الأوسط ونبهناه فلم يستجب، يأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتابعه رغم ذلك لأن ذلك أوجب.. أما إذا قام ليأتي بركعة زائدة وأنت متأكد من ذلك يقينًا فاجلس في مكانك ولا تتابعه حتى ينتهي هذا الخطأ الكبير ويعود إلى نقطة الاتفاق؛ وهي التشهد الأخير فتقرأه معه، وتُسلِّم بعده فما زال إمامك وقائدك، فلا يجب أن أضخم الخطأ البسيط ولا أشارك في الخطأ الكبير؛ لأني أعرف الرجال بالحق، ولا أعرف الحق بالرجال، وفي نفس الوقت أحرص على وحدة الصف خلف القائد الصالح البشر الذى يصيب كثيرًا ويخطئ قليلاً.


وتحضرني قصة حادثة طريفة حكاها لي الأخ الكبير الحاج شناوي- رحمه الله وإخوانه جميعًا وأهلنا برحمته الواسعة- عندما كانوا في سجن قنا بعد مضي خمسةَ عشر عامًا في السجون نُقلت لهم مجموعة من شباب 65 من سجن طره، فاستقبلوهم بغاية الحب والترحاب؛ لأن امتداد الدعوة بهم عودة للروح بعد كل هذا الجهاد المرير، فإذا ببعض الشباب يرى أن شرب هؤلاء الإخوة المجاهدين للشاي تفريط ووهن في العزيمة واتباع للشهوة ولو كانت حلالاً، وقرروا هم ألا يشربوا إلا الحلبة، وسموا عنبرهم عنبر الحلبة وإخوانهم عنبر الشاي.. فجمعهم الحاج شناوى رحمه الله وقال لهم: (قبل أن تلتقوا بنا رسمتم لنا صورة ملائكية، ورفعتمونا إلى السماء ولا دخلَ لنا في هذا، وعندما عشتم معنا ووجدتمونا بشرًا خسفتم بنا الأرض دون ذنبٍ جنيناه، وكلاهما خللٌ في تقييمكم وميزانكم فاضبطوا ميزانكم تعتدل أحكامكم).


وتذكروا أيها الأحباب أن من صفات أهل الجنة أن تدعو أجيالهم لبعضها بظهر الغيب ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ (10)﴾ (الحشر)، ولا تجعلنا من أهل النار الذين ﴿كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا﴾ (الأعراف: من الآية 38)، والعياذ بالله.. فاللهم ثبتنا على الحق حتى نلقاك وأنت راضٍ عنا غير خزايا ولا ندامى ولا مبدلين ولا فاتنين ولا مفتونين، وانفع بنا الإسلام والمسلمين والناس أجمعين هداة مهديين لا ضالين ولا مضلين.


واحذروا ما نبهك إليه الإمام البنا رحمه الله (الزلل فيه، والانحراف عنه، والمساومة عليه، والخديعة بغيره).
----------
 عضو مكتب الإرشاد.

الاثنين، 4 يناير 2010

يان من المرشد العام إلى الإخوان المسلمين


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.. وبعد؛ فقد قال تبارك وتعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ (النساء: من الآية 83).

أيها الإخوان الكرام.. أصحاب دعوة الحق، وحملة رسالة النور، ورافعي مشاعل الهداية، يا أمل الأمة.. في أجواء من التربص والكيد والتآمر على جماعة الإخوان؛ نجح الإخوان بفضل الله أولاً وأخيرًا، ثم ببركة وعيهم وحرصهم وإيمانهم بدعوتهم، نجحوا في إجراء انتخابات مكتب الإرشاد على أنزه ما تكون الانتخابات، وشهد لهم بذلك القريب والبعيد، فاحمدوا الله أن خصَّكم بهذه الأخلاق العظيمة التي ميَّزت تعاملكم مع الأحداث الأخيرة ومع قضية الانتخابات، والذي كشف عن قوة جماعتكم وسلامة نظمها ولوائحها وصدق الالتزام بها.

أيها الإخوان الكرام.. لقد كان من نتائج وعيكم وحرصكم هذا الاستقرار الطيب في مؤسسات الجماعة، ولقد اطمأن قلبي تمامًا لمستقبل هذه الجماعة بما رأيت من جموع الإخوان كبارًا وصغارًا من صدق مع الله ومع النفس، ومن أخوة رائعة، ومن استمرار ودأب في العمل الجاد والمثمر لخدمة دينهم وأمتهم ووطنهم.

ولكم أن تفرحوا بما منَّ الله عليكم من هذا الرشد والثبات والبعد عن لغو لا خير فيه لأحد، فشكر الله لكم، وأدام الله توفيقكم، وزادكم ثباتًا وتأييدًا.

أما الذين يريدون أن ينالوا من الجماعة فأقول لهم: استغفروا الله وراجعوا أنفسكم، فهذه الجماعة المباركة المنتشرة في أقطار الأرض، والمستقرة في قلب ووعي الشارع الإسلامي والعربي والعالمي تحمل مشروعًا إسلاميًّا إصلاحيًّا نهضويًّا حضاريًّا، يقف بقوة في وجه المشروع الصهيوأمريكي الاستعماري.

وأولى بكل مخلص لهذه الأمة ولهذا الوطن أن يتعاون معها وأن يكون من جنودها، أو على الأقل يعمل على دفع الأذى عنها؛ لأن في بقائها نامية متطورة قوة لأمتنا وحفظًا لأمنها القومي.

وأما رجال الإعلام الذين وقفوا وقفة موضوعية حيال الجماعة فإنني أتقدم لهم بخالص الشكر، وأؤكد تقدير الجماعة للإعلام والإعلاميين وإيمانها بالرسالة الإعلامية الجادة لتبصير الأمة وتزكية وعيها.

وأما إخواننا الذين يعتبون علينا في بعض ما غابت حقائقه عنهم؛ فنسأل اللهَ أن يغفر لنا ولهم، وأن يجمع قلوبنا جميعًا على الحق المبين، ونقول لهم: إن جماعتنا المباركة ودعوتنا الطاهرة في حاجة لكل الجهود والآراء والنصائح، وإنها لن تألو جهدًا في تطوير لوائحها وتجديد نظمها وهياكلها بما يعينها على تحقيق أهدافها، ولا ريب أن الجميع يدرك أننا نمر بمراحل مختلفة في مسيرتنا الطويلة، ولكل مرحلة متطلباتها، وما دمنا ننشد الحق ونسعى للكمال؛ فإننا مطمئنون لتوفيق الله إن شاء الله، وليتذكر كل من ألقى الشيطان على لسانه كلمة غاضبة أو عتابًا مرًّا قول الإمام الشافعي "الحر من راعى وداد لحظة، وانتمى لمن أفاده ولو بلفظة".

واطمئنوا أيها الأحبة إلى أن التطوير والتجديد في اللوائح مستمر؛ حتى نبلغ أفضل ما تحبون لدعوتكم وما ترجون لجماعتكم، وأسأل اللهَ أن يتولى توفيقنا وإياكم لما يحب ويرضى... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محمد مهدي عاكف
المرشد العام للإخوان المسلمين


الأحد، 3 يناير 2010

﴿لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا﴾











الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن والاه.. وبعد؛ فقد قال ابن إسحاق: حدثني أبي إسحاق بن يسار عَن بَعْض رجال بَنِي النجار أَن أبا أيوب خَالِد بْن زَيْد رضي الله عنه قَالَتْ لَهُ امرأته أمُّ أيوب: يا أبا أيوب، ألا تسمع مَا يَقُول النَّاس فِي عَائِشَة؟ قَالَ: بلى وَذَلِكَ الكذب، أكنتِ يا أمَّ أيوب فاعلة ذَلِكَ؟ قَالَتْ: لا والله مَا كنت لأفعله، قَالَ: فعائشة والله خير منك (سيرة ابن هشام).

وعن بعض الأنصار: أن امرأة أبي أيوب قالت له حين قال أهل الإفك ما قالوا، فقال لها: يا أم أيوب أكنت تفعلين ذاك؟ فقالت: لا والله. فقال: فعائشة والله خيرٌ منكِ وأطيب، فأنزل الله عز وجل ﴿لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ (12)﴾ (النور)، يعني قول أبي أيوب لأم أيوب، وكان أبو أيوب قال لها: إن الذين قالوا لها هو إفك (مسند إسحاق بن راهويه).

لما كانت نساء النبي صلى الله عليه وسلم هن أمهات المؤمنين فقد عرف الزوجان الكريمان أبو أيوب وأم أيوب رضي الله عنهما ما ينبغي أن يكون عليه يقين المؤمن نحو أمه، ونحو بيت النبوة الطاهر، وقد نُقل عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في معنى ﴿ظَنَّ المُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا﴾ قال: ظن المؤمنون أن المؤمن لا يفجر بأمه، وهذا الذي دلَّ الحديث على أنه كان يقينًا في نفس أبي أيوب وأم أيوب، والآية بذلك شاهدة على وصفهما رضي الله عنهما بالإيمان.

وقيل في تفسير الآية الكريمة: المعنى أنه كان ينبغي أن يقيس فضلاء المؤمنين والمؤمنات الأمر على أنفسهم، فإن كان ذلك يبعد فيهم فذلك في عائشة وصفوان رضي الله عنهما أبعد، وهذا النظر السديد هو الذي وقع من أبي أيوب الأنصاري وامرأته، وهذا هو الذي عاتب الله تعالى عليه المؤمنين إذْ لم يفعله جميعهم، فقال: ﴿وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (13) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (14) وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (15) يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (16) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (17)﴾ (النور).

إن واجب المؤمن نفي شائعة الشر وقالة السوء عن المؤمنين، فقوله تعالى ﴿بِأَنفُسِهِم﴾ معناه بإخوانهم، فأوجب الله على المسلمين إذا سمعوا رجلاً يقذف أحدًا ويذكره بقبيحٍ لا يعرفونه به أن ينكروا عليه ويكذبوه، مثلما فعل أبو أيوب وأم أيوب رضي الله عنهما، وتوعَّد سبحانه مَن ترك ذلك ومَن نقله.

وقد عدل سبحانه عن الخطاب ﴿لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ﴾ إلى الغيبة ﴿ظَنَّ المُؤْمِنُونَ﴾، وعن الضمير إلى الظاهر؛ ليبالغ في التوبيخ بطريقة الالتفات، وليصرح بلفظ الإيمان دلالةً على أن الاشتراك فيه مقتضٍ أن لا يصدِّقَ مؤمن على أخيه ولا مؤمنة على أختها قول عائب ولا طاعن، وتقديم الظرف وهو ﴿إِذْ سَمِعْتُمُوهُ﴾ على عامله وهو ﴿قُلْتُمْ﴾ للاهتمام بمدلول ذلك الظرف؛ تنبيهًا على أنه كان من واجبهم أن يطرق ظنُّ الخير قلوبهم بمجرد سماع الخبر، وأن يتبرءوا من الخوض فيه فور سماعه.

وفي هذا تنبيه على أن حق المؤمن إذا سمع قالةً في أخيه أن يبني الأمر فيها على الظنِّ الحسن لا على الشك، وأن يقول بملء فيه بناءً على ظنه بالمؤمن الخير: ﴿هذا إفك مبين﴾ هكذا بلفظ المصرح ببراءة ساحته، كما يقول المستيقن المطلع على حقيقة الحال، وهذا من الأدب الحسن الذي قلَّ القائم به والحافظ له، وليتك تجد مَن يسمع فيسكت ولا يشيع ما سمعه بإخوته وأخواته!.

حاجتنا إلى هذا الدرس:
ما أحوجنا أيها الإخوان إلى هذا الدرس التربوي العظيم، ونحن نواجه هذه العواصف الإعلامية الهوجاء التي أخذت على عاتقها تشويه كل جميلٍ في هذه الدعوة الكريمة، وتصوير الإخوة الدعاة الكرام المربين أصحاب التاريخ الناصع المشرف على أنهم مجموعة من المتنافسين على الدنيا والمدبرين للمكائد ضد بعضهم البعض، فيمارس كثيرٌ من هؤلاء الإعلاميين ما يُعرف بالإسقاط النفسي؛ حيث لا يرى في المؤسسات التي يتعامل معها إلا الكيد والتآمر وتدبير المقالب ومحاولة الصعود على أكتاف الآخرين، ومن ثم لا يتصور وجود مجموعة بشرية تترفع عن هذه الأساليب الدنيئة، فيحاول استغلال أية فرصة لتشويه الصادقين، ورميهم بما تنطوي عليه نفسه، ويسكن ضميره من أسباب الفساد، على حدِّ قول العرب (رمتني بدائها وانسلتِ)، أو على حدِّ قول العامة (يحاولون الاصطياد في الماء العكر)، بل كما قال لي أحد الإخوان بحق: إنهم يحاولون تعكير الماء ليصطادوا فيه.

نعم، إن بعضهم يفتري الأكاذيب من نسج خياله، ثم يأخذ في تقييم المواقف والأفراد بناءً على هذا الكذب، دون أن يجد حرجًا- ولو نفسيًّا- في اختراع مقالة السوء وترديدها.

وعلى كل حال، فليس أمر هؤلاء هو الذي يهمنا، وإنما يهمنا أمر إخواننا وأحبتنا الذين يعرفون إخوانهم عن قرب، ويدركون الأخلاق التي تحكم حركتهم، والآداب التي يتحلون بها حتى وإن اختلف بعضهم مع بعض، ولهؤلاء الأحبة أقول:
ما من أحدٍ اختار السير في هذا الطريق إلا وهو يضع عينيه على الجنة، ويستهدف أن يكون محل رضوان الله، ويوقن أنه لا معنى لأن يكسب الإنسان كل شيء إذا كان ذلك في مقابل أن يخسر نفسه عند الله ﴿إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِين﴾ (الزمر: من الآية 15)، وطلاب الآخرة لأجل هذا لا يعرفون غير سلامة الصدور لإخوانهم وغير التقدير لجهاد المجاهدين منهم، ولا يتصور أن يقع بينهم شيء من المكر أو الخداع.

العمل في هذه الجماعة هو عمل طوعي يتقرب به الأخ إلى الله تعالى، والمواقع الإدارية هي مجرد تنظيم للعمل، وكم من متأخرٍ في الترتيب الإداري أقرب وأحب إلى الله من متقدم، ولهذا لا تجد حرصًا من أحد على الاستئثار بشيءٍ من هذه المواقع، ولو كان الاعتذار عن شغل هذه المواقع مسموحًا به لرأى الناس عجبًا، إذ يود كل أخ لو أن إخوانه كفوه هذا العمل وأدوا عنه هذه الأمانة.. فهل في مثل هذه الأجواء يمكن القبول بالافتراءاتِ التي يرددها مَن لا يعرف طبيعة الإخوان المسلمين؟

حصول الخلافات في الرأي والتنوع في الرؤى- بل حتى وقوع الحزازات النفسية أحيانًا- هو سمة طبيعية في كل تجمع بشري، والتفاوت بين التجمعات المختلفة إنما هو في طريقة إدارة هذه الخلافات، ولا شيء أفضل من إدارتها عن طريق الشورى المشمولة بصدق الأخوة والمحبة، وهو ما يحرص عليه الإخوان دائمًا، ومع هذا فكثيرًا ما يبالغ الإعلام ويقدم هذا التنوع في صورة المعركة المحتدمة، بعيدًا عن الموضوعية والتجرد، والإخوان لا ينكرون حصول الاختلاف فيما بينهم على أي مستوى؛ ولكنهم يحرصون على إدارته بالأدب الإسلامي الراقي، وبالأسلوب الشرعي الشوري ما أمكنهم ذلك.

الإخوان يجتهدون في إصلاح بواطنهم وظواهرهم قدر المستطاع؛ لكنهم مع ذلك يدركون أنهم بشر خطاءون، ولا يحبون أن ينظر الناس إليهم على أنهم ملائكة لا يخطئون، بل يرون أنفسهم- كسائر الناس- عرضة للوقوع في الأخطاء، ولهذا لا يبررون الخطأ، ولا يجدون حرجًا من الاعتذار عن الخطأ، ويلتمسون للآخرين الأعذار، ويطلبون إليهم أن يعذروهم، وبخاصة فيما غابت حقائقه عنهم، وأن تكون القاعدة الحاكمة في تقييم بعض الوقائع التي لا تُعرف تفاصيلها الكاملة هي قاعدة حسن الظن والتماس العذر؛ وذلك هو أدب الإسلام العظيم.

الكلام كثير والشبهات التي تحتاج إلى توضيح أكثر من أن يحصرها مقال، لكني أسألك أيها الأخ الكريم ذات السؤال الذي سأله أبو أيوب لأم أيوب رضي الله عنهما، فأقول لك: لو كنت مكان إخوانك المفترى عليهم أكنت تفعل ذلك وتخسر دينك وأخلاقك ومروءتك وتضيع جهادك وتحبط عملك؟!

فواصل قصيرة:
- أستاذي الدكتور محمد حبيب، لا أجد الكلمات التي يمكن أن أعبِّر بها عن هذا الجبل الأشم، وأصف بها هذه القمة السامقة والشجرة الباسقة التي تفيأنا ولا نزال نتفيأ ظلالها، وتناولنا ولا نزال نتناول ثمارها المباركة، ولا تزال قلوبنا تهفو إلى العبقريات التربوية التي تطل علينا أسبوعيًّا مبدوءة بهذا النداء الرقراق: "أخي الحبيب".

- أستاذنا الكريم المفضال الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، هذه المدرسة الإسلامية العربية الوطنية المفتوحة، والقيمة الفكرية والثقافية الرائعة: كنت- كعادتك- رائعًا في ندوة (الجزيرة) التي تناولت مستقبل الإخوان المسلمين، وقدمت- كعادتك- نموذجًا رائعًا لصاحب الرسالة الذي لا يغيب عنها ولا تغيب عنه أبدًا، ولا نزال في انتظار عطاءاتك التربوية والفكرية التي أثق أنها غير محدودة، وأكرر ما قلته لك عقب الندوة: أدام الله عليك نعمة التوفيق.
--------
* عضو مكتب الإرشاد.

يا ملح الأمة.. أصلحوا بين أخويكم









ألجمت جوادي المرابط دفاعًا عن ديني وأمتي، وكفكفت قلمي عن الكتابة في الأُزيمة بين أكْفاء كرام في هذه الجماعة المباركة- الإخوان المسلمون- لانشغالي بمقارعة الأندال من الصهاينة وعملائهم في أرض الإسلام كما قال الشاعر:
قالوا نزال فكنت أول نازل                        وعلامَ أركبه إذا لم أنزل
لكني لما رأيت الكيل قد فاض من حولي، وانخرم ثقب في جدار الأخوة بين أحبَّائي، وأنسانا الشيطان عهدًا وميثاقًا على الفهم والإخلاص والعمل والجهاد والتضحية والثبات والتجرد والأخوة والثقة والطاعة، رأيت أن أدلو بدلو صفو من معين أنهار التربية الرائقة التي تعلمناها صغارًا، وأصَّلناها وعشناها شبابًا، ونشرناها كبارًا، وسوف أوجه كلمتي حبًّا وإكبارًا لكل من جرَّد نفسه لله عملاً وبذلاً ليلاً ونهارًا لإخواني في داخل هذه الجماعة خاصة صغارًا وكبارًا، ولن أخوض في تفصيلات ما سموه أزمة وهي عندي أُزيمة، وإنما سأقدم منهجيات، وهي طرائق تعالج بها المشكلات، وأصول نحلُّ بها التفصيلات، وأهم هذه المنهجيات ما يلي:
أولاً: التضرع والدعاء لتأليف القلوب ودفع البلاء: من المعلوم من القلوب بالضرورة أنها بين أصابع الرحمن، فلو توجه كل حكماء الإخوان كي يصلحوا بين اثنين، أو يجمعوا بين قلبين، بل لو بُعث الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم بكل ما أوتي من الحكمة وفصل الخطاب ما استطاع أحد أن يجمع بين قلبين مختلفين؛ فهذا ما اختص به رب الأرباب وملك القلوب، كما قال سبحانه: ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِم لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)﴾ (الأنفال)، وقال تعالى: ﴿إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35)﴾ (النساء)، فالتأليف والتوفيق بيد الرحمن، فأدعو جميع الإخوان إلى صيام بالنهار، وقيام بالليل، أن يجمع القلوب، وأن يرطِّب النفوس، وأن يشرح الصدور، وأن يؤلف بين عباده المؤمنين، ويجتهدوا في التضرع، فإن الله تبارك تعالى يقول: ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا﴾ (الأنعام: من الآية 43)، وقد مسنا ضرٌ، ونالنا ضيْرٌ، واشتد بأس عدونا بالتقاط الأقوال من هنا وهناك؛ مما يستوجب البدء بهذا المفتاح وهو الدعاء، وهو صلب العبادة، كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي بسنده عن النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدعاء هو العبادة".

ثانيًا: إذا هوجم الإسلام انتفضنا وإذا هوجم الأشخاص احتسبنا: نحن جماعة قامت؛ كي تعيد للإسلام عزته، وتمكن لهذا الدين في الأرض، ولتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى، فيجب أن نبقى دائمًا نتعامل وفق هذا المعيار حتى نلقى الله، ونحن في سبيل ذلك نهتف من أعماقنا مخلصين: (الله غايتنا، والرسول زعيمنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا)، وأحسب أنكم صادقون في حمل هذا الشعار، وإن كان النسيان من أسلحة الشيطان كما قال الرحمن:﴿وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ﴾ (الكهف: من الآية 63)، فإذا كان الله غايتنا فيجب أن تكون حميتنا غيرة على دينه، ودفاعًا عن حرماته ومقدساته، وإذا كان الرسول زعيمنا فما غضب الرسول لنفسه قط، ولكن إذا انتهكت محارم الله غضب، وهو الذي قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي بسنده عن أبي الدرداء: "...فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول: إنها تحلق الشعر ولكن تحلق الدين"، وإذا كان القرآن دستورنا فهو ينادينا: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)﴾ (الحجرات)، وإذا كان الجهاد سبيلنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا فلا مكان لفرقة أو اختلاف، وإنما نحن أصحاب وحدة وائتلاف، ننبذ حمية الجاهلية، ونأوي إلى غيرة وحمية للأقصى الأسير وغزة المحاصرة؛ لنقاوم الصهاينة المعتدين، والأمريكان الصليبيين، والشيوعيين الملحدين، والهندوس الظالمين، والعلمانيين المتحللين، وتجار المخدرات والجنس الملاعين الذين يقتلون ويفتنون كل يوم الكثير من أبنائنا وبناتنا وفلذات أكبادنا أجمعين، نحن أمام تحديات خطيرة أربعة أهمها: الاستعباد الخارجي، والاستبداد الداخلي، والفساد المالي، والتراجع الأخلاقي والحضاري، فلا وقت أمام هذه التحديات إلا الانتصار للحرمات واستعادة المقدسات لنبقى دائمًا نحمل هموم أُمَّة لا هموم أمَة.

ثالثًا: إذا عاملت الحق فأخرج الخلق، وإذا عاملت الخلق فأخرج النفس، وإذا عاملت النفس فأخرج الهوى: فنحن في هذه الجماعة التي قامت لله عز وجل يجب أن تذوب الجماعة وأفرادها جميعًا في هذه الغاية الكبرى: (رضا الله والجنة من خلال التمكين لدينه في الأرض)؛ ولذا يجب أن يظل من ثوابتنا أن الأفراد واللوائح والتنظيم يخدمون الدعوة والرسالة، ولا تخدمهم الدعوة والرسالة، فنحن إذن أمام ثلاثة أشياء يجب ألا نخلط بينها:
1- الأهداف الرسالية الكبرى.
2- الجماعة، وهي وسيلة إلى التمكين للإسلام لا لنفسها في هذه الأرض.
3- الأفراد والأشخاص الذين تعاهدوا للتمكين للإسلام من خلال الجماعة.

والواجب يقتضي أن يذوب الأفراد في الجماعة، وأن تذوب الجماعة في تحقيق الهدف، ولا يجوز أن ننسى الأهداف الرسالية، فقوة الأفراد عقليًّا بالفكرة القوية، وقلبيًّا بالتزكية الإيمانية، ودعويًّا بالحركة الفتية يجب أن تصب في نهر الجماعة الذي يتحوَّل إلى رِيٍّ لكل ظمآن؛ سواء في الجماعة أو غيرها، وأن تُستصلح به صحراء القلوب وبيداء النفوس لتنمو الأشجار، وتكثر الأزهار، وتزداد الثمار في العالم كله، فلا يجد كل حيران وفقير ومظلوم ريًّا أنقى من هذا النهر العذب، والعرب تقول: (المورد العذب كثير الزحام)، فيعودون وقد تشبَّعت نفوسهم بهذا الري، وتضلَّعت قلوبهم بهذا الخير فيحملون رسالة الله وينصرونها، ولا يجوز أن ننسى الأهداف ونتذكر الجماعة ولوائحها ونظمها وأن ننتقل من الجماعة إلى الأفراد، وأن ينحاز فريق إلى فرد ليدافع عنه؛ لأننا نكون آنئذٍ- ولو من غير قصد- قد تناسينا الرسالة والجماعة وتحوَّلنا إلى "الشخصنة"، والالتفاف حول الأفراد والله تعالى يقول: ﴿وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44)﴾ (النمل) وليس لسليمان، ويقول تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ (الفتح: من الآية 29)، فذكر لهم أول صفة أنهم لم يؤمنوا لفرد وإنما آمنوا مع رسول الله بالله عز وجل، وآمنوا بالرسول ولم يؤمنوا له، وأن شدتهم وغلظتهم على الظالمين، ورحمتهم ورأفتهم على المؤمنين.

وأرجو أن يراجع في هذا مقالي: "مفارقات بين المعية والتبعية"، فهو يردُّنا إلى أن نتذكر دائمًا أننا أصحاب رسالة وحملة أمانة، ونحن ندعو متضرعين كل مساء في ورد الرابطة، متذكرين إخواننا السابقين واللاحقين كجماعة تجردت لنصرة هذا الدين قائلين: "اللهم إنك تعلم أن هذه القلوب قد اجتمعت على محبتك، والتقت على طاعتك، وتوحدت على دعوتك، وتعاهدت على نصرة شريعتك، فوثق اللهم رابطتها، وأدم ودها، واهدها سبلها، واملأها بنورك الذي لا يخبو، واشرح صدورها بفيض الإيمان بك، وجميل التوكل عليك، وأحيها بمعرفتك، وأمتها على الشهادة في سبيلك، إنك نِعم المولى ونِعم النصير"، فلو تشبَّعنا بهذا الدعاء سنعامل الحق وحده، ولن نبالي بالخلق أجمعين، وإذا عاملنا الخلق أخرجنا حظوظ النفس كلها، وإذا رجعنا إلى النفس أخرجنا كل نتوءات الهوى، ونزغات الردى؛ عسى أن يحبنا ربنا ويرضى، ولا يفتنَّا الشيطان والهوى فَنَرْدَى.

رابعًا: اختلاف العقول ثراء واختلاف القلوب وباءً: إن من نواميس الله بل من آياته الرائعات اختلاف الألسنة والعقول:﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ﴾ (الروم: من الآية 22)، واختلاف اللسان يقتضي بالضرورة اختلاف العقل والفكر بين بني الإنسان، يقول الشاعر:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما                جعل اللسان على الفؤاد دليلا
ومن المعلوم من الطب بالضرورة أن التوائم المتماثلة التي خرجت من بويضة واحدة تختلف عقلاً وفكرًا، ومن المعلوم من الأدب العربي بالضرورة أيضًا أنه لم يتفق شاعران على بيت كامل، وأقصى درجات الاتفاق هو شطر بيت، وبالتالي فمهما كانت وسائل التربية التي تهدف إلى التعارف والتفاهم والتكافل والتوادد والتحابب بين الإخوان، ومهما دققنا في اللوائح، وتحرينا أعلى درجات الضبط على يد رجال اللغة والقانون، فسيبقى تفسير كل فرد ظلاً خاصًّا به، وهذا كله ثراء إذا وصلت القلوب إلى حدها الأعلى؛ وهو الإيثار، وتلك درجة المقربين، أو احتفظت بحدها الأدنى؛ وهو سلامة الصدر، وهذه درجة أصحاب اليمين، فإذا نزل الاختلاف من سماء العقول إلى بساط القلوب فسنخرج إلى أصحاب الشمال، وتصير الحالقة التي تحلق الدين، ونصل إلى التنازع وهو مقدمات الفشل في الدنيا، لقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)﴾ (الأنفال)، وتعم الفرقة وهي مقدمات العذاب في الآخرة، لقوله تعالى: ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ (آل عمران)، فاختلاف القلوب بناءً على اختلاف العقول هو عين الجفاء، وجهد البلاء، وطريق الشقاء، وغاية الأعداء، وغضبة رب الأرض والسماء، أما المتحابون بجلال الله، والمتزاورون في الله، والمتجالسون في الله، والمتباذلون في الله، فهم على منابر من نور يغبطهم الأنبياء والشهداء والأولياء على قربهم ومنازلهم من الله تعالى، فقدِّموا الهدية على الحجاج واللجاج، والكلم الطيب على القول الفصل، ولغة الالتقاء والولاء على لهجات الانتصاف والمضاء، واكسبوا القلوب واخسروا المواقف، واستمروا في الطريق ولا تخسروا الرفيق.

خامسًا: الحرية الكاملة عند التشاور والالتزام الكامل بعد القرار: لا تصلح جماعة ولا هيئة ولا شركة ولا دولة بغير مساحات شاسعة من الحرية التي لا تضبطها إلا القيم العقدية والأخلاقية والتشريعية، وفي داخل هذا الإطار يجب أن يُسمح قبل اتخاذ أي قرار بأعلى مستوى من المناقشة والحوار، وطرح الرؤى والأفكار، فإذا انتهينا بعدها إلى اتخاذ القرار، فأبجديات الالتزام بل الاحترام لعقول الآخرين أن ينزل الجميع على هذا القرار، فكما لا يجوز اختزال الشورى أو التموج وراء أصحاب الملكات الفردية، ونسيان المصالح الرسالية قبل اتخاذ القرار أو إهمال رأي فرد مهما كان ضعيفًا متضاعفًا أو غريبًا شاذًّا؛ فإن هذه كلها ثراء إن لم يُفِد اليوم في الانطلاق والإيجابيات أفاد غدًا- بإذن الله- في جانب الاحتراز وتجنب السلبيات، فكما لا يجوز ذلك قبل اتخاذ القرار لا يجوز بحال أن يخرج أحدٌ- مهما كان عاليًا في القلوب- على قرار الجماعة أو الهيئة أو المؤسسة أو الدولة، هذه أبجديات أي عمل جماعي وأي تجمع بشري، بل صارت قوانين النجاح لكل مسلم أو كافر، والبديل هو الطغيان الذي يوصلنا إلى نسيان الرسالة والجماعة، لقول الشاعر:
رأي الجماعة لا تشقى البلاد به         رغم الخلاف ورأي الفرد يشقيها
والاستمرار في هذا النهج يؤول إلى الفرعنة: ﴿مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29)﴾ (غافر)، وذروتها: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى(24)﴾ (النازعات)، وهي مسألة ألحَّ القرآن على نبذها وكراهيتها وبغضها حتى لا يصيبنا سيلها ولا رذاذها، نارها أو لفحها.

سادسًا: الحكمة في تقدير الخلاف: هناك اختلافات متوقعة ومحتملة، بل تشير إلى ظاهرة صحية عالية المستوى عندما توجد آراء عدة في قضية واحدة؛ تأكيدًا لركيزة التشاور لكن عندما نفقد الحكمة تكبر الصغائر وتضمر الكبائر، وننسى الفضائل، والمسألة برمتها منذ بدأ الخلاف من عدة أشهر يدور حول تفسير اللوائح وتطبيقها، وليس في ثوابت الجماعة وأصولها، سواء الفكرية أو التربوية أو الحركية ومنها الفهم الشامل للإسلام كما فعلت بعض الجماعات نصًّا، وأخرى تطبيقًا في عدم الدخول في السياسة بمعناها الموسع لا المضيًّق، وبهذا تم اختزال الدين في الجوامع مثل النصرانية "دع ما لله لله وما لقيصر لقيصر" أو كتب الشيخ علي عبد الرازق في الإسلام وأصول الحكم، وهو أمل الإنجليز منذ بدء الدعوة، وأمل كل الأنظمة من الإخوان اليوم، ولم يكن الخلاف حول جوهر عمل الإخوان بل خاصيتهم الأولى الآن وهي "التربية والتزكية" في التخلي عنها، أو تركها لمزاج كل فرد في الجماعة، أو نتحول إلى جماعة تدرس المتون وتتخلى عن الالتزام بها، وتُكثر الرواية دون الدراية، أو تحفظ النصوص ولا تُصلح بها الواقع، أو تطيل القراءة في الصلاة ولا تصنع بها الحياة، أو تستجيب لضغوط الأنظمة كي تدفعها إلى العنف الداخلي، ويُجتث السلام الاجتماعي والتغيير بالمنهج النبوي الذي لم يقم بعمليات اغتيالات لقادة الكفر بمكة؛ كي يقيم الدولة الإسلامية، كما تفعل بعض الجماعات اليوم، ولم تقل الجماعة نحن سنهتم بالتعريف بالفهم الشامل الوسطي، والتربية عليه دون مشاريع عملية في كل جوانب الحياة التي تفيد أمتنا كما قال الإمام الشهيد: "التعريف والتكوين والتنفيذ"، فهذه أصول لم ولن تتخلى عنها الجماعة، أما خلاف تفسير اللوائح الإدارية فأمر هيِّنٌ ليِّنٌ سرعان ما تمضي عجلة الجماعة بقوتها وأهدافها ونضج رجالها ونسائها وشبابها وفتياتها تستوعب كل هذه الأزيمات.

سابعًا: التحكيم الشرعي طريقنا إلى الصلح وحسم الخلاف: إذا ظلت هذه المقدمات غير شافية ولا كافية في حسم مادة الخلاف، واختلط الحابل بالنابل، ودخل الإعلام في قرارات الاتهام، وصار الرويبضة يفتي في أمر العامة، والرُعاء يُذْكون نيران الفرقة بالإثارة لا الحقيقة، وبالعماية لا الهداية وجب علينا جميعًا أن نؤول إلى التحكيم الشرعي قياسًا على الصلح الأسري إذا دبَّ الشقاق وهُدد الوفاق، واستُدعي الطلاق واستُبعد التلاق، آنئذٍ يجب أن ينتفض الحكماء من هنا وهناك، كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا﴾ (النساء: من الآية 35)، ومن قياس الأولى أن نحل الأزمات داخل الجماعات والشركات أو بينها، وبين الدول بعضهم البعض؛ ولذا أقترح هنا إذا لم تكفِ هذه المنهجيات السابقة أن يرشح كل فريق من فرقاء اختلاف العقول لا القلوب- إذا جازت العبارة- وأن يرشح كلٌّ حكمًا يمثله، ثم يختار الحكمان حكمًا ثالثًا مرجحًا عند الحكم في القضية، ويستحسن أن يكون هذا الحكم الثالث من خارج الجماعة من حكماء وعلماء هذه الأمة وهم كثر بفضل الله تعالى، بشرط أن يوقع كل طرف (إذا جاز هذا التعبير بضرورة الصلح) على الالتزام الكامل بحكم لجنة التحكيم الشرعية، فإذا صدر الحكم صار الأمر مُلزمًا لا مُعلمًا، ووجب على جميع أفراد الجماعة أن ينصحوا من لم يرضَ بالحكم أن يعود إلى سابق عهده، وأصالة دربه، والوفاء بوعده، فإن لم يقبل كان الرجاء أن يتنحى في هدوء، ونرسل له الدعوات في جوف الليل، ووضح النهار أن يرده الله ردًّا جميلاً إلى أحضان دافئة تحبُّه وتجلُّه وترجو له الفيء الحسن، والعودة القريبة تخلقًا بأخلاق الله تعالى الذي يفرح بتوبة عبده إليه كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم بسنده عن أبي هريرة: "لله أشد فرحًا بتوبة أحدكم، من أحدكم بضالته، إذا وجدها".

أخيرًا.. كنت أود لو قضيت هذا الوقت في مشواري كتابةً لأمتي في تأصيل قضية فقهية أو تعميق فكرة تربوية لكن القاعدة الأصولية: "لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة"، فوجب البيان وعلى الله قصد السبيل، وهو ربنا وهو نِعم المولى ونِعم النصير.
----------
* أستاذ الشريعة الإسلامية- جامعة القاهرة- الرئيس السابق للجامعة الإسلامية الأمريكية- ميتشيجن.

الحقوق محفوظة لـ - مدونة المرايا المستوية | الإخوان المسلمون