السبت، 1 مايو 2010

الرخصة الدولية لقيادة الحاسب ICDL



للالتحاق بمنحة الرخصة الدولية لقيادة الحاسب، يجب قراءة التعليمات التالية والموافقة عليها قبل الانتقال إلى نموذج التقديم وذلك فيما يخص منحة الرخصة بالمراكز القائمة بتنفيذها لوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وليس المراكز المنفذة التابعة لوزارة التربية والتعليم أو وزارة التعليم العالي والدولة للبحث العلمي أو وزارة الدولة للتنمية الإدارية


لمعرفة شروط الالتحاق والأوراق المطلوبة يرجة الدخول على الراابط:

الأربعاء، 28 أبريل 2010

«الطلاق العاطفي» يدفع إلى «الخيانة الإلكترونية»

 مع دخول الزواج باب تعددية المسميات، وما صاحبه من جدل مجتمعي وديني أخيراً، حتى أسدل الستار على أنواع عدة منه، كزواج «الفريند» و»المسفار»، ومن قبلهما «المسيار»، وغيرها من التسميات الأخرى، إلا وبرز في الضفة المقابلة نوع جديد من الطلاق، كما يرى بعض الاختصاصيين النفسيين.

ويتمثل هذا النوع في «الطلاق العاطفي»، والذي يرتبط بطبيعة العلاقة العاطفية بين الزوجين تحديداً، وهو ما يجعله غير ظاهرٍ للعيان، إلى جانب إمكان وقوعه من دون انفصال الزوجين فعلياً.

تعرف استشارية الطب النفسي الدكتورة غادة الخولي، الطلاق العاطفي بأنه «حالة يعيش فيها الزوجان منفردين عن بعضهما البعض، على رغم وجودهما في منزل واحد، فهما في شبه انعزال عاطفي، ولكل منهما عالمه الخاص البعيد عن الطرف الآخر».

وتضيف: «يبقى رابط الزواج بينهما متمثلاً في الورقة الشرعية التي تعترف بزواجهما الفعلي، من دون النظر إلى وجود الأبناء أو حتى لسنوات العشرة الزوجية».

وتوضح الخولي في حديثها إلى «الحياة» أن «الزوجين الواقع بينهما مثل هذا النوع من الطلاق (الطلاق العاطفي) يعتقدان أنه يعكس عنهما أمام المجتمع، صورةً أفضل بدلاً من حدوث الطلاق الشرعي المؤدي إلى تبعات عدة».

وتشير الخولي إلى أن «غالبية النساء يفضلن الاستمرار في الزواج شكلياً، وعدم إنهاء العزلة الزوجية، لخوفهن من عواقب الطلاق الفعلي، خصوصاً ما يتعلق بمصير الأبناء والنفقة، وخلافهما من الأمور الموصولة إلى المحاكم».

وتقول: «استمرار هؤلاء النسوة في الصمت والابتعاد عن النقاش، مؤشرات لانعدام الرغبة في التفاهم الإيجابي ما بين الزوجين، على رغم أن التفاعلات والخلافات ظاهرة صحية في حال إصابة الحياة الزوجية بالطلاق العاطفي، كونها تعطي أملاً باعتراف أحد الطرفين بالخطأ وتفتح المجال للتقرب والاعتذار».

رغبات الأبناء


وحول تبعات الطلاق العاطفي على الأبناء وتأثيره عليهم، تقول الخولي: «يستغل الأبناء حال العزوف بين الأبوين في تحقيق مصالحهم الشخصية، فمثلاً عندما يرغب أحد الأبناء في اقتناء أمر ما، ويقابل برفض الأم، فإنه يلجأ إلى الأب لشراء ما يريد، أو عندما تمنع الزوجة طفلها عن حلوى معينة، ويحضرها الزوج للطفل، تنشأ متاهات بين الزوجين على حساب حصول الأبناء على رغباتهم».

وتتابع: «أثبتت دراسات الطب النفسي أن الطلاق العاطفي يؤثر على الأبناء بصورة أقوى من الطلاق الفعلي، لكون الزوجين يعيشان منفصلين، ولا يربطهما سوى حاجات الحياة الأسرية الاعتيادية غير المنتهية»، لافتةً إلى «حدوث نوع من الانفصال أو الانفصام في تفكير الأبناء نتيجة ذلك، وهو ما يؤثر على تعليمهم بصورة واضحة، إضافة إلى خلق أسرة مفككة تسودها المصلحة الشخصية، وكيفية استغلال الأبناء لعلاقة الأم والأب المتذبذبة في تحقيق متطلبات قد تضر بهم على المستوى الأخلاقي»، وتوضح: «50 في المئة من حالات الطلاق العاطفي تتطلب مساعدة وتدخلاً من الطبيب المعالج، شريطة البعد عن الطرف الآخر».

«الخيانة الالكترونية»


وتشير الخولي إلى أن «العصبية والخلافات الزوجية المتكررة مؤشرات على قرب وقوع الطلاق العاطفي، ودخول مرحلة الخطر، فالزوج في هذه الحال لا يكره زوجته ولا يحبها، ما يؤدي إلى إصابة حياتهما بالتبلد وظهور ما يعرف بالخيانة الالكترونية، والتي تتمثل في اللجوء إلى شبكة الإنترنت وإقامة العلاقات غير الشرعية من خلالها، ولا يمكن اعتبار تلبية متطلبات الحياة الزوجية الأساسية من مأكل ومشرب ومأوى، دليلاً على التواصل العاطفي».

«صحوة» المرأة

وتعتبر الدكتورة الخولي أن «الصحوة التي تعيشها المرأة الآن، ومطالبتها بأبسط حقوقها في العيش لا تعني التمرد على الزوج، فنظام الحياة الأحادية السابق لابد أن يصبح ثنائياً بين كلا الزوجين لتمضي سفينة الحياة الزوجية من دون هضم لحقوق الآخر».

وتقول: «في التعامل الزوجي سابقاً، كانت غالبية التنازلات تأتي من المرأة فقط، إذ تؤمن لزوجها جميع متطلباته، بعيداً من قدرتها على ذلك، ما جعل الأسرة نظاماً يقوده طرف واحد».


وشددت الخولي على أهمية درس مفاتيح الشخصية لكلا الزوجين قبل ارتباطهما وبعده، «من الضروري إجراء دراسة قبلية وبعدية قبل الزواج فقد يتميز الزوج بالعصبية أو الزوجة بأنها مسرفة أو يكون أحدهما متعلقاً بالحياة الصاخبة، فالمذاكرة الزوجية مهمة لفهم طبيعة العلاقات»، وتبين:


«يظن الطرفان أن سيادة الحب والمودة والرحمة كفيلة بإزالة الخلافات أو تحريك حياتهما وذلك ليس صحيحاً، فالمودة والرحمة يبرران تأخر الزوج عن المنزل، وقضاء غالبية وقته مع الأصحاب والرفاق، فالحياة الزوجية معادلة من الحب والمودة، إضافة إلى تفاصيل الحياة اليومية التي تحتمل جميع الأوجه السلبية»، وتتابع: «يظن البعض أن كثرة عدد السنوات وطول العشرة بين الزوجين من أسباب إلغاء الخلافات، وهذا لا يحدث إلا بعد جهد كبير من الزوجين وبقرار منهما».

قراءة في المشهد العام


تقرير أسبوعي يرصد باختصار أهم التغيرات الداخلية والإقليمية والعالمية


أولاً: الشأن الداخلي

1- تنامي الحراك السياسي


في الوقت الحالي، تتعدَّد مشاهد الحراك السياسي في مصر، وهو ما يعد ظاهرةً إيجابيةً في مسيرة العمل الوطني، ويجري هذا الحراك على مستويين، النخبة الفكرية والحركات السياسية، والحركات المطلبية، وهي ظاهرة بدأت منذ خمس سنوات وما زالت تشهد تطورات مهمة في الوقت الراهن.







فمنذ فترة بدأت النخبة الفكرية في طرح تصورات جادَّة عن الإصلاح السياسي، وقد تنوعت هذه التصورات ما بين المطالبة بصياغة دستور جديد أو إجراء تعديلات على الدستور الحالي، وما بين العمل على تطوير شبكة من العلاقات السياسية تستوعب كلَّ الأطراف السياسية والاجتماعية، وبهذا الشكل تطرح تصوُّرات الإصلاح إطارًا واسع الأفق يكاد يستوعب مطالب مختلف التيارات الفكرية والاجتماعية.







وثمة تطور آخر لا يقل أهمية عن التطور السابق، وهو ما يتمثل في قدرة عدد من الأحزاب على ضعفها على الانخراط الجماعي في نقاش حول المستقبل السياسي للبلاد، ويعد مؤتمر بعض أحزاب المعارضة والذي انعقد الشهر الماضي مختلفًا عن أشكال التعاون والحوار السابقة، فهو يشير إلى وجود قدرة أكبر من ذي قبل على إدارة الاختلافات، ومن الأهمية هنا توافر الرغبة في صياغة رؤى ومواقف مشتركة بشأن الإصلاح السياسي والعمل المشترك مع كل الأطراف السياسية للبلاد.







ورغم أن هذا الحراك قطع شوطًا مهمًا، إلا أنه ما زالت ثمة عقبات قد تقضي على آمال تحقق الديمقراطية والعدالة والمساواة.







ويكمن البعد الأول من عقبات الحراك السياسي في إمكانية التوافق حول معالم الرؤية الوطنية للإصلاح؛ بحيث تعبِّر عن تطلعات وآمال المصريين في الحرِّية والعدالة، وهذا ما يقتضي العمل على صياغة رؤية وطنية للتقدم والنهضة، تقوم بالأساس على اجتهادات كل القوى السياسية ومؤسسات الدولة؛ لتشكل اتجاهًا عامًا وجماعيًّا يستوعب كل الاجتهادات التي تلبي حاجات المجتمع.







وتشير الخبرات السابقة إلى أن مقومات صياغة هذه الرؤية ارتبطت بدرجة من عدم القبول المتبادل ورفض حق الآخر في المشاركة السياسية، غير أن المرحلة الحلية تشهد تطورات مهمة تدفع باتجاه تبلور كيان الجماعة الوطنية التي تتسع لكل الأفكار والاتجاهات السياسية.







ولا تقتصر عقبات الحراك السياسي على العلاقة (إيجابيًّا وسلبيًّا) بين التيارات والكيانات الفكرية والسياسية، ولكنها ترتبط أيضًا بتماسكها الداخلي وتضامنها حول أولوية الإصلاح وضرورته في الوقت الراهن؛ حيث يشكل الالتحام الداخلي واحدًا من العناصر اللازمة لحدوث التحول الديمقراطي الهادئ، والبعيد عن الصراعات والانقسامات الداخلية.







وقد تزايدت تطلعات الشعب نحو المزيد من الحرِّيات والحقوق السياسية ووقف الفساد، إلا أن الاستجابة الحكومية لا تزال محدودة، وهو ما قد يدفع البعض للتجاوب مع الأجندات الخارجية أو الاستمرار في التظاهر والاعتصام، وهذا ما يمثل مصدر توتر سياسي واجتماعي، غير أن ظهور أخبار عن إمكانية تعيين نائب للرئيس قد يكون بداية استجابة لمطالب الجماهير والقوى السياسية بالإصلاح السياسي، وهذه الخطوة إذا ما تم اتخاذها من المهم أن تكون واحدة من مفردات تحسين ا لمناخ السياسي، ومقدمة لصياغة علاقات سياسية جديدة بين الأطراف السياسية المختلفة، وهذا ما يتطلب التوافق حول الخريطة الوطنية للإصلاح.







ومن هنا تأتي أهمية تضافر جهود جميع الأطراف لخروج البلاد بشكل آخر من الأزمات والتوتُّرات السياسية والاجتماعية، وهذه الجهود مهمة ومطلوبة أيضًا لوقف تدهور الأداء الاقتصادي، وهذا ما يتطلب وقف مصادر الاحتقان السياسي التي تزيد من الشقاق والخلاف.







2- تحديات الهويَّة المصرية الإسلامية



تواجه الهويَّة المصرية الإسلامية تحديات كبيرة في هذه المرحلة، وذلك بإثارة العديد من الملفات التي من شأنها إعادة تشكيل المجتمع، سواء من ناحية توطين القيم والقواعد الاجتماعية الغربية والعلمانية وتقديمها كبديل للقيم الإسلامية أو من ناحية صياغة مؤسسات الدولة وفقًا لهذه القواعد الجديدة.







وفي هذه الأيام، كثرت القضايا التي تثير جدلاً واسعًا في الأوساط الثقافية والاجتماعية، والجديد في الأمر هو أن الجدل أصبح يصطدم بالمؤسسات العتيدة والراسخة في الدولة، كالمؤسسة القضائية، فضلاً عن النظام التعليمي.







ومن ثم فإن من الأهمية قراءة هذه الأطروحات والصياغات، وخاصة ما يتعلق منها بحقوق المرأة، إذ لا يمكن عزله من السياق العالمي وما يتضمنه من ثقافات مغايرة أو مختلفة، فهو ليس فقط مجرد حقوق سياسية واجتماعية ولكن هذا المضمون هو واحد من مفردات سياسية وثقافية لعلمنة المجتمع، وإبعاده عن الدين (الإسلام) وليس فقط إبعاد الدين عن السياسة، وهذا ما يعد تطورًا ملفتًا في هذا الشأن.







وهذا ما يثير الكثير من التساؤلات عن المدى الذي يمكن أن تصل إليه مثل هذه التوجهات والسياسات، وخاصة ما يتعلق بمساعيها بإعادة صياغة التكوين الاجتماعى للدولة، وإعادة صياغة المحتوى الثقافي والديني للمجتمع.







وخلال هذه الفترة ظهر العديد من الكتابات والتوجهات التي تحضُّ على تفريغ المناهج التعليمية مما تبقى فيها من روح وأخلاق إسلامية تحترم الإنسان، وتقدم مصلحة الأمة على الفرد، وذلك تحت دعوى أن وجود مثل هذه القيم في المناهج التعليمية سوف يؤدي إلى تقسيم المجتمع وتمييز بعض المواطنين على الآخرين.







وبالنظر إلى العديد من النظُّم السياسية الغربية، فإنه يمكن ملاحظة أن المؤسسات والدساتير لم تصادم قيم المجتمع؛ حيث احترم كثير من الدساتير الهوية الدينية للمجتمع وتضمنت المبادئ الدستورية هذه القواعد سواء في الديباجة أو في صلب الدستور ذاته، ومن ثم فإن الإدعاء بالتحرر كنوع من الخروج على التقاليد والقيم لا يعد محاولة أو توجهًا نحو البناء، وإنما هو ما يساعد على ترسخ الفوضى الاجتماعية، وإهدار القدرات البشرية والإمكانات المادية.







وإزاء هذا الواقع الذي يؤدي إلى زيادة التوتر الاجتماعي، فإن التحدي الأكثر أهمية هنا هو أنه في ظلِّ هشاشة الدولة، فإنه من المرجح أن تجد هذه المشاريع طريقها إلى التنفيذ، وبشكل يضيع معه الكثير من الحقوق والقيم الثقافية والدينية.







3- التقارير الدولية: مصر بين الجمود والحراك



صدر تقرير منظمة الشفافية الدولية ليعكس حالة الجمود العام في الدولة، فقد تناول التقرير العديد من الموضوعات والقطاعات الإدارية والسياسات الاقتصادية، بشكل يكشف عن جوانب من الاختلالات الحقيقية في النظام السياسي.







وبشكل عام ركَّز التقرير على مسألتين، الأولى وتتعلق بتصحيح البيانات في أجهزة الدولة، وأشار هنا بشكل خاص إلى أهمية إصلاح الجداول الانتخابية، وحرية تداول البيانات والمعلومات، أما الثانية فهي ما تتعلق بغموض سياسة الإصلاح الإداري في الدولة ومكافحة الفساد. وقد أشار التقرير إلى أن سياسات الحكومة في هذا الشأن، لم تحقق إنجازات، وفشلت في التصدي لأوضاع الفساد داخل أجهزة الدولة، كما أنه لا تتوافر الإرادة لإجراء إصلاحات سياسية.







وبالنظر إلى ما تشهده الأجهزة الرسمية من تشوُّهات إدارية، وفساد شديد، وفقدان الإرادة للإصلاح السياسي، فإن الجهود الحاليَّة لإصلاح الدولة تواجه تحديات كبيرة، ليس فقط في المجال السياسي، ولكن أيضًا في المجالين الإداري والاقتصادي، حتى تنتقل الدولة من حالة الجمود.







4- مخاطر السياسة المالية



شهدت المناقشات حول الحساب الختامي لموازنة 2009/ 2010م عن اختلال السياسة المالية للدولة، ومخالفات دستورية وقانونية تُنذر بوجود مخاوف أشد في الشفافية في التعامل مع إيرادات ونفقات الموازنة العامة خلال السنة القادمة، وخاصة مع عدم قدرة الحكومة على إخفاء العجز وارتفاعه لما يقرب من 40% من إجمالي الموازنة، وذلك على خلاف السنوات السابقة والتي سعت فيها الحكومة لتكميش العجز في الموازنة؛ لتظهر صورة غير حقيقية للاقتصاد.







ويشير تطوُّر السياسة المالية للدولة منذ نهاية التسعينات إلى أنها اتجهت لتكميش العجز والإسراع بتطبيق سياسات الخصخصة وخفض النفقات العامة دون مراعاة للجوانب الاجتماعية، وظلَّت عملية بيع الشركات العامة وتضمين عوائد البيع في الموازنة العامة وليس استثمارها من السمات الأساسية للسياسة المالية، ويمثِّل إدماج ودائع التأمينات والمعاشات في المالية العامة للدولة سواء من وضعها تحت تصرف وزارة المالية أو التصرف فيها بطرق أخرى، واحدًا من مخاطر السياسة المالية التي تعصف بالمسئولية الاجتماعية للدولة، وهو وضع يهدد بزوال الحماية الاجتماعية عن المواطنين، وذلك على مستوى الخدمات العامة التي تقدِّمها الدولة في الرعاية الاجتماعية والصحِّية والتعليمية.







وهنا يمكن الإشارة إلى تطورين على قدر من الأهمية وهما:



1- أن مشروع قانون التأمينات الجديد يتحيَّز لصالح الدولة، ويهدر الكثير من حقوق العاملين، خاصة وأنه ينظِّم وبطريقة قانونية انسحاب الدولة من القيام بوظيفة الحماية الاجتماعية، وبشكل يتجاوز الأعراف حتى في الدولة الرأسمالية ذاتها والتي تتجه في الوقت الحالي لتطوير السياسات الاجتماعية لتشمل أكبر قدر ممكن من الأفراد.







2- أن وزير المالية يشكل وضعًا حرجًا بالنسبة للسياسة المالية المصرية، فإلى جانب توليه أمور المالية العامة في مصر فهو في ذات الوقت يرأس اللجنة النقدية في صندوق النقد الدولي، وهذا الوضع يؤدي لزيادة ارتباط السياسة المالية بتوجهات صندوق النقد، وهذا ما يعني أن السياسة المالية تركِّز على الخفض الشديد لدور الدولة دونما اعتبار للآثار الاقتصادية والاجتماعية، ولعل الفلسفة المالية لقانون الضرائب العقارية تكشف عن سعي الدولة للانسحاب من الخدمات العامة، وفي ذات الوقت تسعى للحصول على أكبر قدر ممكن من مدَّخرات الأفراد.







ثانيًا: الشأن الإقليمي



1- دلالات مؤتمر المانحين لدارفور



عقدت منظمة المؤتمر الإسلامي مؤتمرًا للمانحين الدوليين لإعمار "دارفور" (السودان) بالقاهرة في 21 مارس 2010م، وقد انعقد هذا المؤتمر بتنسيق بين تركيا ومصر، ويستهدف المؤتمر توفير الدعم المالي والفني لإعمار ولاية دارفور بعد سنوات الحرب الأهلية التي أضرَّت بوضع السكان، وأشاعت جوًا من الفوضى وعدم الاستقرار.







وإذا كان الجانب الاقتصادي والإغاثي يشكل الجانب الأساسي للمؤتمر، فإن الدلالات السياسية لا تقل أهمية؛ حيث إن وجود منظمة المؤتمر الإسلامي كمظلة سياسية قد يساعد ليس فقط في تنشيط دورها تجاه الشعوب الإسلامية ولكن يساعد أيضًا في إعادة تصحيح مسار التناول السياسي الدولي لأوضاع تلك المنطقة.







ولعله من الأهمية هنا الإشارة إلى أن انعقاد المؤتمر تم من خلال التنسيق بين ثلاث دول أعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، وهي تركيا، ومصر، وقطر، وهو ما يعكس منظورًا إيجابيًّا في التعامل مع المشكلات المزمنة في العالم الإسلامي، ويمثل في ذات الوقت نواةً لتفعيل دور منظمة المؤتمر الإسلامي.







ويعكس نجاح مؤتمر المانحين في توفير حوالي 40% من أهدافه المالية (700 841 مليون دولا) في المرحلة، مدى القدَّرة على المضي في تطوير التعاون السياسي والاقتصادي بين الدول الإسلامية، وقدرتها في ذات الوقت على التعاون مع الدول والكيانات الدولية الأخرى.







2 - انقطاع أنفاس السلام



ما أن أُعلن عن قبول العديد من الأطراف بعقد مفاوضات "غير مباشرة" بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني ظهرت المشكلات التي تجسِّد الجوانب الحقيقية للصراع، وهو ما يعني أن محاولات تغييب الوعي أو تجاوز الحقائق والواقع السياسي يكشف عن جوانب الخلل ليس فقط في التفكير الإستراتيجي، ولكن أيضًا في الرؤية تجاه مستقبل الصراع أو التسوية مع الكيان الصهيوني.







في أثناء التحضير لتلك المفاوضات، أعلن الكيان الصهيوني عن إنشاء 50 ألف وحدة سكنية في محيط مدينة القدس، وهو ما أدى إلى إرباك كلِّ الأطراف السالمة وحسنة النية، كما أنه يكشف في ذات الوقت عن الخطوط الإستراتيجية العامة للسياسة الصهيونية، والتي تركز على التوسع وإخضاع المتعاملين معها، وقد أجهزت هذه السياسة على كثير من الحقوق الفلسطينية منذ وصول نتنياهو، وبصورة بدأت تدفع باتجاه إعادة احتلال قطاع غزة، فضلا عن مصادرة الكثير من الأراضي في الضفة الغربية.







لقد كان دخول الجامعة العربية كمظلة للمفاوضات سابقةً تاريخيَّة خطيرة، لا يلغيها تراجع الجامعة العربية في إطار عدم ملائمة الظروف أو الغبن والأوهام تجاه المواقف الصهيونية.







وبدلاً من البحث عن تطوير رؤية أو إطار عمل مشترك فيما بين الدول العربية فإنه من الملاحظ أن الدول العربية تتعامل مع هذه القضية المهمة والحيوية والمصيرية بالنسبة للسياسات الإقليمية والعالمية بشيء من التفكك والتناقض، فهي من ناحية لم تسع لتحسين شروط التفاوض وتعمل بدون تنسيق، ومن ناحية أخرى تعمل على تعويق المقاومة، وتعطيل دعم الشعوب للفلسطينيين، وهي سياسة تعكس مدى التشتت في الموقف وفي الرؤية أيضًا، وهو ما يشكل حالة ضعف وتفكك عربية تُمثِّل مصدر إغراء لاستمرار السياسات الصهيونية.







3- التحديات المزمنة للقمة العربية



رغم بروز التحدِّيات السياسية والأمنية للعمل العربي المشترك إلا أن انعقاد القمة العربية يعكس تضاؤل الفاعلية والاستجابة لهذه التحديات، وهو ما يرجع لعوامل كثيرة، لعل أهمها اختلاف مصالح حكَّام الدول العربية، وغياب المشروع العربي المشترك، وخاصة في المجالين السياسي والاقتصادي.







فقد انعقدت القمة العربية في سياق تصاعد التهديدات الصهيونية ضد الفلسطينيين والقضية الفلسطينية، والتي وصلت ذروتها إلى الإجهاز الصهيوني على الكثير من الأراضي الفلسطينية، ورغم ذلك وفَّرت الجامعة مظلة سياسية للمفاوضات بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني من ناحية، ومن ناحية أخرى تشهد الفترة الحاليَّة تغيرات متسارعة في الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية في دول الجوار العربية، تفرض في مُجملها فرصًا في التنافسية كما يلازمها تحديات أمنية تشكل تهديدًا إقليميًّا عامًا.







وعلى مستوى التعامل مع القضية الفلسطينية تبدو الأوضاع أكثر تعقيدًا، ليس فقط بسبب وضع إقدام الجامعة (ككيان جماعي) في المفاوضات، ولكن بسبب الانقسامات والمحاور العربية، ولهذا لم يكن غريبًا غموض مواقف الجامعة تجاه التصدي للسياسة الصهيونية والتي يمكن وصفها بالمحدودية والعشوائية؛ حيث لم تتعامل مع القضايا المحورية، واكتفت بمساعدات هامشية، فما توصَّل إليه البيان الختامي بالحديث عن بدائل التحرك السياسي على مستوى المؤسسات الدولية لا يختلف عن المحاولات السابقة عبر الأمم المتحدة وأجهزتها، ومن ثم فإنه في ظلِّ غياب الرؤية القومية لا يتوقع أدنى تأثير للعمل العربي المشترك، وهذا ما يُشكل الجانب الأساسي للتحديات التي تواجه الجامعة العربية.







أما التحدي الآخر، فهو ما يتمثل في تسارع معدلات نمو قدرات دول الجوار الإسلامي وخاصة تركيا وإيران، وأيضًا تنامي الصراع والتوتر في دول الجوار الأفريقية، وقد ارتبطت هذه التطورات بتأثير واضح للتدخلات الدولية وبشكل يؤثر على الأوضاع الأمنية في الدول العربية، وفي هذا السياق يمكن القول أن المشكلة لا تكمن في تنامي قدرات دول الجوار أو ضعفها بقدر ما تكمن في الانقسامات العربية والارتباط بسياسة ومشاريع الدول الكبرى، فرغم اتساع فُرص التعاون لا تزال الانقسامات العربية تشكل عائقًا أمام تطوير العلاقة مع الدول الأفريقية وإيران.







وإذا ما كانت مقترحات "الأمين العام" للجامعة بإنشاء رابطة الجوار العربي تعكس إدراك التحدِّيات الإقليمية، إلا أن غياب غالبية دول ما يسمى "محور الاعتدال" سوف يشكل إعاقة لمثل هذه المقترحات، وخاصة فيما يتعلق بالعلاقة مع إيران.







وبناءً على ذلك، يمكن القول أنه ليس من المرجح حدوث تقدُّم في العمل العربي المشترك؛ حيث إن امتناع أو غياب بعض الدول المؤثرة والمرتبطة بالنفوذ الأمريكي، سوف يساعد على اتساع التباين في المواقف العربية، وخاصة في ظل طموح "ليبيا" لإحداث تغيير واسع في الجامعة العربية، ولعل الكلمات الافتتاحية والبيان الختامي والإعلان عن قمة استثنائية في سبتمبر 2010م يكشف عن مدى التباين والخلاف والانقسام.







4- دلالة تصريح الصهيوني نتنياهو بالاستيطان في القدس



في سياق الجدل حول بدء المفاوضات على المسار الفلسطيني، أعلن نتنياهو أن الاستيطان في القدس الشرقية (جيروزاليم) لا يختلف عن البناء في تل أبيب (كل الربيع) وهو تصريح يتجاوز بكثير الجدل السياسي الدائر حول المفاوضات، ويتعداه إلى تثبيت هيمنة وسيادة الكيان الصهيوني على الأراضي التي يراها ضرورية ومناسبة له.







وعلى التوازي، تسعى الحكومة الصهيونية لترتيب أوضاعها الداخلية، ليس فقط لمواجهة الضغوط المحتملة أمريكيًّا، ولكن أيضًا لتطوير سياستها وتدعيمها تجاه العرب والفلسطينيين؛ حيث تشهد الساحة الصهيونية محاولات لتدعيم التحالف الحكومي ليشكل حكومة جبهة وطنية تجمع كل الاتجاهات السياسية، وغالبًا ما يرتبط تبني هذه السياسة بوجود تطلعات توسعية تستند إلى أوضاع أيديولوجية، ولعله من الأهمية هنا الإشارة إلى إستراتيجيات التوسع الصهيونية على المستويات السياسية والثقافية والجغرافية، وتعد الدعوة لإعادة احتلال غزة واحدة من أبعاد سياسة التوسع الصهيوني.







هذا التوجه لا يعد أمرًا جديدًا في السياسة الصهيونية، فهو يتسق مع مساعي إخراج القدس من مفاوضات الحل النهائي، وفتح آفاق جديدة أمام الاستيطان، غير أن الجديد في الأمر كان في تبني لغة حاسمة لا تقبل التفاوض، وهو ما يثير التساؤل عن الأسباب التي دفعت الصهيوني نتنياهو لإصدار هذا الإعلان.







لعل الجانب الأساسي في تشجيع الصهاينة على المضي في إعلان سياستهم، يكمن في إقدام الجامعة العربية ودون شروط على توفير مظلة للمفاوضات دون وجود مشاريع أخرى بديلة، وبهذا المعنى فإن الانخراط التام في المفاوضات (كخيار إستراتيجي) والتمادي مع السياسة الأمريكية، يغري السياسة الصهيونية بغرض أجندتها وتطوير مشاريعها.







5- الإبعاد من الضفة الغربية: سياسية عنصرية جديدة



طرح الكيان الصهيوني معيارًا جديدًا لتصنيف السكان في الضفة الغربية؛ حيث تبنى مفهومًا أطلق عليه اسم المتسللين، وهذا المعيار ينطبق من وجهة نظر الصهاينة على الفلسطينيين الذين لا يحملون وثائق إقامة الضفة الغربية أو يحملون جنسيات أخرى والمولودين في قطاع غزة، وقد صدر هذا المعيار وفقًا لأمر عسكري يتماثل مع أمر عسكري صدر بعد احتلال الضفة في 1967م.







ويعد الجيش الصهيوني هو صاحب الاختصاص في تنفيذ هذه السياسة، والتي تشكل عنصرًا جديدًا يهدِّد التركيبة السكانية في الضفة الغربية؛ حيث يتيح الأمر العسكري للجيش سلطة طرد السكان وترحيلهم إلى ما يعتبره الكيان الصهيوني بلدهم الأصلي، وباعتبار أن القانون يشمل من فقد وثائق إقامته، فإنه من المتوقع أن ينطبق على السكان المولودين في الضفة والمقيمين إقامة دائمة بها؛ حيث يرتبط إصدار وثائق جديدة بموقف الجيش الصهوينى وتذهب التقديرات الأولية إلى أن هذا القانون يشمل حوالي 70 ألفًا من سكان الضفة، ولكنه مرشح للتزايد عبر السنوات القادمة.







ويأتي إصدار هذا القانون (الأمر العسكري) في سياق سياسة صهيونية للتوسع الاستيطاني في كلِّ أنحاء الضفة الغربية، سواء بإنشاء تجمعات استيطانية جديدة أو توسيع القائم منها، وهذه النوعية من القوانين التي تسعى لإحداث خلخلة في التركيبة السكانية لا تختلف في مضمونها عن طبيعة القوانين العنصرية التي تتحيز ضد السكان الأصليين.







ويتناقض سعي الكيان الصهيوني لترسيخ الطابع العسكري للضفة مع السياسات الهزيلة الساعية لإيجاد شكل ما للحكم الذاتي أو تلك التي تتحدث عن تكوين دولة فلسطينية؛ حيث يتضمن القانون نوعًا من الإدارة العسكرية المباشرة، وهوما يتجاوز بكثير الأوضاع القانونية والسياسية التي تضمنتها عملية أوسلو، فلم تقتصر السياسية الصهيونية على المسائل المتعلقة بالسيادة، ولكنها امتدت لتحد من تحركات السكان وحقهم في الانتقال داخل الأراضي التابعة للسلطة الفلسطينية، وهو ما يشير إلى حدوث تراجع إلى وضع ما قبل مؤتمر مدريد ( 1992م)، والاقتراب من سياسة الفصل العنصري، وإخلاء الضفة الغربية لصالح الاستيطان.







6- الصراعات حول الانتخابات السودانية



تشهد الانتخابات السودانية خلافًا شديدًا فيما بين الأحزاب والحركات السياسية، ويدور الخلاف حول موعد انعقاد الانتخابات التشريعية والرئاسية، وما يثير الانتباه هو ما يتمثَّل في إثارة المطالبة بتأجيل الانتخابات قبل أيام من انعقادها، وبعد تقدم الأحزاب بمرشحين منذ فبراير الماضي وحدوث تقدم في مفاوضات الدوحة بين الحكومة السودانية وحركة التحرير والعدالة.







وقد أُثيرت الدعوة لتأجيل الانتخابات في تقرير مراقبي الانتخابات التابعين لمركز كارتر لأبحاث السلام، واستند التقرير إلى عدم ملائمة الظروف السياسية لانعقاد انتخابات حرَّة ونزيهة، وأشار إلى التوتر السياسي في كثير من مناطق الغرب والجنوب، وفي سياق الإعلان عن تقرير مركز كارتر صرح المبعوث الأمريكي بأن الانتخابات قد تؤدي إلى انفصال سلمي لجنوب السودان، وبهذا المعنى يتقارب الموقف الرسمي مع ما ذهب إليه تقرير مراقبي الانتخابات، لكنه لم يظل موقفًا نهائيًّا للولايات المتحدة؛ حيث بدأت في حثِّ الأطراف على المشاركة في الانتخابات.







وفي تطور مثير، تلقف "تحالف جوبا" فكرة تأجيل الانتخابات، وعقد اجتماعًا في جوبا لمناقضة تأجيل الانتخابات، وحضره 22 حزبًا سياسيًّا مشاركًا في الانتخابات ومنهم الاتحادي الديمقراطي، ولم يتوصل الاجتماع لموقف موحد وإنما تركت الخيارات لكل حزب ليقرر موقفه من الانتخابات، وقد انعقد الاجتماع في مناخ يسمح فقط بالاختيار ما بين تأجيل الانتخابات أو مقاطعتها.







ويبدو أن غالبية الأحزاب ركَّزت البديلين في اجتماع جوبا كوسيلة للضغط على الحكومة؛ لأجل تنفيذ توصيات تقرير المراقبين الأجانب، ومراجعة تسجيل الناخبين، غير أن التطورات اللاحقة وضعت غالبية أعضاء تحالف جوبا أمام خيارات صعبة؛ حيث تغيرت المواقف الداخلية والدولية وبشكل لا يساند الدعوة لتأجيل الانتخابات.







فقد جاء إعلان الحركة الشعبية بالاستمرار في الانتخابات التشريعية (باستثناء دارفور) والانسحاب من الانتخابات الرئاسية، واتخذ المؤتمر الشعبي موقفًا قريبًا من موقف الحركة الشعبية؛ ليكون أحد المشكلات التي تواجه التحول السياسي في السودان، ويشكل التحدي الرئيسي للأحزاب الشمالية؛ حيث إن استمرار الحركة والمؤتمر الشعبي في المشاركة في الانتخابات يعد بمثابة إضعاف لخيار المقاطعة، وتلاشي تأثيره السياسي، كما هو في ذات الوقت يعيد إنتاج وتطوير الأزمة السياسية.







وبإصرار الحكومة السودانية على إجراء الانتخابات وبالإضافة إلى تأييد الولايات المتحدة وفرنسا، واجهت الأحزاب الشمالية تحديًا آخر لا يقل أهمية عن تحدي انفراط عقد تحالف جوبا أمام الخيارات السياسية ذات التأثير في مستقبل السودان، كما أن تعرُّض الأحزاب لانقسامات داخلية يُشكل قيدًا على اتخاذ مواقف جادة وغير تفاوضية.







وإزاء حالة الارتباك وعدم الوضوح، لم تجد الأحزاب السودانية ( الأمة، الاتحادي، الشيوعي) من خيار سوى التهديد بالإعلان الجماعي عن مقاطعة الانتخابات حتى لا تضفي الشرعية على نظام الحكم، ولكنها تراجعت وأصبحت تتحدث عن تحسين شروط الانتخابات، وهذا التغيير يرتبط بتأثير وضغوط الولايات المتحدة والانقسامات الداخلية، فكل من هذه الأحزاب تعرض لانشقاقات شديدة خلال السنوات الماضية، بحيث أصبح جسدها التقليدي والتي يطلق عليها أحزاب الأصل يواجه منافسة شديدة من المنشقين عليه، وربما هذا ما يفسر محدودية تأثير الدعوة لمقاطعة الانتخابات واستمرار زخم الدعاية الانتخابية.







ومن الواضح أن إعلان بعض الأحزاب مقاطعة الانتخابات تأثر بتقرير المراقبين الأجانب وبأجواء المناقشات في جوبا، دون التيقن من الدوافع السياسية لإثارة المراقبين والحركة الشعبية لفكرة التأجيل أو المقاطعة وتراجع الحركة فيما بعد وتقليل سقف مشاركتها في الانتخابات.







في هذا السياق، يكشف تاريخ العلاقة بين الحركة الشعبية وأحزاب المعارضة عن أن الحركة احتفظت باستقلال قرارها بعيدًا عن تحالف المعارضة رغم وجود تحالف قائم بينهم، ورغم ذلك ظلَّت أحزاب المعارضة تسعى لتنسيق المواقف السياسية مع الحركة سواء في إطار التحالف الوطني أو تحالف جوبا، فيما تتزايد مساحات الخلاف فيما بينهم.







وكشفت التطورات السياسية أثناء الفترة الانتقالية منذ يناير 2005م عن وجود خلافات بين الحركة الشعبية وبعض أعضاء تحالف المعارضة؛ بسبب سعي الحركة إلى توسيع النطاق الجغرافي للإقليم الجنوبي، وأثارت مسألة أبيبي جدلاً واسعًا على المستوى السوداني، غير أن اعتبار أبيبي دائرة انتخابية يعني أن نتائج الانتخابات سوف يكون لها بالغ الأثر في تقرير مصير المنطقة، وخاصة أنها تشكل منطقة تنافس بين حزب الأمة والمؤتمر الوطني والحركة الشعبية.







ومع انتشار مؤيدي الحركة الشعبية وحلفائها في الأقاليم الشمالية، فإن اهتزاز مواقف أحزاب المعارضة من الانتخابات قد يعزِّز فرصها في الحصول على مقاعد خارج جنوب السودان، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات وهي مقاعد تخصم من رصيد الأحزاب الشمالية بشكل عام، وقد يكون إضعاف المعارضة واحد من أهداف الحركة الشعبية للحصول على تمثيل سياسي خارج مناطق نفوذها التقليدية والفوز بمقعد أبيبي، وهو ما يساعدها على طرح نفسها رسميًّا كحركة وطنية.







وفي ضوء التطورات السياسية الراهنة يبدو من المأمول أن تساهم الانتخابات في حدوث تغيُّرات سياسية واسعة، تتجاوز الأبعاد الثنائية للسياسة السودانية، وتتجاوز مرحلة الحرب الأهلية.







ثالثًا: الشأن الدولي



1- حقيقة الخلاف الأمريكي– الصهيوني



نشب ما يعتبره محللون أزمة سياسية بين أمريكا والكيان الصهيوني، وذلك على إثر الانتقادات الأمريكية لقرار بناء 50 ألف وحدة سكنية أثناء تواجد نائب الرئيس بايدن في مقارات الحكومة الصهيونية، وكان في مهمة الإعداد للمفاوضات غير المباشرة، وهو ما اعتبرته الخارجية الأمريكية إهانة للدولة والحكومة.







ومن المفارقة أن يأتي الإعلان الذي تسبب في "الأزمة" في سياق إعلان "بايدن" عن استمرار الضمانات الأمريكية لأمن الكيان الصهيوني تجاه المخاطر الداخلية والخارجية، وهذا التكرار يعبِّر عن استقرار الالتزامات الأمريكية في هذا الشأن، ومن ثم فإن الضغوط الأمريكية لبدء مفاوضات التسوية لا تخرج عن إطار ترطيب الأجواء وترضية الجانب الفلسطيني.







وإذا كان اعتذار نتنياهو خفَّف من الانتقادات الأمريكية، فإنه يمكن القول أن الخلاف البروتوكولي لا يعد أزمة في العلاقة بين الطرفين، والأمر لا يعدو بالنسبة للأمريكيين سوى رد الاعتبار، خاصة وأن طبيعة التحالف والتساند تشكل شبكة معقدة من المصالح والأهداف المشتركة والتي تتطور عبر الزمن.







ورغم الجدل الذي صاحب زيارة نتنياهو للولايات المتحدة، إلا أنها كشفت عن ارتباك الإدارة الأمريكية تجاه المطالب والتحركات الصهيونية، فبينما تحدَّدت المطالب الصهيونية بإبعاد الاستيطان في القدس وغالبية أراضي الضفة الغربية عن المساومات السياسية وحشد الدعم الأمريكي لهذ الغرض، تباينت تحركات تصريحات المسئولين الأمريكيين بين مؤيد للمطالب الصهيونية وبين إبداء تحفظات على بعض جوانب السياسة الصهيونية، وهذا ما دفع نتنياهو للتمسك بمواقفه التي جاء بها إلى واشنطن.







وبطبيعة الحال، تكشف هذه الحادثة عن السياق الذي تتم في إطاره الإعداد لمستقبل الفلسطينيين، فهذا السياق يتضمن أن السياسة الأمريكية وغيرها من السياسات على استعداد لتجاوز الكثير من الحقائق وإهدار الحقوق في مقابل تأكيد ضمانات وجود الكيان الصهيوني، ولعل عدم طرح الإدارة الأمريكية مبادرة جادة ومنصفة من جانب، وفرض المفاوضات من جانب آخر، يكشف عن العشوائية والتحيز في ذات الوقت.







2- التعامل الدولي لحل القضية الفلسطينية



أصدرت اللجنة الرباعية بيانًا انتقدت فيه سياسة الاستيطان الصهيونية ودعت أيضًا إلى استئناف المفاوضات والإعلان عن دولة فلسطينية بعد عامين، وقد جاء صدر هذا البيان أثناء زيارة الأمين العام للأمم المتحدة للأراضي الفلسطينية والكيان الصهيوني.







وبينما تحدثت اللجنة الرباعية عن وقف الاستيطان بشكل عام، اعتبر الأمين العام الاستيطان في القدس الشرقية غير شرعي وذلك باعتبارها أرضًا واقعة تحت الاحتلال دون الإشارة إلى الاستيطان في الضفة الغربية، وربما يرجع هذا التفاوت إلى تأثير الأمين العام بالأوضاع السياسية داخل الكيان الصهيوني.







هذا الاختلاف أو التفاوت لا يعكس وجود سياسة دولية فعَّالة أو مؤثرة لوقف الاستيطان وسحب الشرعية عن ما تم بناؤه خلال السنوات الماضية، ومن الملاحظ أن المواقف الدولية باتت أقرب لإضفاء الشرعية القانونية والشرعية السياسية على المستوطنات، وذلك من خلال تحسن علاقاتها مع سكان المستوطنات والتعامل على إنتاجها الزراعي والصناعي، وهذا ما يتم التعبير عنه سياسيًّا في إقرار من مبدأ تبادل الأراضي.







وبغض النظر عن أهمية وخطورة مسألة الاستيطان، فإن السقف السياسي للأمم المتحدة والرباعية شهد انخفاضًا شديدًا؛ حيث تجاهل حقَّ الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وصار يركز على تناول قضايا جزئية كرفع الحصار والدعوة إلى دولة فلسطينية غير واضحة المعالم، وفي هذا السياق يضيع الكثير من الحقوق، وخاصة حق العودة.







وفي ظلِّ الصراعات بين الولايات المتحدة وروسيا والصين، فإنه ليس من المتوقع تقديم إطار جديد يحافظ على الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية.







3- السياسة الدولية تجاه الملف النووي الإيراني



تشير التطورات المتعلقة بالملف النووي الإيراني إلى تراجع فرص التسوية السياسية فيما تتصاعد احتمالات الحل العسكري، فخلال الأيام الماضية حدثت عملية فرز في مواقف الأطراف المختلفة لإثناء الصين وروسيا عن معارضة التدخل العسكري وتفعيل العقوبات الدولية ضد إيران.







ومن وجهة نظر السياسة الإيرانية، يبدو أن الاتجاه بدا واضحًا في المضي في تطوير البرنامج وتطوير نظم التسليح الدفاعية والهجومية، هذا من ناحية، كما في تطوير تحالفها ومصالحها الإقليمية مع سوريا وتركيا فضلاً عن تثبيت نفوذها في لبنان، وفي هذا السياق كانت زيارة الرئيس الإيراني إلى سوريا وعقد اجتماع ثلاثي حضره الأمين العام لحزب الله، وتم تفسير هذا اللقاء على أنه محاولة للردِّ على محاولات تكوين حلف متضامن مع الولايات المتحدة ضد إيران.







وعلى الجانب الآخر، فإن الولايات المتحدة وحلفائها الأوربيين والعرب يعتبرون أن امتلاك إيران لتكنولوجيا نووية يشكل تهديدًا لمصالحها، كما أنهم يُبدون قلقهم من برنامج الصناعات العسكرية الإيرانية، ولذلك لم يكن غريبًا تقارب الخطاب والمواقف السياسية لهذه المجموعة، وبشكل يعبِّر عن تماثل المصالح المشتركة، وكان من اللافت أن تتباين مواقف الدول العربية تجاه المصالحة مع إيران في إطار العلاقة بين الجامعة العربية ودول الجوار، وهو ما يعبر عن العلاقة الوثيقة بين مواقف بعض الدول العربية والسياسة الأمريكية.







وتقوم تحركات هذا الفريق في الوقت الراهن على محورين، الأول حيث التركيز المشترك على الملف الإيراني دون غيره من الملفات الأخرى، وهذا ما يتضح ليس فقط في تجاهل الانتهاكات المتعلقة بالقضية الفلسطينية ولكن بتقليل النفوذ الإيراني في الدول العربية، وبشكل خاص في العراق واليمن، وفي هذه النقط كان من الملاحظ أن هذا الفريق سعى إلى مساعدة التنظيمات السياسية غير الموالية لإيران، أما المحور الثاني فيتمثل في سعي الولايات المتحدة وأوربا لعزل إيران وتفعيل الحصار الدولي عليها.







وتحاول الولايات المتحدة الاستفادة من قلق واهتزاز الموقف الروسي من تنامي القوة العسكرية الإيرانية وتطوير برنامج تخصيب اليورانيوم دون التنسيق مع روسيا ، وتحاول دفعه نحو الحل العسكري في الوقت الراهن، كما تبذل جهودًا مماثلة مع الصين والبرازيل، وتشير المفاوضات الأمريكية مع الصين بشأن الملف الإيراني في اتجاه البحث عن وسائل لتعويض الصين عن الخسائر المحتملة من تأييد المواقف الأمريكية، كضمان وصول البترول من دول الخليج، غير أن الصين تبدى قلقًا من هذه الحلول التي تخضع للهيمنة الأمريكية.







ويتمثل المصدر الثاني لتردد الصين في الالتزام الكامل بالعقوبات في تعدد قضايا الخلاف والصراع السياسي والاقتصادي والتكنولوجي مع الولايات المتحدة، ويعد الملف الإيراني واحدًا من هذه الملفات، وإزاء تعقد وتشابك العلاقة بين الدولتين، فقد يشهد الموقف الصيني ثباتًا نسبيًّا على البدء بمفاوضات قبل البدء بعمل عسكري.







وبالنظر إلى المصالح المشتركة بين كلٍّ من إيران وروسيا والصين والبرازيل ، فضلاً عن أهمية الاستقرار في منطقة الخليج بالنسبة لها، فإن مواقف هذا الفريق تشكل عاملاً كابحا للعمل العسكري، وإذا ما أخذنا في الاعتبار الأزمات الدولية الأخرى في وسط آسيا وشرق أفريقيا، يمكن القول أن موقف هذا الفريق يعد حيويًّا بشأن تقرير الموقف الدولي تجاه إيران.







4- تناقضات قمة الأمن النووي



دعت الولايات المتحدة لعقد قمة عالمية حول الأمن النووي في العالم، وتسعى القمة لمناقشة توفير وسائل الحماية للمنشآت النووية من الوقوع في أيدى الإرهابيين، وتعد هذه الخطوة في سياق اتفاق روسيا والولايات المتحدة على خفض مستوى التسلح التقليدي والنووي.







ورغم تركيز الولايات المتحدة على منع الانتشار النووي، إلا أنها تلفت الأنظار إلى خطورة الجماعات المسلحة وإمكانية حصولها على أسلحة نووية، وتشير في هذا الصدد إلى تنظيم القاعدة وما تعتبره حركات إرهابية، وهذا التوجه لدى السياسة الأمريكية يعد امتدادًا لسياستها في مكافحة الإرهاب؛ حيث إن أجندة القمة تتحدث باستفاضة عن الإرهاب النووي وتأثيره السلبي على الأمن العالمي.







ومن المفارقة، أنه رغم أن القمة تقوم على مبدأ العالمية، إلا أن الدعوة لم توجَّه إلى الدول على قدم المساواة، وهو ما يعد إخلالاً بهدف القمة (المعلن) لتحقيق الأمن النووي، فإن استثناء إيران على سبيل المثال من الحضور يكشف عن طبيعة التحيز ضدها والمواقف المسبقة، وبهذا المعنى يشمل جدول القمة قضايا تتعلق بحظر تداول التكنولوجيا ونقل المعلومات وكبح التطور العلمي، وهذا ما يعد أمتدادًا لقرار سابق لمجلس الأمن.


وإذا كانت الدعوة لم توجه لإيران، فقد اعتذر الكيان الصهيوني عن عدم حضور القمة، حتى يقلِّل من مستوى إثارة الانتقادات والمطالبات بمراقبة البرنامج النووي الصهيوني، رغم ما يمثله من قلق وتوتر في المنطقة، وهو ما يلقي بظلال من الشكِّ على مصداقية محاولات توفير الأمن العالمي؛ حيث يبدو أن الولايات المتحدة تسعى للهيمنة على التسلح بكل أنواعه على مستوى العالم.

وإن جندنا لهم الغالبون

بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، ومَن تبعه بإحسان إلى يوم الدين..

الاستبداد إلى زوال

يحاول الباطل دائمًا أن يقلب الحقائق، فيحوِّل الظالم إلى مظلوم، والجلاَّد إلى ضحية، والضحية إلى مجرم، فالداعي إلى الخير خارج عن القانون، والقائم بالإصلاح مآله الاعتقال، بل ويطالب البعض بضربه بالنار!!، فهل بات الإصلاح والمطالبة بالحريات جريمةً في عالمنا الإسلامي؟ وهل أصبحت خطابات الاستجداء ولافتات التأييد نضالاً وبطولةً؟!.

هذه إشاراتٌ لسوءة عصرنا الذي انتشر فيه الاستبداد، خاصةً أمام الشعار الرباني الذي يرفعه الشرفاء: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ (هود: 88).

فهذه السجون التي تلفُّ عالمنا بخيرةِ أبناء الأمة، وهؤلاء الأسرى من مجاهدي ومجاهدات فلسطين في سجون الاستبداد الصهيوني؛ ما هي إلا المخاض للأمل القادم بإذن الله؛ ليبدّد ظلام الاستبداد: ﴿كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ﴾ (الرعد: من الآية 17).

فهذا الاستبداد وإن طال ليله فهو إلى زوال، وسيقف المفسدون بين يدي ربهم: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ* وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ* سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ* لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ (إبراهيم: 48-51).

فماذا جنى قائد المستبدِّين: يوم أن قال: ﴿مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾ (غافر: من الآية 29)، ويوم أن ردَّ على المؤمنين: ﴿قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى﴾ (طـه: من الآية 71)، ألم تكن نهايته: ﴿فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا﴾ (الإسراء: 103).

سنة الله في الخلق

وهذه سنة الله التي لا تتبدَّل ولا تتحوَّل.. إنها السنة الماضية إلى يوم الدين، في الوعد الحق من الله تعالى، لكل الدعاة والأحرار والشرفاء، وهم يواجهون العوائق، ويتجاوزون الصعاب؛ بإيمان عميق، وفهم واضح، وعقيدة راسخة، تسيطر على قلوبهم وعقولهم وتصرفاتهم، يقول تعالى: ﴿ولقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ* إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ* وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ* فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ* وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ* أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ* فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاء صَبَاحُ الْمُنذَرِينَ﴾ (الصافات: 171- 177)، هذه سنة عامة، وهي مستمرة في جميع بقاع الأرض وفي جميع العصور، إن أخلص الجند، وتجرَّد المصلحون، فهي غالبةٌ منصورةٌ، مهما كانت الصعاب والعراقيل، وهل يقف أمام وعد الله شيء؟! وهل يوقف سنة الله شيء؟! قد يؤجِّلها الله إلى حين ولكنها لا تتخلَّف، وقد يُمهل الله الظالم ولكنه لن يفلته أبدًا من الحساب والعقاب، وكل ذلك بتقدير الله، لا بما يريده البشر أو بما يتصوره الناس، فالأمر من الله أكمل وأبقى وأشمل وأحكم، وما يريده الله هو الغالب؛ لأنه سبحانه الفعال لما يريد: ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: 21)، ونداؤنا إلى كل الساعين للإصلاح أن يخلصوا لله ويجعلوا الوجهةَ له سبحانه، ويستمروا في العمل الجادِّ لإنقاذ الأمة من المصير المجهول الذي يدفعه إليها الاستبداد والفساد.

﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ﴾

فما يكون في الكون إلا ما أراده الله، وقد يُهيئ الله للبشرية آياتٍ لا يعلمها إلا الله؛ من أجل أن نعرف قدرته وسلطانه ﴿ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ﴾ (الزمر: من الآية 16) لعل البشرية تفيء إليه، في مجال أوسع، وفي أثر أدوم، فما زال بركان أيسلندا يعوِّق حركة الطيران في معظم أنحاء دول أوروبا، رغم مرور أكثر من أسبوع على ذلك؛ بسبب الرماد أو الغبار البركاني المتصاعد، الذي يحجب الرؤية ويهدِّد الملاحة الجوية، فدخانه يحتوي على جسيمات ضئيلة من السيليكون، وكل المصهور في جوف البركان يتحوَّل إلى دخان يمكن أن يتلف محركات الطائرات وهياكلها وجميع الأجهزة الإلكترونية الدقيقة، فضلاً عن إصابات رئوية خطيرة لجميع الكائنات الحية.

فهل هذه الآية لأهل الأرض جميعًا للعود الحثيث إلى رب العزة؟ يقول تعالى: ﴿وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا﴾ (الزخرف: من الآية 48)، وهل هي دعوة إلى التصدِّي للفساد والمفسدين والطغيان والطاغين؟! يقول تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون﴾ (الروم: 41)، وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم عندما نرى آياتِ الله في كسوف أو خسوف الشمس؛ أن نلجأ إلى الله بالصلاة والدعاء، ونتحصَّن بالاستعداد لليوم الآخر؛ لنكون قدوةً للناس جميعًا: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ* يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ (الحج: 1-2)، وهذه العودة إلى الله تعني العودة إلى الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها، ومعرفة قدرته القاهرة سبحانه فوق عباده، بالامتثال لأمره ونهيه، وليس مجرد الخوف من بطشه وعقابه.

الطوارئ لن تدوم

رضي الله عن حاكم الأمة العادل عمر بن الخطاب وهو يقول: "نحن قوم أعزَّنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله"، فالإسلام يطالبنا بالعزة لا بالاستضعاف.. والقوة لا بالهوان.. والحرية لا بالاستبداد؛ الذي هو يهوى ويتساقط بكل أنواعه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، يوم أن نمارس حياتنا بالإسلام، ويوم أن يكون الولاء لله وحده لا للمستبدِّين، ويوم أن نكون عبيدًا لله وحده لا لأصحاب السلطة.

فأمجاد أمتنا لم تصنعها في يوم ما قوانين طوارئ، ولا محاكم استثنائية ولا أحكام عرفية، ولا شرطة ترهب الأحرار، ولا سجون تقمع الشرفاء، وإنما صنعها العدل، وصاغتها الحريات، وأنتجتها المساواة، فكانت بحقٍّ أمة الحق والعدل والمساواة والحرية قبل أن تعرف الحضارات الحديثة هذه المصطلحات.

فيا قومنا..

أقيموا دولة الإسلام في نفوسكم تقُم على أرضكم، إن بداية الإصلاح هو إصلاح هذه النفس البشرية بتمام العبودية لله، ومراقبته في كل شأن وكل حال، واستشعار المسئولية "كلكم راع ومسئول عن رعيته، المرأة راعية ومسئولة عن رعيتها وكذلك الحاكم راع ومسئول عن رعيته"، ففي البيت لا يُبرَم أمرٌ من فطام الوليد فما فوقه إلا عن تراضٍ وتشاور ﴿فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا﴾ (البقرة: من الآية 233)، وعلى مستوى الدولة أمر المسلمين شورى بينهم ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ (الشورى: من الآية 38) والأمر الإلهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكل مسئول بعده ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ (آل عمران: من الآية 159).

نطالب بإطلاق الحريات؛ حتى تتمكن أمتنا من نهضة حقيقية لاستعادة مجدها العظيم، وأن تمتلك الإفصاح الحر، عن رأيها في اختيار ممثليها وحكامها، كما تريد، ونحب أن يعلم الجميع أنهم سواءٌ في تحمُّل هذا العبء من الاضطلاع بمسئولية الإصلاح؛ فلا تستصغروا شأنكم أو جهدكم أو رأيكم؛ لأن مالك القوى والقدر هو الذي يؤتي الملك مَن يشاء وينزع الملك ممن يشاء، وما نحن إلا أسباب نستر القدرة ونأخذ الأجرة من الله: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ* وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ (القصص: 5-6).

نطالب بإنهاء استئثار الحاكم بالسلطة دونما محاسبة من الأمة تحت مسمَّى الطوارئ أو درء الفتن أو الحفاظ على الأمن القومى، فكل ذلك مفسدة مطلقة هي عين الفتنة، حيث تربَّى في أغلب دولنا الإسلامية جيلٌ كاملٌ لا يعرف إلا قيود الطوارئ على الحريات العامة أو التقاضي والحبس والاعتقال، بدلاً من مواجهة الفساد والمخدرات والانحلال والإرهاب والاحتلال!.. فهل ألفت الشعوب وتعايشت مع قوانين الطوارئ بحكم الزمن؟ وإذا كانت حالة الطوارئ الاستثنائية هي القاعدة، فما القانون الطارئ أيام الحرب أو الوباء أو الكوارث، جنبنا الله ويلاتها؟ وأين هي القوى الشعبية التي تواجه التمديد المستمر لمواده، التي باتت سيفًا مصلتًا على الرقاب، خاصةً أمام الوعود المؤخَّرة بإلغائه، والتي تبخرت ولم يكن لها أي وجود؟!

وفي مصرنا خصوصًا نطالب مع كافة القوى الوطنية التي أجمعت على إلغاء العمل بها، برفع حالة الطوارئ قبل نهاية شهر أبريل الحالي، والاستجابة في ذلك لتوصيات كافة المجالس الدولية والمحلية لحقوق الإنسان، التي أعلنت سقوط مبرِّرات العمل بها؛ نظرًا لانتفاء وانقضاء الشروط التي حدَّدها الدستور لاستمرار حالة الطوارئ، وتعارضها مع المواثيق الدولية المعنية، بحقوق الإنسان، وفي قوانيننا المدنية الكفاية لكل ما نحتاجه، فلا قانون طوارئ ولا قانون إرهاب.. فهل تتحقق هذه المطالب؟!

يا قومنا..

قانون التطهير العرقي في فلسطين زيادة في فُجر الصهاينة، لا يردعه إلا وحدة الصف الإسلامي، سنةً وشيعةً، عربًا وعجمًا، على اختلاف ألواننا وألسنتنا وفصائلنا، فالحقُّ الفلسطيني في كل أرضهم حقٌّ مقدسٌ في كل الرسالات والأعراف والقوانين، وحقوق الإنسان في الشرق أو الغرب، فإما أن ننال حقوقنا وإلا فليس للفلسطينيين أو العرب أو للأمة الإسلامية إلا المقاومة بكل الوسائل المشروعة، بما فيها المقاومة المسلَّحة، فذلك العلاج الناجع لهذا الاستبداد الصهيوني المدعوم أو المسكوت عنه غربيًّا وعالميًّا ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾ (الأنبياء: 18).


رسالة من: د. محمد بديع

المرشد العام للإخوان المسلمين
القاهرة فى : 8 من جمادى الأولى 1431هـ الموافق 22 من إبريل 2010م

البقـاء لله

توفت الى رحمة الله

زوجةالأستاذ / وليد حامد

اللهم أرحمها رحمة واسعة ووسع لها فى قبرها

واجعل من قبرها بابً الى الجنة

اللهم شفع فيها القرآن والعمل الصالح

والصبر على البلاء وحسن طاعتها لزوجها

وبرها بوالديها وأهلــها

وشفع فيها النبي العدنان صلى الله عليه وسلم

اللهم أجعل هذه الليلة أسعد لياليها

ادعوا لها أيها الاخوه الكرام ولا تحرموها

في هذه الليلة من صالح دعائكم

الثلاثاء، 27 أبريل 2010

الإستراتيجيات التفاوضية الإسرائيلية العشر

د. محسن صالح - الجزيرة نت

قامت الإستراتيجية التفاوضية الإسرائيلية على أساس "إدارة الصراع" وليس على أساس "حل الصراع"، وهي إستراتيجية تسعى إلى إضعاف الخصم بكل الطرق، إلى أن يقنع بالخيار الوحيد المتاح إسرائيليًّا، وهو ما يفسر إطالة عملية التفاوض.
ولذلك رفضت "إسرائيل" نهج التسوية الشاملة من خلال مؤتمر دولي، ورفضت كشف أوراقها النهائية، وتبنت سياسة "الخطوة خطوة"، وجزأت التسوية إلى مسارات منفصلة، ثم جزأت المسارات المنفصلة إلى مراحل ومحطات.
وسائل وظروف أفضل
وقد استفاد الإسرائيليون من وجود نظام ديمقراطي مؤسسي يخدم اليهود بشكل أساسي، ويستفيد بشكل أفضل من المؤسسات العلمية ومراكز الدراسات ومن الخبرات الإستراتيجية والسياسية، بحيث يستطيع إدارة العملية التفاوضية باحتراف كبير، مستفيدًا من عناصر القوة التي لديه ومن الفرص المتاحة.
كما استفادت "إسرائيل" في العملية التفاوضية من مزايا:
1- غياب التكافؤ في ميزان القوى لمصلحة "إسرائيل" التي تسيطر على الأرض وتتحكم في حياة السكان. وتستطيع نظريًّا إلحاق الهزيمة بالجيوش العربية مجتمعة.
2- النفوذ الصهيوني الإسرائيلي الدولي، وقدرته على التأثير وصناعة القرار في الولايات المتحدة وعدد من الدول الكبرى، والدول ذات الأوزان السياسية والاقتصادية في العالم.
3- حالة ضعف وعجز وانقسام فلسطيني وعربي وإسلامي.
4- إدارة فلسطينية للمفاوضات تعاني من ضعف التنظيم ونقص الخبرة، وفوقية القرارات، وغياب الرؤية السياسية والإستراتيجية، هذا فضلاً عن الانقسام الداخلي وانعكاساته.
الإستراتيجيات العشر
وقد حرص الإسرائيليون في إستراتيجيتهم التفاوضية على استخدام عشر إستراتيجيات رئيسية منبثقة عن الإستراتيجية العامة:
أولاً: عدم تقديم مبادرات رسمية تحدد الشكل النهائي للتسوية، وترك تقديم التصورات لتصريحات السياسيين والمفكرين والقادة العسكريين، دونما التزام نهائي بها. ولذلك نجد عشرات المبادرات والأفكار غير الرسمية، وهي في مجملها تحاول حلّ مشكلة "إسرائيل"، وليس حل المشكلة الفلسطينية، ومعظم هذه المبادرات يدور حول تقديم شكل من أشكال الحكم للفلسطينيين على أجزاء من الضفة الغربية وقطاع غزة، بحيث يكون أكثر من حكم ذاتي وأقل من دولة.
ومنذ أن ظهر مشروع إيغال ألون بعد حرب 1967 بشهر واحد، والذي اقترح شكلاً من أشكال الحكم الذاتي للفلسطينيين، فإنه أصبح أساسًا لمعظم المشاريع الإسرائيلية التالية.
أما المؤسسة الرسمية الإسرائيلية ففضلت عادة الحديث عما ترفضه، دون أن تلتزم تمامًا بالحديث عما تقبله، ومنذ أمدٍ بعيد وهناك مجموعة من اللاءات الإسرائيلية التي يكررها قادة الأحزاب والحكومة، وهي تشكل جامعًا مشتركًا بين معظم الإسرائيليين، وهي:
- لا لإعادة القدس الشرقية للفلسطينيين، والقدس عاصمة أبدية موحدة لـ"إسرائيل".
- لا لعودة "إسرائيل" إلى حدود ما قبل حرب 1967.
- لا لعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى الأرض المحتلة سنة 1948.
- لا لإزالة الكتل الاستيطانية اليهودية في الضفة الغربية.
- دولة فلسطينية منزوعة السلاح وغير مكتملة السيادة.
ثانيا: إبقاء العملية التفاوضية عملية مستمرة ولا نهائية، وتجنب الوصول إلى حالة انسداد تام تؤدي إلى تخلي العرب والفلسطينيين عن خيار التسوية وانتقالهم إلى خيارات أخرى كالمقاومة. فقد أراد الإسرائيليون ملء الفراغ باستمرار، والوجود الدائم للعبة التفاوضية في الساحة، ومنع وقوع حالة انهيار تام تؤدي لانفجار الوضع، بمعنى استمرار دفع المفاوض الفلسطيني والعربي إلى اللهاث للوصول إلى "الجزرة"، واستمرار الحديث عن السلام والأمن والرفاه لشعوب المنطقة، في الوقت الذي يتم فيه بناء الحقائق على الأرض.
ثالثا: الترحيب بالاستماع إلى المبادرات الفلسطينية والعربية، وأخذ ما فيها من تنازلات على أنها حقوق مكتسبة، ثم البناء عليها للمطالبة بمبادرات جديدة لتحقيق مكتسبات جديدة وتنازلات جديدة.
وبعكس المفاوض الإسرائيلي، فقد انشغلت المبادرات الفلسطينية والعربية بتقديم تصورات لـ"إنهاء الصراع" وحلّه، وليس بإدارة الصراع. وكان الجانبان الفلسطيني والعربي، بسبب حالة الضعف والتشرذم والتخلف، وبسبب الضغوط الخارجية، وتحت شعارات الواقعية وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، يقدمان في كل مرة مبادرات جديدة تتضمن تنازلات جديدة، فيرحب الطرف الإسرائيلي بالعناصر الإيجابية في هذه المبادرة أو تلك ويطالب بالمزيد.
منظمة التحرير الفلسطينية أنشئت سنة 1964، لتحرير فلسطين المحتلة سنة 1948 (الأرض الواقعة غرب الضفة الغربية)، ثم تبنت سنة 1968 فكرة الدولة الديمقراطية الواحدة التي تجمع اليهود بمن فيهم من المهاجرين والمستوطنين الصهاينة، مع المسلمين والمسيحيين.
ثم تبنت في سنة 1974 برنامج النقاط العشر بإقامة الدولة على أي جزء يتم تحريره أو "انسحاب" الإسرائيليين منه ، ثم تبنت سنة 1988 قرار تقسيم فلسطين، ووافقت على قرار الأمم المتحدة 242 الذي يتعامل مع قضية فلسطين باعتبارها قضية لاجئين، ونبذت "الإرهاب"، حتى وصلت إلى مؤتمر مدريد سنة 1991، ثم اتفاقية الحكم الذاتي في أوسلو سنة 1993.
أما الأنظمة العربية فانتقلت من القضاء على إسرائيل، إلى إزالة آثار عدوان 1967، والموافقة على مبادرة روجرز سنة 1970، ثم إلى مبادرة قمة فاس 1982، ثم المبادرة العربية سنة 2002 .
رابعا: تشجيع المفاوضات غير الرسمية التي تجري بين أطراف إسرائيلية غير رسمية أو غير مؤثرة في صناعة القرار مع أطراف فلسطينية متصلة مباشرة بصانع القرار الفلسطيني، للحصول على تنازلات مسبقة من الطرف الفلسطيني دونما التزام إسرائيلي مقابل، كما حدث في تفاهمات يوسي بيلين ومحمود عباس آخر 1995، وفي وثيقة جنيف 2003.
ففي تفاهمات بيلين وعباس مثلاً، تنازل الطرف الفلسطيني عن حق عودة اللاجئين إلى الأرض المحتلة سنة 1948، ووافق على دولة فلسطينية منزوعة السلاح، وعلى بقاء الكثير من المستعمرات الإسرائيلية، وعاصمة للفلسطينيين في محافظة القدس في منطقة مثل قرية أبوديس. أما وثيقة جنيف فقدمت تنازلات مشابهة حول اللاجئين والمستعمرات والدولة الفلسطينية المنزوعة السلاح والقدس.
ما هو مهم أنه تم تقديم تنازلات فلسطينية حاسمة في فترة مبكرة، لم يستطع الجانب الفلسطيني حتى الآن أن يصارح بها شعبه رسميًّا، لكن الطرف الإسرائيلي يتعامل معها بوصفها سابقة يبني عليها وحقًّا مكتسبا تمّ تحصيله. وعلى الرغم من أن هذه التفاهمات ليست ملزمة للطرفين فإننا نلاحظ أن الطرف الإسرائيلي ظل "يدندن" في مبادراته التالية حولها.
ومن يتابع المفاوضات هذه الأيام يلاحظ أن الإسرائيليين يتعاملون وكأنهم انتهوا من حسم موضوع عودة اللاجئين، والكتل الاستيطانية، والدولة المنزوعة السلاح المنقوصة السيادة، وأنهم الآن بصدد حسم مستقبل القدس.
خامسا: استخدام وسائل الضغط القذرة للضغط على المفاوض الفلسطيني، وكسر إرادة الشعب الفلسطيني، كالحصار، والاغتيالات والاعتقالات، ومصادرة الأراضي، وهدم المنازل، وإغلاق المعابر، ومنع حركة العمال، وإعادة الاحتلال، والحواجز، وتسريع إجراءات الاستيطان والتهويد والجدار العازل، وتدمير البنى التحتية، وتأخير تنفيذ الالتزامات والاستحقاقات المرتبطة بالتسوية، والسيطرة على مصادر المياه... وغيرها.
وهي أوضاع تدفع باتجاه جعل مجرد تحقيق أي أمر بسيط أو تخفيف أي ضرر مكسبًا كبيرًا، مثل تحصيل لقمة الخبز أو حرية الانتقال، أو الإفراج عن معتقلين، أو وقف تدمير المنازل والأراضي ومصادرتها، أو زحزحة الجدار العنصري العازل بضعة أمتار، أو العودة إلى أوضاع ما قبل انتفاضة الأقصى... إلخ.
سادسا: نزع أوراق الضغط الفلسطينية: فلم يوافق الإسرائيليون على اتفاق أوسلو إلا بعد أن استفردوا بالفلسطينيين، وفصلوا مسارهم التفاوضي عن المسار العربي، وبعد أن نبذت منظمة التحرير الفلسطينية "الإرهاب" و"العنف"، وتعهدت بمنع العمل المسلح ضدّ "إسرائيل"، وبحل كافة المشاكل بالطرق السلمية، ووجدت نفسها (رغبت أم لم ترغب) في مواجهة العديد من الفصائل التي تؤمن باستمرار العمل المقاوم.
وفي الوقت نفسه، لم يكن هناك أمد لإنهاء المفاوضات، ولا مرجعية ملزمة للطرف الإسرائيلي كالأمم المتحدة وقراراتها، ولم يكن هناك في الاتفاق ما يلزم "إسرائيل" بوقف الاستيطان ومصادرة الأراضي وتهويد القدس طوال فترة المفاوضات، وبالتالي أصبح الأمر مرتبطًا بمدى "الكرم" الإسرائيلي، الذي يملك عناصر القوة وأوراق اللعبة.
سابعا: التعامل مع المسارات التفاوضية العربية على أنها مسارات منفصلة: وذلك سعيًا لمنع العرب من التعامل كتلة واحدة قوية ومتناسقة، وحرصًا على الاستفراد بكل طرفٍ معنيٍّ بالتسوية على حدة، وعزله وإضعافه، بما يضمن وضعًا تفاوضيًّا أفضل وأقوى للجانب الإسرائيلي. وهذا ما حدث على المسارات التفاوضية المصرية والفلسطينية والأردنية، كما يسعى الإسرائيليون لفصل لبنان وسوريا عن بعضهما.
ثامنا: رفض تدخل أي طرف خارجي في المفاوضات عندما لا يتلاءم الأمر مع المصالح الإسرائيلية، كالأمم المتحدة وأوروبا وحتى أميركا... بحيث يتحقق استفراد إسرائيلي بالمفاوض الفلسطيني، وبحيث تقرر "إسرائيل" ما تعطيه وما لا تعطيه، وما تبحثه وما لا تبحثه، دونما مرجعية قانونية أو دولية تلزمها بأي شيء.
ففي اتفاق أوسلو لم يكن هناك أي جهة أو مرجعية، تلزم "إسرائيل" بإنهاء المفاوضات ضمن سقف زمني محدد. وأخرج الاتفاق الأمم المتحدة من كونها مظلة دولية تحكم النزاع بين الطرفين، ولم تعد كل قراراتها المتعلقة بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، أو بقرار تقسيم فلسطين سنة 1947... وغيرها، تشكل مرجعية يمكن الاحتكام إليها.
وظلّت الولايات المتحدة تلعب دور الراعي لعملية التسوية، "ومن استرعى الذئب فقد ظلم"! بينما تركت الأمم المتحدة وأوروبا وروسيا وغيرها عملية المفاوضات لنتائج المباحثات الثنائية بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
تاسعا: تجزئة قضايا التفاوض والاستغراق في التفاصيل التفاوضية: حيث يتعمد الكيان الإسرائيلي تحويل عملية التسوية إلى متاهة، يصعب التحرك في دهاليزها كما يصعب الخروج منها، فتناقش أدق التفاصيل لعمل اتفاقات وبروتوكولات ومذكرات... ينشغل بها عشرات المتفاوضين، في مئات من الساعات التفاوضية، بأشكال ثنائية ومتعددة ودولية. وبحيث يبدو استرجاع الفلسطينيين لأبسط حقوقهم انتصارًا كبيرًا وتنازلاً إسرائيليًّا مؤلمًا.
فقد كانت مشكلة اتفاق أوسلو أنه أوغل في التفصيلات قبل أن يتفق على الأسس والمآلات، وينطبق على ذلك المسار التفاوضي في الفترة 1993-1999 ، حيث عقدت اتفاقات جزئية مفصلة (اتفاقات القاهرة، وطابا، وواي ريفر، وشرم الشيخ). فمن غزة-أريحا أولاً، إلى تقسيم الضفة الغربية إلى مناطق "أ"، و"ب"، و"ج"، ووضع خاص بمدينة الخليل، وعمل مسارات خاصة بالمستعمرات وبالقدس واللاجئين والحدود... ثم تجزيء المجزّأ. فبالنسبة للمستعمرات هناك كتل استيطانية، وهناك مستعمرات "شرعية"، وعشوائية، وأمنية، وهناك ما تمّ ضمّه لـ"إسرائيل" في شرقي القدس، وما سيُضم خلف الجدار... إلخ.
عاشرا: شراء الوقت والتهرب من استحقاقات عملية التسوية: كرس الإسرائيليون فكرة أنه لا مواعيد مقدسة منذ بداية العملية التفاوضية، وأصبح ذلك سمتًا عامًّا لسلوكهم التفاوضي بحيث لم تسلم أي اتفاقية من تأخير أو تعطيل، من خلال توليد الحوارات وتكثير الاجتماعات وتعطيل الاتفاقات، والعودة للوراء لأتفه الأسباب، وإعادة التفاوض على ما سبق التفاوض عليه، وتحويل المفاوضات إلى عملية لانهائية، والانتقال من شعار "المفاوضات من أجل السلام" إلى "المفاوضات من أجل المفاوضات". وفي الوقت نفسه، تجري عملية مصادرة الأرض وتهويد الأرض والإنسان في الضفة الغربية بأعلى وتيرة ممكنة.
فاستحقاقات التسوية النهائية وما يترتب عليها من إنشاء الدولة الفلسطينية كان موعدها سنة 1998، وتمّ تعطيلها وتأجيلها مرات عديدة، وكان ينبغي لخريطة الطريق أن تتوج بحلّ نهائي وقيام الدولة الفلسطينية في نهاية سنة 2005، لكن الدولة العبرية لم تنفذ حتى الآن استحقاقات المرحلة الأولى من خريطة الطريق وهي وقف الاستيطان، بعد أن أدت السلطة الفلسطينية في رام الله كافة ما عليها من استحقاقات. فضلاً عن أن "إسرائيل" لم تُعِد حتى الآن الوضع في الضفة الغربية إلى ما كان عليه قبل بدء الانتفاضة في 28/9/2000.
خلاصة
وهكذا، فإن الإستراتيجية التفاوضية الإسرائيلية تهدف إلى إطالة أمد المفاوضات مع استمرار بناء الحقائق على الأرض، والوصول إلى الأوضاع النهائية المفروضة إسرائيليًّا، مع نزع أوراق الضغط الفلسطينية، بحيث لا يجد الفلسطيني في النهاية ما يتفاوض عليه، ويكون أمام خيارات محددة بالسقف الإسرائيلي.

إنها البلطجة السياسية.. أو قل شريعة الغاب

بقلم: د. محمد البلتاجي
شاهد العالم كله من خلال الإعلام المسموع والمرئي والمقروء كيف تعاملت الأجهزة الأمنية يوم الثلاثاء 6 أبريل مع مجموعة من الشباب العزل لا يزيدون عن مائتي شاب أرادوا أن يعبروا عن رفضهم لحالة الانسداد (ويتقدموا بمطالبهم من أجل التغيير والإصلاح)؛ وذلك من خلال وقفة احتجاجية أمام مجلس الشعب, فإذا بهم يتعرضون للمطاردة والملاحقة والسحل والضرب والاعتقال الذي لم تسلم منه الفتيات!!.
ولما كنت (ومعي النائبان: د. حمدي حسن، ود. جمال زهران) على مرأى ومشهد من بعض هذه الوقائع- حيث كنا يومها في انتظار الشباب أمام البرلمان- فقد تقدمنا ببيانات عاجلة (ومعنا الزميل الأستاذ حمدين صباحي) للسيد رئيس مجلس الشعب لمناقشة هذه الانتهاكات والتجاوزات على حقوق التعبير والتظاهر، وما ترتب على ذلك من صور تسيء لسمعة مصر, رفض السيد رئيس المجلس إلقاء البيانات العاجلة تحت قبة المجلس، وأحالها للجنة مشتركة من لجان حقوق الإنسان والدفاع والأمن القومي .
حضرت مع عديد من رموز القوى السياسية المصرية يوم الثلاثاء 13 أبريل وقفة احتجاجية أمام دار القضاء العالي ضد الانتهاكات التي لحقت بالمتظاهرين يوم 6 أبريل، وتقدمت مع عدد من هذه الرموز ببلاغ للنائب العام لفتح التحقيق في هذه الوقائع.
عقدت جلسة للاجتماع المشترك للجنتي حقوق الإنسان والدفاع والأمن القومي (لمناقشة البيانات العاجلة المقدمة من النواب الأربعة ضد وزارة الداخلية) صباح الأحد 18 أبريل, وفوجئت بحشد كبير من نواب الحزب الوطني يحضرون الاجتماع!!!، ووقفت مع الزملاء حمدي حسن وحمدين صباحي نؤكد أن هذا الشباب تحرك بشكل سلمي للتعبير بشكل دستوري عن مطالب مشروعة ومشرفة (انحصرت في المطالبة بتعديل المواد الدستورية 76-77-88، ووقف العمل بقانون الطوارئ وتعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية بشكل يقضي على تزوير الانتخابات)، وأكدنا أن الأجهزة الأمنية ارتكبت العديد من المخالفات الدستورية والقانونية تستوجب المساءلة.
تحدث السيد مساعد وزير الداخلية فذكر وسط حديثه أن القانون أعطى الحق للشرطة باستخدام الرصاص ضد المتظاهرين، وهو ما لم تفعله الشرطة (طبعًا يتحدث السيد اللواء عن قانون صدر تحت الاحتلال الإنجليزي لمصر في عام 1923م وتمت بناء عليه مجزرة كوبري عباس فبرابر 1946م).
فوجئنا بالسادة النواب (نشأت القصاص- أحمد أبو عقرب- محمود خميس- رجب حميدة- عبد الرحمن راضي) يأخذون الكلمة ليس فقط للدفاع عن الداخلية وتبرير موقفها في الحدث محل المناقشة, لكن ليتبارى كل منهم في تحريض الأجهزة الأمنية (والحديث موجه للسيد مساعد وزير الداخلية) على استخدام أقسى صور العنف ضد المتظاهرين، وأخذوا يرددون على مسامعنا:
* (لو قدمت استجوابًا لوزير الداخلية لقدمته حول الحنية الزايدة في التعامل مع متظاهري 6 أبريل الخارجين على القانون وأقول له: اضرب بالنار على طول بلاش خراطيم المياه).
* (أعيب على الداخلية أنها لا تُعمل القانون ولا تستخدم الرصاص؟ هل نريد أن نحرق وطنًا كاملاً ولا يسقط العشرات... هناك أيدي خفية تضع أيديها في أيدي نجسة من الشيوعيين والذين لا يركعون لله ركعة ويهدفون لإحداث فوضى خلاقة وشرق أوسط جديد).
* (دول شوية صُيّع- متمردون- خونة- عملاء- مأجورون- متمولون من الخارج).
* (أطالب الداخلية بالكف عن اللين، لا بد من الضرب بيد من حديد).
وقفت أمام اللجنة أؤكد أن محاولة تشويه صورة الحركة الوطنية والشوشرة على مطالب التغيير والإصلاح، وتعميم الاتهامات بالتخوين والعمالة والتمويل الخارجي أمر مرفوض, وطالبت من لديه وقائع بالخيانة والعمالة والتمويل (خارج إطار الدستور والقانون) ألا يتكتم عليها، وأن يتجه بها للنائب العام مباشرة, أما مهاجمة المساعدات الأجنبية- المعلومة للحكومة- إذا كانت في خدمة قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والسكوت عن المساعدات الأجنبية، إذا كانت في خدمة الخصخصة وتوصيات صندوق النقد الدولي فهو كيل بمكيالين.
أثناء الحديث عن التمويل والمساعدات دار بيني وبين النائب أحمد أبو عقرب مشادة شديدة لا أقف عندها كثيرًا الآن؛ حيث إنه قام أمام اللجنة واعتذر وأعلن أنه لم يكن يقصدني بهذه الاتهامات (التي كانت تبدو أمام الجميع وكأنه يقول لي أنتم متمولون من الخارج).
أنهى السيد إدوارد غالي رئيس اللجنة المشتركة الاجتماع، ولم ينس أن يشيد بدور وزارة الداخلية في التعامل مع المتظاهرين، وأنها لم تتدخل إلا بعد أن اعتدى عليها المتظاهرون وقذفوها بالحجارة؛ مما أدى لإصابة بعض رجال الشرطة (وهذا الكلام لم تقل به الداخلية نفسها في بيانها الرسمي حول مظاهرات 6 أبريل).
شاركت مساء نفس اليوم 18 أبريل في عديد من اللقاءات الفضائية على قناة "أوربت" (برنامج على الهواء- وبرنامج القاهرة اليوم) و"المحور" (برنامج 90 دقيقة)، وعرضت وجهة نظري في الأحداث وفي التصريحات الخطيرة واستمعت بأذني للنائب نشأت القصاص في هذه البرامج، وفي برامج (العاشرة مساء ومن قلب مصر) وهو يؤكد ويكرر بلسانه:
* (الخارج على القانون ينضرب بالرصاص)
* في إجابة على سؤال صريح (هل قلت إن الشرطة يجب أن تضرب المتظاهرين بالنار؟؟) فقال: (فاكريني حأقول ما قلتش, لا أنا قلت..)، وقال: (عندما يخرجوا على النظام ويحتكوا بالشرطة إيه الرد حيكون...).
* (قلت بالحرف الواحد اللي يرمي حجر على عسكري مصري شرطة أو جيش مفروض ينضرب بالنار).
صباح الإثنين والثلاثاء خرجت كل الصحف وكتب أكثر أصحاب الأعمدة والكتاب يهاجمون نواب الرصاص، وشعر الجميع أن الحزب في ورطة وفضيحة جديدة تضاف لقائمة الفضائح التي لم تجف بعد بسبب نوابه (نواب القمار والموبايلات المهربة، ونواب السمسرة في علاج نفقة الدولة، والنواب الذين تسولوا من الوزراء وظائف لأنفسهم في البترول والكهرباء أثناء نيابتهم عن الشعب, ونواب الرشاوى، ونواب قتل المصريين بأكياس الدم الملوثة أو في العبّارات غير الصالحة، فضلاً عن نواب سي ديهات فتيات الليل أو نواب سوزان تميم)، وليس من المصادفة أن كل هؤلاء النواب بلا استثناء نواب عن الحزب الوطني الديمقراطي، كما كان أسلافهم (نواب القروض ونواب المخدرات ونواب التهرب من التجنيد ونواب سميحة).
ظُهر الثلاثاء حضر أمام المجلس العشرات من شباب 6 أبريل مع عدد من الرموز السياسية وعدد من نواب الإخوان والمستقلين في وقفة احتجاجية كان عنوانها (اضربونا بالرصاص)، واستمرت الوقفة أكثر من ساعتين ووقفت القيادات الأمنية على بعد أمتار، ولم تستدع قوات الأمن المركزي ولا القوات الخاصة، ذات الملابس المدنية التي شاهدناها يوم 6 أبريل ويوم 13 أبريل.
وردد الشباب هتافاتهم في إصرار وتحدٍّ ثم انصرفوا دون أن يتعرض لهم أحد, ولم تحدث الوقفة ولا الهتافات قلبًا لنظام الحكم (كما قال السيد النائب محمود خميس)، ولا فوضى خلاقة (كما قال السيد النائب رجب هلال حميدة).
لم أكمل الوقفة الاحتجاجية بسبب بدء الجلسة العامة بالمجلس) الموقر)، وكنت قد اتفقت مع عدد من الزملاء أن نتقدم بطلب للمناقشة العامة يضاف لجدول أعمال الجلسة حول (ما إذا كانت مطالبة نواب الحزب الحاكم للداخلية بإطلاق النار على المتظاهرين سياسة جديدة للحزب الحاكم أم خطايا لنواب يجب محاسبتهم عليها؟!)، دخلت للجلسة لتقديم طلب المناقشة العامة ففوجئت بالسيد رئيس المجلس وقد أعطى الكلمات للسادة نواب الرصاص واحدًا بعد الآخر، لا ليعتذروا ولكن ليقفوا في استخفاف بعقولنا واستهبال ينكرون كل ما حدث منهم، فيقف النائب القصاص ليقول: (لا يمكن لنائب بمجلس الشعب أن يطالب بعقاب الشعب وإطلاق الرصاص عليه- لم أكن أظن أن يساء تأويل حديثي إلى الحد الذي صورته وسائل الإعلام-!!! حديثي عن الرصاص هو الحالة القانونية في الدفاع عن النفس- أقصد رصاص الشيكولاتة والبمبوني)!!!
ويقف النائب عبد الرحمن راضي ليقول: (نحن نواب الحزب الوطني حزب الحرية والديمقراطية لا يصدر عنا هذا الكلام!!!)، وهكذا قال رجب حميدة من قبلهم وأحمد أبو عقرب من بعدهم، وانضم إليهم مدافعون جدد (علي عطوة وجمال الزيني)، تحدثوا عن نواب المعارضة باعتبارهم نواب الفتنة الذين حرضوا الصحافة والفضائيات والجماهير على نواب الوطني المحترمين!!!.
وهكذا أصبحت الصحف والفضائيات والكتاب والمعلقون هم المتهمون بالتحامل على السادة نواب الحزب الوطني المظاليم الأبرياء!!!.
والعجيب أن السيد رئيس المجلس أعطاهم الفرصة كاملة ليقولوا ما شاءوا، بل أخذ يؤكد هو الآخر أن هناك سوء فهم، وأن نواب الحزب الوطني لم يقصدوا طبعًا أن يقولوا إن المظاهرات تُضرب بالنار.
طلبنا الكلمة من السيد رئيس المجلس فرفض بشدة وبحدة؛ بالرغم أننا أصحاب الحق في الشكوى مما حدث في اجتماع اللجنة المشتركة التي انعقدت بناء على طلبنا نحن من أجل محاسبة الداخلية على تجاوزاتها في حق المواطنين، فإذا بالنواب يوصون الشرطة بضرب النار على المتظاهرين والتوقف عن الحنية الزايدة.
وقف النائب حسين إبراهيم (إخوان) يؤكد للسيد رئيس المجلس أن من حق الحزب الوطني أن يتراجع ويعتذر ويصحح ما صدر على لسان نوابه، ولكن ليس من حقه أن ينكر حقيقة ما حدث, ووقف النائب سعد عبود (الكرامة) يؤكد أن المنصة غير محايدة؛ إذ هي تعطي الكلمة لطرف دون طرف.
ووقف نواب الإخوان في إصرار يرفضون أداء رئيس المجلس المنحاز لغير الحقيقة، ويقولون له إن نواب الرصاص أكدوا مطالبتهم بضرب المتظاهرين بالنار في وسائل الإعلام، رفض السيد رئيس المجلس تمامًا إعطاءنا الفرصة للتعليق على الموقف والشهادة بما حدث، وقال إنه يطلب من الأمانة العامة تفريغ شريط الجلسة، وإنه سيعرض محتواه على اللجنة التشريعية.
تذكرت ما تم في تفريغ شريط جلسة رفع الحذاء حين اختفت أحط ألفاظ السب التي سمعناها بآذاننا من النائب القصاص (هو هو)، وبقي حذاء أشرف بدر الدين الذي كان رد فعل على إساءات القصاص, فتمت معاقبة أشرف بدر الدين بالحرمان من المجلس، وشُطبت جريمة القصاص من المضبطة، وتذكرت تفريغ "سي ديهات" نائب فتيات الليل إذ لم يثبت التفريغ شيئًا له علاقة بالإساءة لكرامة المجلس وهيبته، بدليل أن اللجنة اكتفت بتوجيه اللوم للنائب إياه.
بمناسبة كرامة المجلس وهيبته وقف بعض نواب الحزب الحاكم يحرضون رئيس المجلس علينا أثناء كلماتهم قائلين له إن هناك نوابًا- يقصدوننا- شاركوا شباب 6 أبريل وقفتهم الاحتجاجية أمام المجلس، فوقف السيد رئيس المجلس يعلن مهددًا: (أي نائب سيشارك في أعمال خارجة عن القانون سوف يحاسب عليها ولا حصانة له، وإن أفعال النائب خارج المجلس سوف يحاسب عليها داخل المجلس ما لم يحافظ على هيبة وكرامة المجلس!!!).
***
حتى اللحظة لم يصدر عن الحزب ولا عن المجلس قرار بشأن محاسبة نوابه على هذه التصريحات التي فزعت الرأي العام، وصارت تمثل تهديدًا حقيقيًّا للسلم الاجتماعي (باستثناء تصريحات مقتضبة للسيد صفوت الشريف والسيد جمال مبارك).
ولكن السؤال الأهم هو متى يجري الحزب الوطني مراجعة فكرية وسلوكية توقف مسلسل البلطجة، ليس فقط الذي عبر عنه نوابه تحت قبة البرلمان بل الذي يمارسه الحزب وحكومته بالفعل في الحياة المصرية، وإليكم عينة من شواهده:
* 9-4-2002م: قتل محمد السقا (الطالب بجامعة الإسكندرية) بالرصاص، لاشتراكه في مظاهرة طلابية للتنديد بالعدوان الصهيوني وبزيارة السيد كولن باول لمصر في هذا التوقيت.
* 6-5-2005م: قتل الأستاذ (طارق غنام) بالغاز الكثيف أثناء مشاركته في مظاهرة الإصلاح التي انطلقت في مدينة طلخا بالمنصورة للتعبير عن رفض تعديل المادة 76 على النحو الذي تم.
* 25-5-2005م (يوم الاستفتاء لتعديل المادة 76 إياها): الاعتداء على المتظاهرين أمام نقابة الصحفيين والتحرش العنيف بالصحفيات على يد البلطجية على مسمع ومرأى من قيادات الحزب الوطني.
* نوفمبر 2005م (المرحلة الثالثة من الانتخابات التشريعية: أقسام الشرطة تخرج البلطجية والمسجلين خطر وأصحاب السوابق للتصدي ومنع الناخبين بالقوة من التصويت لمرشحي الإخوان؛ لتكون النتيجة إلى جانب تزوير إرادة النخبين (14 قتيلاً غير العشرات ممن فقدوا أعينهم نتيجة الرصاص المطاطي).
* 22-11-2006م: مجزرة جامعة عين شمس الأولى (والاعتداء الواسع على الطلاب)؛ بسبب احتفالهم بتشكيل الاتحاد الحر بمشاركة طلابية واسعة أكدت تزوير الانتخابات الرسمية.
* 24-10-2007م اقتحام البلطجية لحرم جامعة عين شمس حاملين الشوم والسنج وعبوات المولوتوف (على مرأى ومسمع من رئيس وقيادات الجامعة)؛ لتأديب الطلاب الذين قاموا بمسيرة احتجاج على استبعادهم وشطبهم من الكشوف النهائية للانتخابات الطلابية بلا مبرر مقبول .
* مارس 2008م وبمناسبة فتح باب الترشيح لانتخابات المحليات التي أجريت في 8 أبريل 2008م: تكوين هيكل إداري لمنع المرشحين من تقديم أوراق الترشيح توزعت أدواره بين (البلطجية- أفراد أمن الدولة- موظفي الإدارة المحلية)، وقام هذا الثالوث بكل الوسائل غير المشروعة (خطف المرشحين- اعتقال المرشحين وأنصارهم- رفض استلام أوراق الترشيح بل والحيلولة دون وصول المرشحين لمكاتب تسليم الأوراق)، وكانت المحصلة التي أثبتها القضاء الإداري هو عجز المرشحين في كل القطر المصري عن تقديم أوراقهم, ليحصد الحزب الوطني 52000 مقعد مجالس محلية بالبلطجة
* 2008-2009-2010 حيث لا تزال أحداث البلطجة ضد الطلاب في مختلف الجامعات (المنوفية- الإسكندرية- الفيوم- المنصورة- الزقازيق- حلوان- قناة السويس... وغيرها)، تلك البلطجة التي بلغت حد التحرش الجنسي بالطلاب وخطفهم من الحرم الجامعي وأخذ أهليهم رهائن لحين عودتهم فضلاً عن الفصل التعسفي والحرمان من الامتحانات، وكل هذا بسبب قيام الطلاب بحملات توعية تحت عنوان (راقي بأخلاقي!!!) (ومن أحياها!!!...) (نصرة الأقصى!!!) و(الأقصى ينادي)..
هذه عينة قليلة من وقائع البلطجة السياسية التي مورست بالفعل بصرف النظر عن تصريحات نواب الوطني أو تعقيبات قياداته، أقدمها ليعرف القارئ لماذا يطلب الحزب الوطني استمرار حالة الطوارئ ويطالب بتمديدها (مائة سنة قادمة كما قال النائب القصاص)، ولماذا بقي خيرت الشاطر وحسن مالك وأحمد شوشة وصادق الشرقاوي وأحمد أشرف في السجن للعام الرابع؛ نتيجة قرار محكمة عسكرية كانت أحالتهم إليها مخالفة لكل شرائع الأرض والسماء؟، وكيف يهدد النظام الآن بإعادة قضية التنظيم الدولي إذا لم يتوقف الإخوان عن التنسيق مع القوى السياسية في التصعيد لمطالب الإصلاح السياسي!!!...... وهكذا هي البلطجة السياسية، أو قل هي شريعة الغاب.

الحقوق محفوظة لـ - مدونة المرايا المستوية | الإخوان المسلمون