السبت، 6 مارس 2010

المراهقة للشيخ محمد قانصو


التعريف اللغوي:
ترجع لفظة المراهقة إلى الفعل العربي (راهق) الذي يعني الاقتراب من الشيء، فراهق الغلام فهو مراهق: أي قارب الاحتلام، وراهقت الشيء رهقاً قربت منه. والمعنى هنا يشير إلى الإقتراب من النضج والرشد.


التعريف الإصطلاحي:
المراهقة هي الإقتراب من النضج الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي، ولكنه ليس النضج نفسه، لأنه في مرحلة المراهقة يبدأ الفرد في النضج العقلي والجسمي والنفسي والاجتماعي ولكنه لا يصل إلى اكتمال النضج إلا بعد سنوات عديدة قد تصل إلى 9 سنوات.

أما الأصل اللاتيني للكلمة فيرجع إلى كلمة DOLESCERE وتعني التدرج نحو النضج الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي والعاطفي، أو الوجداني أو الانفعالي.


الفرق بين المراهقة والبلوغ:
البلوغ عند علماء النفس يعني "بلوغ المراهق القدرة على الإنسال، أي اكتمال الوظائف الجنسية عنده، وذلك بنمو الغدد الجنسية عند الفتى والفتاة وقدرتها على أداء وظيفتها، أما المراهقة فتشير إلى التدرج نحو النضج الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي، وعلى ذلك فالبلوغ جانب واحد من جوانب المراهقة، كما أنه من الناحية الزمنية يسبقها، فهو أول دلائل دخول الطفل مرحلة المراهقة".

يقول الدكتور عبد الرحمن العيسوي: إن المراهقة تختلف من فرد إلى آخر، ومن بيئة جغرافية إلى أخرى، ومن سلالة إلى أخرى، كذلك تختلف الأنماط الحضارية التي يتربى في وسطها المراهق، فهي في المجتمع البدائي تختلف عنها في المجتمع المتحضّر، وكذلك تختلف في مجتمع المدينة عنها في المجتمع الريفي، كما تختلف في المجتمع المتزمّت الذي يفرض كثيراً من القيود والأغلال على نشاط المراهق عنها في المجتمع الحر الذي يتيح للمراهق فرص العمل والنشاط، وفرص إشباع الحاجات والدوافع المختلفة.

كذلك فإن مرحلة المراهقة ليست مستقلة بذاتها إستقلالاً تاماً، وإنما هي تتأثر بما مر به الطفل من خبرات في المرحلة السابقة.


مراحل المراهقة وخصائصها:

المراهقة المبكّرة
تمتد فترة المراهقة المبكّرة بين عمر 11 و14 سنة تقريباً، ورغم اعتقادك أن طفلك لا يزال صغيراً، فإنه يمر بتغييرات كبيرة ومهمة جداً. ففي هذا العمر يتأرجح المراهق بين رغبته في أن يعامل كراشد وبين رغبته في أن يهتم به الأهل.. ما يجعل الأمر صعباً ومربكاً للوالدين.

يمكننا إطلاق اسم مرحلة "حب الشباب" على هذه الفترة من المراهقة، ففي هذه الفترة يشعر المراهق بضعف الثقة فيما يتعلق بمظهره الخارجي والتغييرات التي تطرأ عليه. ويعتقد بأن الجميع ينظر إليه، ويصعب على الأهل اقناعه بغير ذلك.

وتنعكس حاجة المراهق لمزيد من الحرية في العديد من الأمور، فيبدأ برفض جميع أفكار ومعتقدات الاهل ويشعر بالإحراج إن وجد في مكان واحد مع أهله. وقد يبدو أكثر عصبية وتوترا. كما يبدأ المراهق في هذه المرحلة باكتشاف نفسه جنسياوتزداد حاجته للخصوصية والإنفراد بنفسه. وقد تبدو هذه المرحلة في غاية العشوائية بالنسبة للأهل ولكن عليهم التحلي بالصبر، والإصغاء إلى احتياجات أطفالهم، ودعمهم لتطوير وتنمية شخصيتهم المستقلة والخاصة.

المراهقة الوسطى:
تمتد مرحلة المراهقة الوسطى بين عمر 15 و 17 سنة تقريبا، أهم سمات هذه المرحلة شعور المراهق بالاستقلال وفرض شخصيته الخاصة، وبسبب حاجتهم الماسة لإثبات أنفسهم، يصبح المراهقون أكثر تصادما ونزاعا ضمن العائلة، فيرفضون الإنصياع لأفكار وقيم وقوانين الأهل ويصرّون على فعل ما يحلو لهم. ويجرب الكثير من المراهقين الأمور الممنوعة أو الغير محبذة عند الأهل، كالتدخين وشرب الكحول والسهر خارج المنزل لساعات متأخرة، ومصادقة الأشخاص المشبوهين، كنوع من التحدي للأهل ولفرض رأيهم الخاص.

ويصبح المراهق أكثر مجازفة ومخاطرة، ويعتمد على الأصدقاء للحصول على النصيحة والدعم، وليس على الأهل، وعلى الأهل في هذه المرحلة إظهار تفهم شديد لأبنائهم  لكي لا يخسروا ثقتهم، وبنفس الوقت يضعوا قوانين واضحة لتصرفاتهم وتعاملاتهم، مع الأخرين ومع العائلة. وبما أن معظم التغييرات الجسدية قد حدثت في مرحلة المراهقة المبكرة، يصبح المراهق أقل اهتماما بمظهره الخارجي وأكثر اهتماما بجاذبيته للجنس الاخر، و يستمرّ النّموّ الفكريّ للمراهق في هذه المرحلة، ويصبح أكثر قدرة على التفكير بشكل موضوعي والتخطيط للمستقبل، كما بإمكان المراهق أن يضع نفسه مكان الآخر، فيصبح لديه القدرة على أن يتعاطف مع الآخرين في هذه المرحلة.


المراهقة المتأخّرة:
تمتد هذه المرحلة تقريبًا بين أعمار 18 و 21 سنة وفي مجتمعنا قد تمتد هذه المرحلة فترة أطول، نظرا لاعتماد الأبناء على الأهل في الشؤون المادية والدراسية إلى ما بعد التخرّج ومرحلة العمل أيضا.

يستطيع معظم الشباب في هذه المرحلة أن يعملوا بطريقة مستقلة، رغم انهماكم بقضايا تتعلق برسم معالم هويتهم وشخصيتهم. ولأنهم يشعرون بثقة اكبراتجاه قراراتهم وشخصيتهم، يعود الكثير منهم لطلب النصيحة والإرشاد من الأهلويأتي هذا التغيير في التصرف مفاجأة  سارة للأهل، إذ يعتقد الكثير منهم أن النزاع والصراع أمر محتم، قد لا ينتهي أبدا. ويتنفس الأهل الصعداء، فبالرغم من أن الأولاد اكتسبوا شخصيات مستقلة خلال مراهقتم، تبقى قيم وتربية الأهل واضحة وظاهرة في هذه الشخصيات الجديدة إن أحسن الأهل التصرف والتفهم لهذه المرحلة الحرجة في حياة أولادهم.



خصائص نمو المراهقين:
1- خصائص النمو الجسمي:
  • زيادة إفراز هرمون النمو الذي يؤدي إلى تغيرات جسمية سريعة تؤثر على سلوك المراهق.
  • الشعور بالكسل والخمول نتيجة التغيرات الجسمية.
  • سرعة الشعور بالتعب والإعياء عند بذل أي مجهود أو نشاط.

2- خصائص النمو العقلي:
  • زيادة القدرة على القيام بالكثير من العمليات العقلية العليا كالتفكير والإستنتاج والتعلّم والتخيّل.
  • نمو القدرات العقلية في الرياضيات والمعادلات.
  • نمو بعض المفاهيم المجردة كالحق والعدالة والفضيلة.
  • الإهتمامات بالميول الخاصة كالاهتمام بمستقبله الدراسي.

3- خصائص النمو الانفعالي:
  • الرهافة الانفعالية كالغضب لأتفه الأسباب والحزن الشديد عند تعرضه للإحباط من الآخرين.
  • الحدة الإنفعالية كالصراخ بعنف وشتم الآخرين والإندفاع بتهورعندما يتشاجر مع الآخرين.
  • الإرتباك الشديد بسبب الخوف وعدم القدرة على التصرف عند تعرضه للسخرية من الآخرين.
  • الحساسية الشديدة للنقد حيث يتضايق بشدة عند تعرضه للإنتقاد من الآخرين.
  • التقلّب الإنفعالي بين الفرح والحزن وبين الضحك والبكاء.
  • الخوف من أشياء كثيرة كالمدرسة والجنس والعلاقات الأسرية.
  • الاهتمام بالمظاهر الشخصية في الملبس والمأكل والعناية بالجسم.
  • الغضب والغيرة يعتبران من الإنفعالات الشائعة عند المراهق.

4- خصائص النمو الاجتماعي:
  • الميل إلى الاستقلال والإعتماد على النفس في اختيار الأصدقاء والملبس والدراسة.
  • الميل إلى شلة معينة من الأصدقاء يتقيد بآرائهم ويجد التقدير والراحة والمتعة والفهم لديهم، والذي لا يجده في المنزل أو المدرسة.
  • الميل إلى مقاومة السلطة في المنزل والمدرسة عندما تتعارض آراءهم مع آراء شلة الأصدقاء.
  • المنافسة في اللحاق بالآخرين أو التفوق عليهم.
  • الميل إلى الجنس الآخر في محاولته جذب الإنتباه إليه عن طريق أناقة المظهر الشخصي أو امتلاك أشياء مثيرة.

كيفية التعامل مع المراهقين:
إن التعامل مع المراهقين يحتاج إلى إلمام تام بالمتغيرات التي تحدث في هذه المرحلة ومعرفة جيدة بمتطلباتها لكي يتم اتخاذ الطرق السليمة للتعامل المناسب،حيث أن عدم الإلمام أو الجهل بالمتغيرات التي تحدث للمراهق تنعكس سلباً على سلوكه وقد تؤدي به إلى اتخاذ خطوات خطرة قد تترك أثرها على حياته ومستقبله.

وقد سبق لنا القول إن المراهق يتسم بشيء من التمرد في هذه الفترة، وهنا تكمن مسؤولية الأهل في تفهّم هذا التمرد واستيعابه وعلاجه، ويمكن القول إن العلاج يكون بالوسائل التالية: السماح للمراهق بالتعبير عن أفكاره الشخصية، وتوجيهه نحو البرامج الفعالة لتكريس وممارسة مفهوم التسامح والتعايش في محيط الأندية الرياضية والثقافية، وتقوية الوازع الديني من خلال أداء الفرائض الدينية، والتزام الصحبة الصالحة، ومد جسور التواصل والتعاون مع أهل الخبرة والصلاح في المحيط الأسري وخارجه، ولا بد من تكثيف جرعات الثقافة الدينية، والإشتراك مع المراهق في عمل أنشطة يفضلها، وذلك لتقليص مساحات الإختلاف وتوسيع حقول التوافق وبناء جسور التفاهم، وتشجيع وضع أهداف عائلية مشتركة واتخاذ القرارات بصورة جماعية مقنعة، والسماح للمراهق باستضافة أصدقائه في البيت مع الحرص على التعرف إليهم والجلوس معهم لبعض الوقت.

اذن على الأهل أن يراعوا الأمور المتقدمة، وأن يبذلوا جهدًا فى تغيير توجهاتهم وأساليبهم وطريقة تعاملهم مع المراهق وأهم ما يمكن التوصية به يتمثل فى النقاط التالية:
  • الاهتمام بإعداده لمرحلة البلوغ، وأن يوضحوا له أهمية مرحلة المراهقة لإثبات الذات وتحقيق النجاح.
  • تقوية وتدعيم الوازع الديني لما له من أهمية في خلق الرادع الذاتي وتدعيم الحصانة الأخلاقية والروحية.
  • إظهار الإهتمام والتقدير لما يقوله عند الحديث معه.
  • إستضافة أصدقائه والتعرّف عليهم عن قرب، وإبداء الاحترام لهم.
  • الثناء على أصدقائه ذوي الصفات الحسنة مع مراعاة عدم ذم الآخرين.
  • تشجيعه على تكوين صداقات جيدة، وعدم إشعاره بأنه مراقب،أو بفرض شخص ما عليه لا يريده.
  • الحرص على الإجتماع الأسري (تناول وجبات الطعام معه.(
  • إبداء الفخر به أمام أقاربه وأصدقائه.
  • حثه وتشجيعه على ممارسة رياضة يحبها، ولا يفرض عليه نوعًا معينًا من الرياضة.
  • مكافأته على أعماله الجيدة.
  • محادثته كصديق مقرب، والتعاطي معه على أنه فرد مسؤول.
  • اختيار الوقت المناسب لبدء الحوار معه.
  • اختيار الأسلوب المناسب عند المحاسبة أو التوجيه ,الإبتعاد عن الكلمات النابية أو المحقّرة.
  • الحرص على الوصول إلى قلبه قبل عقله.


توجيه:
لا بدّ لنا أن نأخذ بعين الإعتبار البيئة المجتمعية التي يعيش ضمنها المراهق والمراهقة في هذه المرحلة، وما تحويه من مخاطر على مستوى السلوك، بحيث لا يمكن تجاهل الدور السيء الذي تلعبه وسائل الإعلام والإعلان في إشاعة الرذيلة وروح الفساد والإنحطاط الأخلاقي، بما يترك تأثيره الواضح على الذهنية الشبابية، وبالتالي يؤدي إلى انتاج جيل مستهتر فاقد للمبادئ والقيم الرفيعة، من هنا فإنني أرى مسؤولية الأهل مضاعفة في هذه المرحلة في رعاية واحتضان أابنائهم وبناتهم المراهقين والمراهقات، وتوفير البيئة التربوية المحصّنة وإيلائهم الإهتمام الكافي، والإستماع إلى همومهم ومشاكلهم وتساؤلاتهم، وإبداء الإهتمام بهواجسهم وتطلعاتهم وعدم احتقارها أو الإستخفاف بها.

إن على الأهل أن يدركوا أن التعاطي مع المراهقين ليس بالأمر الهين وإنما يحتاج إلى خبرات تربوية، وتنوع في الوسائل والأساليب التي تترك أثرا طيبا في شخصية المراهق.

إن الضمانة الأكيدة لتربية شبابية رائدة إنما يكمن بمدى موفقية ونجاح الأهل بربط المراهق والمراهقة بالأسرة وعدم التسرّب منها إلى المحيط الإجتماعي البديل عن البيت الأسري الذي لا يحقق له الطمأنينة والإستقرار، ولا يلبي حاجاته لتحقيق الذات أو إبداء الرأي أو تحمّل المسؤوليات، كما لا يشبع نهمه للمعرفة وحب الإطلاع.

كما لا بدّ لي من التأكيد على أهمية التربية الدينية في هذه المرحلة الحساسة،لأن لها الأثر الفعّال في غرس السكينة والطمأنينة في شخصية المراهق الثائرة والمتمردة، كما أن الإلتزام الديني يعزز الرادع الأخلاقي والمسلكي، ويشكل حائلا متينا بين المراهق ورغباته ونزواته الجامحة. من هنا فإن على الأهل الأعزاء أن يمهدوا السبل أمام أبنائهم وبناتهم نحو تحصيل المعرفة والثقافة الدينية، وتعزيز الجانب العبادي والإيماني في سلوكهم من خلال ارتياد المساجد والمشاركة في الأنشطة الدينية المتنوعة، وإعداد برامج مطالعة هادفة تصقل نفوسهم بالمعارف الغنية، وتطفأ الكثير من علامات الإستفهام في داخلهم.


  


وزير الخارجية التركي طلب من عمر سليمان الأخذ بملاحظات حماس على ورقة المصالحة




القاهرة – جيهان الحسيني: كشف مصدر موثوق به لـ «الحياة» أن وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو طلب من رئيس الاستخبارات المصرية الوزير عمر سليمان أثناء لقائهما في القاهرة، الأخذ بعين الاعتبار ملاحظات «حماس» على الورقة المصرية. وقال المصدر: «مصر ترى عدم إمكان فتح ورقة المصالحة قبيل توقيعها من حماس، خصوصاً أن حركة فتح وقعتها على رغم ما لديها من تحفظات»، موضحاً أن «الورقة تعكس النقاط التي تم التوافق عليها بين الجانبين (فتح وحماس) خلال جلسات الحوار». وأضاف المصدر أن سليمان أكد لأوغلو أنه سيأخذ بالملاحظات عقب التوقيع على الورقة، وأبلغه أنه ستتم دراسة هذه الملاحظات وبحث كيفية تطبيقها، خصوصاً أنه سيكون هناك وفد أمني مصري للإشراف والمساعدة في التنفيذ على الأرض عقب توقيع اتفاق المصالحة.
وعلى صعيد الزيارة التي قام بها سليمان لليبيا الأربعاء الماضي، قال المصدر إنها تتعلق بالإعداد للقمة العربية، وأوضح أن «عدم استقبال الزعيم الليبي معمر القذافي للرئيس محمود عباس (أبو مازن) كانت له أصداؤه، خصوصاً لدى عباس الذي فوجىء بعدم استقبال القذافي له، ما أثار غضبه». وأضاف: «من حق أبو مازن قبل أن يقرر الذهاب إلى القمة، أن يضمن أنه سيلقى الاستقبال اللائق». ولفت إلى أن «غياب عباس عن القمة يعني فشلاً مسبقاً لها لأن العناوين المقبلة لقمة طرابلس هي التحديات والمخاطر الحالية وغير المسبوقة التي تتعرض لها القضية الفلسطينية».
الحياة، 6/3/2010

خيرت الشاطر.. عندما يغيب القانون




د. رفيق حبيب
خيرت الشاطر أكمل في سجون النظام ما يزيد على عشر سنوات، وما زال خلف القضبان، يدفع ثمن غياب القانون، وغياب الحرية.

هو نائب المرشد العام للإخوان المسلمين، والقيادي البارز، والحركي النشط، ورجل الأعمال المتميز.. خيرت الشاطر، وهو نموذجٌ للكادر السياسي والاقتصادي والاجتماعي النشط؛ الذي لا يعرف الاستسلام.

قضي حياته في العمل الجادِّ، والنشاط المستمرِّ، فأصبحت له مكانةٌ خاصةٌ في المجتمع، وفي جماعة الإخوان المسلمين، وقد أخذه النظام رهينةً خلف القضبان؛ مرةً بالاعتقال ومرةً بالأحكام العسكرية، وكأنه اختِيْرَ ليدفع ثمن النضال من أجل الحرية، ورغم ظروفه الصحية المعقَّدة، ما زال النظام يصرُّ على التمادي في ظلمه هو وإخوانه.. هي الخصومة التي لا تعرف قانونًا يحدُّها، فهي خصومةٌ خارج إطار القانون، بين السلطة الحاكمة وجماعة الإخوان المسلمين وكل القوى النشطة والحية.

لم يكن ممكنًا تغييب خيرت الشاطر كلَّ هذه السنوات دون تغييب القانون أولاً، فلا يوجد قانون يحاكِم على فكر أو رؤية، ولا يوجد قانون يسمح بالتخلُّص من الخصوم السياسيين خلف القضبان، ورغم كل ما في القانون المصري من مشكلات، وما في نصوص الدستور من تعارض فإن القانون والدستور في مصر لا يسمحان بسجن صاحب الرأي أو صاحب الموقف؛ لذا لم تُعرض قضية خيرت الشاطر وإخوانه على القانون وأمام القاضي الطبيعي، فلا توجد جريمة إذا حمل شخصٌ رؤيةً وعرضها على الناس، ولا توجد جريمة في ممارسة النشاط الاجتماعي والاقتصادي والدعوي والسياسي، فكلها أنشطةٌ مشروعةٌ يحقُّ لكل مواطن ممارستها.

وليس صحيحًا أن جماعة الإخوان المسلمين محظورة؛ لأن قرار الحظر الأول لها من قبل جمال عبد الناصر في أوائل عام 1954م قد أُلغي بعد ذلك، وقرار الحظر الثاني لم يصدر أصلاً، ولم تستطع الحكومة تقديمه أمام محكمة القضاء الإداري، عندما رفع عدد من قيادات الجماعة قضيةً ضد قرار الحظر، فلا يوجد قرارٌ للطعن عليه، وكأن الحظر شفويٌّ، ولا يوجد قرار بالحظر يستمر للأبد، فحالة الحظر لأي نشاط ترتبط بسبب معين، وبعد زوال السبب ينتهي الحظر، أو إذا كان القرار خطأً من البداية فسوف يلغيه القضاء.

وليس صحيحًا أن جماعة الإخوان المسلمين تحتاج إلى رخصة حتى تعمل طبقًا للقانون المصري؛ فهي تمارس نشاطها بوصفها حركةً اجتماعيةً؛ أي مجموعة من الناس تمارس نشاطًا مشروعًا بصورة جماعية، وهو ما يكفله الحق في التنظيم، وهو حقٌّ متاحٌ للجميع، ولا يوجد قانون يمنعه.

وإذا كان العمل الخيري يحتاج إلى ترخيص جمعية، فجماعة الإخوان تمارس عملها الخيري من خلال الجمعيات القائمة والمساجد، وعندما أسست جمعيات لتمارس من خلالها عملها الخيري، تمَّ حلُّها من قِبَل السلطات.

وإذا كان التنافس للوصول للسلطة يحتاج إلى ترخيص حزب، فجماعة الإخوان المسلمين لم تعمل حتى الآن للتنافس على السلطة، ولهذا تقدم مرشَّحيها مستقلين، كممثلين عن تيار فكري في المجتمع، ولا يوجد في القانون أو الدستور ما يمنع من تمثيل بعض الأفراد لتيار فكريٍّ معين، ولا يوجد ما يمنعهم من اعتبار أنفسهم كتلةً، ولا يمكن طبقًا للدستور والقانون منع النشاط الجماعي المتاح للأفراد، فما يباح للفرد بدون ترخيص يباح أيضًا لمجموعة تقوم بنفس النشاط ولكن بشكل جماعي.

فلا توجد مشكلة قانونية؛ لأنه إذا كانت هناك مشكلة قانونية كان من الممكن حلُّها، ولكن المشكلة في الخصومة السياسية للسلطة الحاكمة تجاه جماعة الإخوان المسلمين.. تلك الخصومة التي يستخدم فيها النظام أدوات الأمن والاعتقال والتغييب والمصادرة خارج الإطار القانوني، وغياب القانون يولِّد حالة احتقان؛ لأنه يعني فقدان الشعور بالأمن، فبدون سيادة القانون يشعر المجتمع بفقدان الأمن، وتشعر القوى الحية بفقدان الأمن، وهو شعورٌ يولِّد حالةَ احتقان داخل المجتمع، فعندما تصادر النخبة الحاكمة أدوات القانون لصالحها وتمنع القانون العادل عن أفراد الشعب؛ يصبح المجتمع بلا غطاء قضائي أو قانوني، وبالتالي يفقد الغطاء الضروري للشعور بالأمن، فما يقوم به النظام لا يمثِّل ضررًا لجماعة الإخوان فقط، بل يمثل ضررًا لمجمل المجتمع المصري.

فحضور القانون ضروريٌّ لدعم الاستقرار، ويجب أن يحضر القانون في كل القضايا، وفي كل الأزمات، ومن الضروري أن تعيد السلطة الحاكمة حساباتها، فتجعل مكان الخصومة السياسية في المجال السياسي فقط، ولا تستخدم فيها أدوات الأمن، وحتى إذا كان المجال السياسي يفقد الحرية اللازمة، فهذا أهون ألف مرة من فقدان المجال العام لحكم القانون.

لقد عرف التاريخ حالة تغييب المناضلين من أجل الحرية خلف قضبان السجون، وخيرت الشاطر هو واحدٌ من هؤلاء المناضلين من أجل الحرية، فهو يدفع ثمن ما آمن به، ويدفع ضريبة الدفاع عن مشروع النهضة الحضارية الإسلامية الذي آمن به، ولا ينقص من قدر المجاهد أن يناله السجن ومصادرة الأموال، بل يزيد من قدره ويزيد من مصداقيته.

وسجن قيادات جماعة الإخوان المسلمين يمثل شهادة مصداقية من النظام للجماعة؛ بأنها تدافع عن فكرتها وتدفع ثمن ذلك، فالكل يعرف فكرتها ومشروعها، والكل يعرف أيضًا أن النظام خصمٌ قويٌّ للفكرة الحضارية الإسلامية، كما أن الغرب أيضًا في غالبه يعادي تلك الفكرة، ولكن المشكلة تكمن في حالة الشرخ الوجداني والإنساني والاجتماعي الناتج من غياب القانون وغياب العدل، فشيوع الظلم من علامات نهاية الأنظمة الحاكمة، والتمادي في تغييب القانون يؤدي إلى تفكُّك السلطة نفسها وتحلُّل مشروعيتها بعد أن غابت شرعيتها.

والسلطة الحاكمة لن تستطع تغييب فكرة، ولن تقدر على هزيمة مشروع، ما دام له صدىً لدى الناس أو حتي بعضهم، فلن تنتصر السلطة الحاكمة على خيرت الشاطر وإخوانه، فمن آمن بفكرة ودفع ثمنها هو الأقوى من الذي استغل السلطة واستخدم الأمن ضد خصومه، وبقاء خيرت الشاطر في السجن لكل هذه الأعوام يمثِّل دليلاً على عنف السلطة وقسوتها غير الإنسانية، وعلى خروجها المستمر على مقتضى القانون والعدل، وهو دليل إدانة في وجه سلطة لم تعرف كيف تواجه الفكر بالفكر والسياسة بالسياسة، ودليل إدانة لسلطة لم تستطِع تأسيس شرعيتها وسندها الشعبي، فخافت من كل من له شعبية وسند شعبي.

ولم يكن لدخول خيرت الشاطر السجن كل هذه السنين من مبرِّر إلا الانتقام، وكأنه تحرك بأسرع مما ينبغي ونشط بأكثر من المحتمل، حتى أصبح تتبُّعه صعبًا، والحد من نشاطه مستحيلاً، وهو أيضًا الانتقام من تجاوز الجماعة ما توقَّعت الحصول عليه من مقاعد في انتخابات مجلس الشعب عام 2005م؛ حيث توقَّعت الجماعة الحصول على أقل من 50 مقعدًا، وهي بالفعل كانت توقعات الجماعة، ولكن تجاوز الجماعة لما توقعته ليس ذنبًا، بل نتاجُ العمل الجاد بين الناس، ثم يحاسب الشاطر وإخوانه على تلك النتيجة التي صدمت السلطة الحاكمة.

لقد أصبح من الضروري غلق ملف الاعتقال غير الإنساني، وأصبح من الضروري الإفراج عن خيرت الشاطر وإخوانه، فلم يعُد المجتمع يحتمل كلَّ هذا الظلم، ولم يعُد يحتمل غياب القانون والعدل، فالظلم يحفر جرحًا غائرًا داخل المجتمع المصري، ويبني جدارًا من الاحتقان المزمن، ويفجِّر الغضب الكامن، فلا يمكن لمجتمع أن يعيش بدون الحد الأدنى من العدل؛ أي عدل القانون، ولا يمكن لمجتمع أن يصنع مستقبله وكوادره النشطة في السجون.
------------
* نقلاً عن جريدة "الدستور" عدد الجمعة 5/3/2010م.

حتمًا.. مكرهم إلى زوال



فضيلة الأستاذ الدكتور محمد بديع
رسالة من أ. د. محمد بديع- المرشد العام للإخوان المسلمين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه، أما بعد..
ويمكرون ويمكر الله..
بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم برسالة الإسلام؛ لنشر الهدى والنور بين الناس، فشقَّ الأمر على رؤوس مكة، وأنكروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوةَ الحق، على الرغم من إقامة الحجة عليهم، فاستكبروا وعاندوا، وجمعوا مكرهم وكيدهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه رضوان الله عليهم، فعذبوهم وقاطعوهم وآذوهم، ولكنهم لم يفلحوا في صدِّهم عن دعوة الحق, بل ازداد المؤمنون إيمانًا فوق إيمانهم، يقول تعالى: ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ (الأنفال: من الآية 30).

وهذا طريقنا، تأتي فيه الشدائد لتصنع الفرج، فهل تُقعدنا الصعاب عن مضاعفة العمل المستمر لنشر النور والخير، ليس فى بلادنا فقط بل في العالم كله؟!

فهذا العمل المتواصل هو دليل وحقيقة حبِّنا لله عز وجل واتباعنا للنبي صلى الله عليه وسلم، لقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (آل عمران: 31)، فأين نحن من ذلك؟! واليوم الذي يكون فيه المسلمون على هذا المستوى فإن الله يكون مولاهم، فكم أبطلَ الله مكرَ الماكرين، وردَّ كيدَهم في نحرهم، ودبَّر لهم ما لم يستطيعوا الفكاك منه ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ﴾ (غافر: 51).

فهل أدركنا هذه الحقيقة؟ والله تعالى يقول: ﴿وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ (آل عمران: من الآية 54)؛ أي أقوى المدبِّرين في الخفاء ليقابل مكرهم بالخذلان، رغم توفر كل أسباب نجاحه المادية, ويقول تعالى: ﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾ (إبراهيم: 46)، فهذه هي المعاني التي أراد الصحابة الكرام أن يغرسوها في أبناء أمتنا.. يقول اِبْن عَبَّاس: "مَا كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَال"، ويقول الْحَسَن الْبَصْرِي بِأَنَّ هَذَا الَّذِي فَعَلُوهُ بِأَنْفُسِهِمْ مَا ضَرَّ ذَلِكَ شَيْئًا مِنْ الْجِبَال وَلا غَيْرهَا، وَإِنَّمَا عَادَ وَبَال ذَلِكَ عَلَيْهِمْ.

والقانون الإلهي لا يتبدل، والسنَّة الربانية ماضية، في قوله تعالى: ﴿لا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ﴾ (فاطر: من الآية 43)، وتأمَّلوا ما ورد في تقرير من واشنطن بتاريخ 30/3/2008م: "أجريت دراسة على عيِّنة المقاتلين الأمريكان في حرب العراق، الذين يبلغ عددهم (700.000)، العينة هي (2500) مقاتل، وكانت النتائج: 40% منهم أصابتهم أمراض نفسية وعصبية، ومنهم ما وصل إلى أمراض عقلية وهيستيريا، وهنالك محاولات انتحار، فضلاً عن الهروب من العمل.. ﴿فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا﴾ (الحشر: من الآية 2)، وحاق المكر السيِّئ بأهله.

المؤامرة الصهيونية والعالم الصامت
ومن مكر اليوم الظاهر للعيان مؤامرة تُرصد لها الأموال الطائلة، تنفَّذ عن طريق منظمات وجماعات يهودية منذ عام 1967م وحتى الآن، تهدف إلى هدم المسجد الأقصى لتفريغ القضية من محتواها وجوهرها، وتمَّ ذلك عن طريق أعمال حفائر، مرَّت بمراحل باءت كلها بالفشل، وما زالت المحاولات مستمرةً، وستبوءُ كلها بالفشل بإذن الله ما دام هناك مرابطون فيه وعلى أكنافه، وما دام هناك رجال مؤمنون ونساء مؤمنات، يضحُّون ويبذلون وينصرون الله ورسوله، ويدافعون عن مقدساتهم في كل بقاع الأرض.

بدأت المؤامرة في أعقاب احتلالهم للقسم الثاني من القدس في أواخر عام 67، وتمَّ هدم حي المغاربة نهائيًّا، وبدأت الحفائر منذ عام 1968م، واستكملوها عام 1969م، وفي نفس العام تمَّ حرق المسجد الأقصى، وأخيرًا يعلن نتنياهو- من نفس القاعة التي أعلن فيها بن جوريون إعلان دولتهم المزعومة- ضمَّ الحرم الإبراهيمي لآثارهم، تحت مباركة من الصهاينة، الذين قالوا: "القرار هو إنجاز هام وتاريخي"، ويرصدون له 100 مليون دولار؛ بهدف ربط أجيالهم القادمة بدولتهم الغاصبة!.

وفي الوقت الذي تزور فيه وزيرة خارجية أمريكا دولنا العربية، لشحنها ضد إيران، يخيِّم الصمت الرهيب على الأقصى، بينما الصهاينة يغتالون محمود المبحوح في عمق وطننا العربي، وعلى مرأى ومسمع وصمت مخزٍ من العالم كله، ويقمعون أية مبادرة فلسطينية للتعبير عن غضبهم بأرضهم فلسطين، مع استمرار الحصار القاتل على أهلنا في غزة، فأين الصوت العربي المدافع عن حقوق الأمة، والواجب أن تخصص له المؤتمرات، مثل اهتمام أمريكا بإقامة مؤتمرات حول علاقتها بالشرق الأوسط، أو عن مستقبل الإسلام السياسي، أم رضينا أن نكون في عداد المتفرجين؟!

واجباتنا نحو الأمل القادم
سنة الله تعالى في التدافع بين الناس أن تكون الأيام سجالاً بين مكر الماكرين وعمل المؤمنين، وكلما وفَّى المؤمنون بعهدهم مع الله ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾ (البقرة: من الآية40) وشروط نصر الله، منحهم الله نصره ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ﴾ (محمد: من الآية 7) وأيَّدهم بعونه ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المشركون﴾ (التوبة: 33)، وهذا يحتاج منا أن نبد أولاً بإيمان النفوس: ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينْ﴾ (آل عمران: 139) ثم الثبات على إسلامنا والاستقامة على النهج القويم، الذي نؤمن به ونسعى إلى تحقيقه: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ﴾ (هود: من الآية 112)، ثم عبْر عمل متواصل وخالص لوجه الله تعالى، مهما كانت التضحيات والمحن التي تواجهنا.. ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِه﴾ (الحج: من الآية 78).

ولذلك فمِن أولى واجباتنا إزالة حاجز الخوف ممن يمكرون بنا، بعد أن ظهر للعالم أجمع إصرارهم الدائم على الفساد، ومحاربتهم المتواصلة للصلاح وأهل الإصلاح، وبعد أن قضى الله عليهم باليأس من هذا الدين منذ خمسة عشر قرنًا ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ﴾ (المائدة: من الآية 3)، فماذا بعد وضوح وعد الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أمام أبناء الأمة إلا الاتباع لمنهج الإسلام، في صد المشروع الأمريكي الصهيوني، الذي يرمي إلى تركيعنا لإرادتهم، وفرض هيمنتهم، وامتصاص ثرواتنا، وإفساد أبنائنا، والعصف ببيوتنا وهم ينفقون في سبيل ذلك ما لا يُحصى من الإمكانيات المادية والبشرية، ولكنَّ الله تعالى يبشِّرنا بأن كل ذلك المكر سيبور، وأن وعد الله هو الحق:﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُون﴾(الأنفال: 36)؟!

ولقد رأينا ثمار هذه الدعوة المباركة- رغم كيد الكائدين وحصار الطغاة الظالمين- تتجلَّى في هذا الوعي العميق، والحماس المشتعل في نفوس المسلمين، خاصةً في أوساط الشباب؛ لإحياء هذه الأمة من جديد، تاركين وراءهم كل ملذَّات الدنيا، ومتحرِّرين من معوقاتها وقيودها؛ تحقيقًا لأمر الله تعالى: ﴿أُدْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينْ﴾ (المائدة: من الآية 23)، فواسع الأمل الذي تُبني به الأمم معقود بيد الشعوب التي تمتلك الإرادة وتستعد للتضحية، فإن بإمكانها أن تقهر هذا المكر، وتغلب هذا الكيد، كما يقف الشعب التركي اليوم وراء قيادته في التصدي لحصار المكائد والمؤامرات.

أخيرًا.. ولن يخلف الله وعده
يقول تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُو يَبُورُ﴾ (فاطر: من الآية 10)، فمهما حاولوا من مكر، فقد ظهر زيفهم لأولي البصائر والنهى، يقول الإمام البنا: "فترى كيف يطغى الباطل في صولته، ويعتزُّ بقوته، ويطمئنُّ إلى جبروته، ويغفل عن عين الحق التي ترقبه، حتى إذا فرح بما أوتي أخذه الله أخذ عزيز مقتدر.. أبت إرادة الله إلا أن تنتصر للمظلومين، وتأخذ بناصية المهضومين المستضعفين، فإذا الباطل منهارٌ من أساسه، وإذا الحق قائمُ البنيان، متينُ الأركان، وإذا أهله هم الغالبون".

ويقول تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾ (يوسف: 110), جاءت هذه الآيات لتطمئن المؤمنين أن ظروف الاستضعاف ومواجهة أهل البغي والعدوان والإفساد؛ لا تؤثر في إيمانهم، ولا تقدح في صدقهم، كقوله تعالى: ﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47)﴾ (إبراهيم).

يقول الإمام البنا: "وإننا نرقب تأييد الله ونصرته، ومن نصره الله فلا غالب له.. ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِيْنَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِيْنَ لاَ مَوْلَى لَهُمْ﴾ (محمد: 11)، فقوة دعوتنا وحاجة الناس إليها ونَبَالة مقصدنا وتأييد الله إيانا؛ هي عوامل النجاح التي لا تثبت أمامها عقبة، ولا يقف في طريقها عائق.. ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: 21).
والله أكبر ولله الحمد.

الشيخ صلاح: "الأقصى" ينادي العالم للوقوف بجانبه




الشيخ رائد صلاح
القدس المحتلة- وكالات الأنباء:
دعا الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48، الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية إلى القيام بدورهم في التواصل مع المسجد الأقصى المبارك، محذّرًا في الوقت ذاته من أن الخطوات الصهيونية القادمة هي الأخطر بالنسبة للأقصى والمقدّسات الإسلامية في فلسطين.

وقال صلاح في تصريحات صحفية: "نحن مطالبون في الداخل الفلسطيني بأن نواصل تسيير حشودنا إلى المسجد الأقصى حتى تكون بمثابة حماية بشرية، وأقدم هنا اقتراحًا أخويًّا لأهلنا في الضفة الغربية، أن يكون لهم دور لتجسيد دورهم وتواصلهم مع المسجد المبارك، فرغم كل معاناتهم أؤكد أن هناك إمكانيةً للتواصل مع الأقصى من قبل الضفة الغربية، خصوصًا إذا أعطت السلطة الفلسطينية الضوء الأخضر على ذلك".

كما حذّر صلاح من أن القادم أخطر على المسجد الأقصى المبارك؛ وقال: "رغم خطورة ما نراه، وما يحدث الآن في المسجد الأقصى، إلاّ أنّ الاحتلال الصهيوني يستعدّ إلى مشهد أخطر منه، وهو ما بدأ الاحتلال يدعو إليه في تاريخ 16 مارس الجاري؛ حيث بدءوا يعدون لنشاط عالمي، ثم نشاط على مستوى القدس المحتلة، لبناء ما يسمونه الهيكل الثالث المزعوم".

وأكّد صلاح أنّ "ما نشاهده الآن من مشاهد مؤلمة ومشاهد لا تفسّر إلاّ أنها سلوك متوحش من قبل الاحتلال الصهيوني؛ هو تأكيد لكل العالم الإسلامي والعربي أنّ الاحتلال مصمم على اعتبار أن العام 2010م عام مصيري بالنسبة للقدس والمسجد الأقصى المحتلّين".

وشدّد صلاح على أنّ ما حدث اليوم في المسجد الأقصى هو تجربة لما سيقوم به الاحتلال الصهيوني من مصائب، وأشار إلى أنّهم في 15 مارس القادم سيعلنون افتتاح ما يسمونه "كنيس الخراب" الذي يقع على بعد أمتار من الحائط الغربي للمسجد الأقصى، وهذا الكنيس يعني أنه بداية فعلية لما يسمّونه الهيكل الثالث المزعوم، وأعلنوا أنّ الظروف باتت مهيأة، وكل ما هو مطلوب موجود من أجل فرض احتلالي لتقسيم باطل للمسجد الأقصى، كما فرضوا هذا التقسيم على هذا المسجد الإبراهيمي بالخليل.

وحول التحرك المطلوب عربيًّا وإسلاميًّا وعالميًّا وفلسطينيًّا؛ قال الشيخ صلاح: "نحن نعلم أنه عما قريب سيكون اجتماع قمة عربية، وأطمع من خلال هذا الاجتماع بموقف وبيان يقولون فيه إنّ قضية القدس والمسجد الأقصى المحتلّين هي قضية إسلامية عربية من الصفّ الأول، وأنّ مواصلة الاعتداء عليهما هو إعلان حرب على كل الأمة الإسلامية والعالم العربي، ومن حق العالم الإسلامي والعربي أن يدافع عن نفسه بهذه الحرب".

الحقوق محفوظة لـ - مدونة المرايا المستوية | الإخوان المسلمون