الاثنين، 30 أغسطس 2010

مرشحو الشعب.. أم مرشحو الحزب؟!


بقلم: د. محمد البلتاجي
تمتلئ شوارع مصر بلافتات انتخابية لمرشحين لانتخابات مجلس الشعب القادمة، والتي يحين موعدها في نهاية شهر نوفمبر القادم، وقد ظهرت هذه اللافتات منذ عدة أشهر، رغم أن القانون يمنع بدء هذه الدعاية إلا بعد فتح باب الترشيح وإعلان قوائم المرشحين، والمفروض أن اللجنة المسماة باللجنة العليا للانتخابات تمنع  وتحاسب هؤلاء الذين خالفوا القانون، وتفرض عليهم عقوبات، وفقًا للقانون تصل إلى الشطب من جداول الترشيح وفرض غرامات، لكن اللجنة العليا تجاهلت هذه الانتهاكات وسكتت عنها مخالفةً بذلك القانون؛ الأمر الذي يستوجب تحريك الدعاوى القضائية ضد اللجنة العليا للانتخابات ذاتها.

لكن السؤال الذي أطرحه: لماذا قام هؤلاء المرشحون بوضع اللافتات أصلاً؟ وهل المخاطب بها جماهير شعب مصر الذين يسعون لكسب تأييدهم وتعاطفهم وضمان أصواتهم؟ وهل يعتقد هؤلاء المرشحون أن هناك انتخابات حقيقية ينافسون عليها غيرهم، ومن ثم يسعون لحشد الناخبين حولهم؟ وإذا كانت الحقيقة الجلية أنه لا توجد انتخابات ولا منافسة فلماذا إذًا ينفقون هذه الأموال على هذه الدعاية؟ ولماذا لا يسعون- باعتبارهم أطرافًا حقيقيةً ذات مصلحة مباشرة- مع الساعين للمطالبة بضمانات لحرية ونزاهة الانتخابات أولاً؟ ولماذا لم تتحدث هذه الدعاية عن أي وعود أو شعارات سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو خدمية، وإنما فقط حملت الأسماء والصور؟ وما الفارق إذًا بين هؤلاء المرشحين بعضهم بعضًا أمام ناخبيهم؟

الحقيقة أن هؤلاء المرشحين (أو غالبيتهم) لم يقصدوا بالدعاية واللافتات الجماهير، وإنما قصدوا أمانات الحزب الوطني الديمقراطي، بل إن البعض ركَّز لافتاته أمام مقارِّ الحزب في عواصم المحافظات بشكل مباشر!.

والمرجَّح أن كثيرًا من هؤلاء ستنتهي دعايته عند هذه الجولة، وسيتوقف عن الدعاية بمجرد أن يعلن الحزب الوطني أسماء مرشحيه، ليس ذلك بسبب الالتزام الحزبي- فغالبية هؤلاء لم يعرف الحزبية بل ولا السياسة أصلاً- وإنما بسبب أن هؤلاء جميعًا يدركون أنه لم تعد هناك انتخابات ولا منافسة ولا أهمية لشعبية أو حسن أو سوء سيرة بين الجماهير ولا لسجلِّ أعمال سابقة لصالح أو لغير صالح الشعب أو الوطن، فضلاً عن الأفكار والبرامج، وإنما المهم عندهم أن يختارك الحزب لتضمن التزوير لك وتأمن من التزوير ضدك, ومن ثم فقد سعى كل منهم لتقديم نفسه لأمانة الحزب؛ ليس فقط بالتبرعات التي بلغت المليون جنيه في بعض المحافظات، وإنما بإثبات وجوده في الشارع وإثبات قدرته على الصرف على حملته بل حملة الحزب الانتخابية.

وسيستمر البعض في المنافسة الحزبية حتى لو لم يختره الحزب مرشحًا رسميًّا له؛ أملاً في أن يختاره الحزب ضمن المقاعد المخصصة لغير مرشحي الحزب (تكملة الديكور والمسرحية السياسية)؛ لينضم بعد إنجاحه (بالتزوير له ضد مرشح الحزب على نحو ما حدث لمرشحي أحزاب المعارضة الأربعة؛ الذين نجحوا في انتخابات الشورى الأخيرة ضد مرشحي الحزب الوطني) إلى حزب الأغلبية المصطنعة.

والمرجح أن اللجنة العليا للانتخابات تفهَّمت الطبيعة الحزبية وليس السياسية لهذه اللافتات، وأنها لا علاقة لها بالجماهير أصلاً، ومن ثم فلم تحاسب أصحابها, وكذلك تفهَّمت الإدارات المحلية تلك الطبيعة فلم تطلب رسومًا على هذه اللافتات, وتفهَّم السادة المحافظون ذلك أيضًا فلم يأمروا بإزالة اللافتات وبتنظيف الشوارع على حساب أصحابها كما يفعلون مع أغلب خلق الله.

في نهاية المطاف فهؤلاء الذين سيقع عليهم اختيار أمانة تنظيم الحزب كمرشحين رسميين, وكذلك الذين سيتوقفون احترامًا لإرادة الحزب والذين سيستمرون لينضمُّوا للحزب بعد نجاحهم, هم جميعًا يلعبون ضمن فريق الحزب الوطني الديمقراطي، ولكن في مواقع مختلفة، بعضها أساسي وبعضها احتياطي, وهم في أغلبهم مرشحون ونواب للحزب وليس للشعب.

هم يدركون جيدًا أن الحزب هو الذي سيأتي بهم وهو صاحب الفضل والمنة عليهم، وسيبقون مدينين له بالفضل، ومن ثم لن يخذلوه أبدًا في كل ما يطلبه منهم, وهم يدركون كذلك أن رأي الجماهير وموقفها لم يعد له كثير أهمية؛ فالانتخابات بلا ضمانات ولا شهود، وقد رأوا بأعينهم زملاءهم في مجلس الشورى الأخير يفوزون بمقاعدهم، ويحصلون على مئات الألوف من الأصوات، من دون أن يكلِّف الناس أنفسهم عناء الذهاب إلى صناديق الاقتراع أصلاً, وفي هذا ميزة كبيرة؛ حيث لن يبقى النواب مدينين للجماهير بالنجاح، ومن ثم فلن يصبح على النواب أية التزامات قِبَل الجماهير، ومن ثم فلا حاجة لوعود ولا لبرامج ولا لأفكار، ولا لمطاردة وملاحقة الجماهير بالمطالب والمشكلات التي تثقل كاهل الحكومة المسكينة.

هذه خلاصة المسألة, قل لي من جاء بك إلى البرلمان أقل لك ستعمل لحساب من، وستخدم أجندة من، وستكون أمينًا على مصالح من؟!!

هكذا علمنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، حين وقف في الناس خطيبًا يوم تولى أمانة ومسئولية الأمة، فعلم أنه خادم وعامل وأجير لدى الأمة.. جاءت به ليعمل في خدمة ورعاية شئونها, ومن واجبهم إن رأوه قائمًا على مصالحهم على النحو الذي يرتضونه أن يعينوه، ومن حقهم إذا وجدوه غير قائم بواجبه على النحو الذي يحقق مصالحهم- هم- أن يستبدلوا غيره به, فقال لهم: "وُلِّيت عليكم ولست بخيركم؛ فإن أحسنت فاعينوني وإن أسأت فقوموني"، وهكذا فقهت حكومتنا الدرس المقابل، ففهمت أن المسئولين والنواب إذا أدركوا أن الناس هي التي تجيء بهم وتذهب بهم بعيدًا عن كراسي المسئولية فسيعملون لأجل الناس، ومن ثم لن يكونوا أمناء على مصالح السلطان، وإذا أدركوا أن ( الحزب- النظام) هو الذي يجيء بهم ويذهب بهم فسيعملون لأجل الحزب والنظام.

ومن ثم قررت حكومتنا النبيهة أن تجعل كل مقاعد المسؤلية في هذا الوطن بالتعيين أو بالتزوير (الذي هو أسوأ من التعيين), فمن العمدة وشيخ الغفر في القرية للعميد ورئيس الجامعة، ومن مدير الشركة إلى رئيس الهيئة، ومن الوزير إلى رئيس الحكومة.. كل شيء بالتعيين, ومن عضو اتحاد الطلاب إلى عضو نادي التدريس, ومن عضو المجلس المحلي إلى عضو مجلس الشورى أو الشعب.. كل شيء بالتزوير.

هكذا فقهت حكومتنا النبيهة، فاشتغلت بتكوين فريقها الذي يلعب (لأجلها هي)، وحرصت على أن تُخرج من الملعب كل لاعب لا يلعب لحسابها، ولو كان ضمن الفريق الذي يمثل دور المنافس، ومن ثم قررت ألا تتكرر تجربة انتخابات 2005م (والتي جاءت ببعض اللاعبين الذين لا يلعبون لصالحها) مرةً ثانيةً.

حان وقت انتخابات المجالس المحلية في أبريل 2006م، فبادرت الحكومة بعمل قانون يمدِّد للمجالس المحلية القائمة سنتين جديدتين, ثم جاءت التعديلات الدستورية في مارس 2007م لتنهي الإشراف القضائي على الانتخابات كلها, ثم جاء التشكيل النصفي لمجلس الشورى في 2007م (بالمناصفة بين التعيين والتزوير)، ثم جاءت انتخابات المجالس المحلية في أبريل 2008م (52 ألف مقعد بالتزوير), ثم جاء استكمال تشكيل مجلس الشورى في 2010م (بالمناصفة بين التعيين والتزوير)، وبقي مجلس الشعب في ثوبه الجديد (518 مقعدًا) لتستكمل الفرق كلها اللعب لصالح من جاء بها.

بقيت نقطة جوهرية، وهي ألا تنخدع الجماهير وتتوه بين هذه اللافتات (التي لا تخاطبها ولا تعمل لها أصلاً)، فأغلبها سيلعب حتمًا ضمن فريق الحزب الوطني, وهو الفريق الذي يجب أن تبدأ الجماهير بإخراجه من الملعب أولاً، بصرف النظر عن أسماء لاعبيه وصورهم، فهو الحزب الذي بقي طوال الثلاثين سنة الماضية يعمل لاعبوه لصالح أنفسهم، محتكرين ثروات وقدرات وخيرات هذا الوطن لهم ولذويهم, حلبوا كل شيء فيه، فكَّكوا مصانعه وشركاته, باعوا أرضه وصحراءه, احتكروا صناعاته وتجاراته, بل دخلوا على باطن الأرض فاستخرجوا بتروله وغازه الطبيعي، واستخسروها فينا وباعوها لعدوِّنا؛ ليخفض سعر كهربائه ونعيش نحن في الظلام.

أخيرًا.. هل تملك الجماهير المصرية أن تخرج ذلك الفريق من الملعب؟!

أظن أنه إذا بنت الجماهير الملعب بيدها ووضعت قواعد عادلة ومنصفة لتفرضها هي وتلزم بها كل من يريد اللعب بشرف ورجولة وفق قواعد اللعبة؛ أظن أن ذلك الفريق وقتها سيخرج بنفسه من الملعب لحين يسمح له بالنزول بعد أن يتعلم قواعد اللعبة، ولهذا السبب انزعج النظام أن بدأنا نعلِّم الناس قواعد اللعبة بدايةً بالمطالب السبعة للتغيير والإصلاح.
---------
* عضو مجلس الشعب- الأمين العام المساعد للكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين.

من يحاسب الرئيس؟

أمس أبرزت صحف الصباح العناوين التالية:
مبارك يعطي دفعة جديدة للعمل الوطني
ــ الرئيس يطلب من الحكومة الإسراع بتنفيذ برنامجه الانتخابي في مواعيده المقررة (الأهرام)
ــ الرئيس يواجه الحكومة ويحاسب وزراءها: ماذا فعلتم للناس؟
ــ مراعاة مصالح المزارعين عند تحرير الأسعار. وحل مشاكل المياه في نهايات الترع (روز اليوسف)
ــ الرئيس غير راض عن أداء الحكومة واحتمالات خلافته نظيف في تغيير وزاري شامل (الدستور)
ــ مبارك يمهل الحكومة 30 يوما لوضع نظام جديد لاستغلال أراضي الدولة (المصري اليوم).
كان الرئيس مبارك قد دعا مجلس الوزراء إلى اجتماع مفاجئ، قبل سفره إلى واشنطن وتوقفه في باريس، التي أصبحت محطته المعتادة.
وجاء الاجتماع ليبعث إلى الرأي العام بعدة رسائل إحداها تطمئن الجميع إلى أن الرئيس محتفظ بنشاطه ويمارس مهامه العادية،
الثانية أن الرئيس مهتم بالفقراء ومحدودي الدخل، خصوصا ونحن مقبلون على انتخابات برلمانية ورئاسية،
الثالثة أن الرئيس لم يتوقف عن مساءلة الوزراء ومحاسبتهم على أدائهم وعلى ما يقدمونه للناس.
وقد فهمت أن سؤاله للوزراء عما قدموه للناس كان على سبيل الاستنكار وليس الاستفهام.
أعني أنه أراد أن يقول لهم إن ما قدموه أقل مما هو متوقع منهم.
يؤيد هذا المعنى ما نقلته صحيفة الدستور منسوبا إلى مصادر مطلعة ذكرت أن الرئيس غير راض عن الحكومة.

الرسالة الأخيرة هي أكثر ما يهمني في اللحظة الراهنة. ذلك أننا نعلم جيدا أن الدستور المصري الصادر في عام 1971، أعطى الرئيس سلطات مطلقة في ممارسته للسلطة التنفيذية ورسمه السياسة والإشراف على تنفيذها.
وهو في الوقت ذاته حكم بين السلطات الأمر الذي يمكنه من أن يتحكم في السلطات الأخرى، ومن ثم يسمح له بأن يكون حكما وخصما في وقت واحد.

نعلم أيضا أن الرئيس يباشر تلك السلطات دون أن يكون مسؤولا أمام أي جهة دستورية، إلا أن يعاد انتخابه مرة كل ست سنوات، دون حد أقصى لمرات الانتخاب وتولى الرئاسة. وطوال سنوات بقائه في الحكم لا توجد جهة في الدستور أو هيئة أو سلطة دستورية تملك أن تحاسبه أو تعترض على قرار له أو تراجعه في قرار اتخذه.
هذا الكلام ليس من عندي ولكنني اقتبسته مما كتبه المستشار طارق البشري في كتابه «مصر بين العصيان والتفكك»، وخلص منه إلى أن الرئيس في مصر هو المسؤول الأوحد وغير المسؤول الأول.
(بهذه المناسبة أتيح لي أن أقارن بين صلاحيات الولي الفقيه في إيران التي يقال إنها دولة دينية. وبين صلاحيات الرئيس في مصر التي تصنف باعتبارها دولة مدنية،
ووجدت أن صلاحيات الرئيس المصري تتجاوز بكثير صلاحيات الولي الفقيه. الذي لا يملك سلطة حل البرلمان المنتخب في حين أن الرئيس في مصر له هذا الحق،
كما أن الولي الفقيه لا يتدخل في قرارات التنفيذ، ولكنه يرجع إليه في السياسات الكبرى. أما الرئيس المصري فهو المرجع في كل قرارات التنفيذ من عقد اتفاقية تصدير الغاز لإسرائيل إلى تحديد موقع المفاعل النووي في الضبعة).
لقد ذكر لي الدكتور ثروت بدوي أستاذ القانون الدستوري أنه قدم ذات مرة بأنه الرجل الذي يؤدي دورا مدهشا في مصر، حيث يقوم بتدريس الدستور في بلد ليس فيه دستور. وإنما فيه الرئيس فقط الذي يملك سلطات مطلقة وهو فوق القانون وفوق المساءلة.
نحن نعرف أنه ما من مسؤول في الدولة ألقى خطابا أو تقدم خطوة، إلا وحرص على أن يسجل أمام الملأ استلهامه وامتثاله لتوجيهات الرئيس وعمله بمقتضاها.
وأعرف رئيسا للوزراء لم يكن يذهب إلى مكتبه كل صباح إلا بعد أن يتصل بالرئيس هاتفيا ليسأله عن توجيهاته وتكليفاته،
لذلك أزعم أن ما تنشره الصحف عن أن الرئيس يطلب كذا وكذا هو تعبير تنقصه الدقة، لأنه في الحقيقة يأمر ولا يطلب. فإذا أصاب فالفضل والمجد له، وإذا أخطأ فالآخرون يدفعون الثمن ويتعرضون للإدانة والتقريع.

وأحسب أننا نعيش هذه الأيام أجواء التضحية بالآخرين للحفاظ على صورة الرئيس وإنقاذها من رذاذ السخط والغضب.
إن المشكلة في مصر لم تعد مشكلة حكومة تذهب وأخرى تجيء، ولكنها أصبحت أبعد من ذلك وأعقد.

من ثَمَّ فتوجيه خطاب الاتهام بالعجز أو الفشل إلى الحكومة وحدها يعد خطأ في العنوان يتعين تصحيحه، إذا أردنا حلا جذريا للمشكلة.
بقلم فهمى هويدي
............................

الحقوق محفوظة لـ - مدونة المرايا المستوية | الإخوان المسلمون