أكتب إليك.. شوقًا إليك، فنفسي تتوق إلى رؤيتك، وتهفو إلى لـُقياك، وقلبي يميل إلى وصالك، ويحن إلى مُحََيّاك، ووجداني يسمو بقربك، ويبش بذكراك، صوتك أُخَيّ يُطرب أُذنيّ، ورؤيتك تكحـل عينيّ، أحبك في الله وحبك يسري في الحنايا ويجري في شراييني، أحبك في الله أخي وحبك زاد وأي زاد!! فإن كان النظر في وجوه الصالحين عبادة كما يقولون فكيف يكون الحال إذا أحببنا الصالحين- أحسبك كذلك والله حسيبك- واقتدينا بهم وسرنا على منوالهم؟! ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ﴾ (الأنعام: من الآية 90)، وكيف يكون الأمر إذا كنا من الصالحين نتخلق بأخلاقهم ونصنع مثلما صنعوا ونفعل مثلما فعلوا؟!! ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)﴾ (النحل).
* أحبك في الله أخي لأن حبك سبيل لأن نستظل بظل الله يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله فاسمع بقلبك وعقلك ووجدانك، فالله ينادينا إن كنا متحابين فيه: "أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي".
* أحبك في الله أخي لأن حبك طريق لحب الله إلينا أكاد أسمع دقات قلبك وهي تنبض فرحة مسرورة لسماع قول الله عز وجل: "وجبت محبتي للمتحابين فيّ والمتجالسين فيّ والمتزاورين فيّ والمتباذلين فيّ" (صحيح رواه مالك في الموطأ)، وقول حبيبنا صلى الله عليه وسلم: "ما تحابّ اثنان في الله إلا كان أحبهما إلى الله أشدهما حبًّا لصاحبه".
* أحبك في الله أخي لأن حبك يوم القيامة وسيلة للأمن يوم يفزع الناس، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من عباد الله عبادًا ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء لمكانتهم عند الله تعالى". قيل يا رسول الله من هم لعلنا نحبهم؟ قال "هم قوم تحابوا بنور الله من غير أرحام ولا أنساب، وجوهم نور على منابر من نور لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس" ثم قرأ ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)﴾ (يونس: 62)" (رواه النسائي وابن حبان).
* أحبك في الله أخي وأحب الجلوس إليك لأن حبك سبيل لأن نكون ممن يُباهي الله بهم ملائكته في عليائه، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على حلقة من أصحابه فقال "ما أجلسكم؟" فقالوا جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومنّ به علينا. فقال صلى الله عليه وسلم: "آلله ما أجلسكم إلا هذا؟!" قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: "أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله يُباهي بكم ملائكته".
أخي الحبيب..
أرأيت هذا الثواب الجزيل الذي أعده الله للمتحابين فيه من عباده؟!
* ألست معي بأننا في حاجة ماسة إلى هذا الثواب؟!! ألست معي بأننا ونحن نعيش في هذه الدنيا التي كثرت فيها الشهوات وسيطرت فيها الماديات وسما فيها المفسدون ألست معي بأننا في حاجة كبيرة إلى أخ صالح يذكرنا الله إذا ما نسينا ويعيننا إذا ما قصرنا ويعلمنا إذا ما جهلنا ويحسن إلينا إذا ما أسأنا ويصلنا إذا ما قطعنا ويأخذ بأيدينا إذا ما تعثرنا ولا يتركنا إلى شيطاننا وأنفسنا الأمارة بالسوء ويظهر لنا حسناتنا ويستر علينا سيئاتنا.
وترى الكريم إذا تصرّم وصله يخفي القبيح ويظهر الإحسانا
وترى اللئيـم إذا تقضّى وصله يخفي الجميل ويظهـر البهتانا
* ألست معي أخي الحبيب بأننا في حاجة ملحة إلى أخ مؤمن يدعو لنا بظهر الغيب في ورد الرابطة عند الغروب بدعوات صالحات هي بإذن الله مستجابة كما أخبرنا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* ألست معي بأننا في حاجة كبيرة إلى أن نفوز بحب الله وغفرانه وجميل عفوه ومثوبته وذلك لما يتم بين المتحابين في الله من نظرة حب نتبادلها، ومن مصافحة، ومن تبسم في وجوه بعضنا البعض، ومن تزاور ومن تجالس في الله، ومن تواصٍ بالحق وتذكير به بيننا.
العين توحي ولا تبوحي فأنت قلبي وأنت روحي
الحب عندي يكون أحلى بلا كـــلام ولا شــــروح
عيون للسماء تبوح سرًّا وقد تغني العيون عن البيان
أحاسيس تبدت في نفوس فـأبـدتهـا العـيـون بلا لسـان
* ألست معي أننا بالأخوة نمتلك الدنيا وحذافيرها والآخرة بإذن الله ونعيمها، وقديمًا سأل صحفي الإمام البنا رحمه الله تعالى هل أنت غني؟! قال نعم بهذه القلوب التي تحابت معي في الله. قال الصحفي أقصد الغنى المادي. قال نعم أنا غني لأن كل ما في جيوب الإخوان ملك للدعوة.
أُخوَّتنا نجاة لنا عند الفتن
أخي الحبيب..
|
قد تختلف رؤانا وأفكارنا وتتنوع مشاربنا ونظراتنا لكن اليقين الذي لا ريب فيه ولا شك معه أن الحب في الله يجمعنا ورابطة الأخوة في الله تضمنا وسلامة الصدر ونبل المقصد يشملنا فلا شك في النوايا ولا اتهام لها فيقيني أنك ترجو الله كما أرجو وتبتغي برأيك الخير للدعوة كما أبتغي وتغار على الدعوة كما أغار فلقد تباينت آراء الصحابة والتابعين واختلفت عقولهم وما اختلفت قلوبهم فالأخوة هي العاصمة من الزلل والواقية عند العثرات.
أخي الحبيب..
أنت وأنا تعرضنا لمحن أكول وشدائد عضوض وأهوال ضروس وفتن كقطع الليل المظلم فما زادنا ذلك إلا حبًّا في الله على حبنا وأخوة على أخوتنا وخرجنا من أنياب هذه الفتن العاتية أصلب عودًا وأقوي شكيمة وأمضى عزيمة، فالله الله في دعوتنا أيها الإخوان، الله الله في إخوتنا أيها الإخوان، الله الله في الناشئة التي تنطلق في طريق دعوتنا مقتبسة من فعالنا ومقتدية من تصرفاتنا، الله الله في دعوتنا التي يتربص بها الحاقدون ويرتقب ضعف أخوتنا المجرمون ليصوبوا عليها سهام غدرهم ويصبون عليها ونيران حقدهم ويثيرون في وجهها غبار الشبهات.
أخي الحبيب..
إن الذين يعيشون في ظل الحب والأخوة في الله يحسون بسعادة وراحة نفسية تملك عليهم نفوسهم وشغاف قلوبهم لا يحظى بمثلها من يجتمعون على عَرَض من أعراض الدنيا في تجارة أو لهو أو متاع دنيوي، لذا نجد الأخ الصادق في أخوته يشعر بوحشة شديدة إذا غاب عن إخوانه أو إذا اضطرته الظروف أن يكون بعيدًا عنهم.
أخي أنا أنت وأنت أنا نحن روحان حللنا بدنا
**********
الحب سر لدى الرحمن منبعـه لا الجنّ تعرف ما يطوي ولا البشر
الحب من قبس الخلاق جذوته هـــو اليقـيــن وكـم لاحـت به عبـر
الحب نـور يظـل الظلـم يرهبه ومـا سـوى الحـب قهـار ومنتصــر
ولقد فهم الصحابة هذا فكانوا أشد حرصًا عليه فهذا هو الفاروق عمر رضي الله عنه يقول: (إذا أصاب أحدكم ودًّا من أخيه فليتمسك به فقلما يصيب ذلك)، وهذا علي رضي الله عنه يقول: (عليكم بالإخوان فإنهم عدة الدنيا والآخرة ألا تسمع إلى قول أهل النار ﴿فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100)﴾ (الشعراء)، واسمع معي إلى الحسن البصري رضي الله عنه يقول: (إخواننا في الله أحب إلينا من أهلنا وأولادنا لأن أهلنا رؤيتهم تذكر الدنيا وإخواننا في الله رؤيتهم تذكر الآخرة)، وها هو أحدهم يقول: (استكثروا من الإخوان فإن لكل مؤمن شفاعة فلعلك تدخل في شفاعة أخيك).
مواقف عظيمة
* وانظر أخي إلى مشاعر الإمام الشافعي حينما مرض أخوه في الله محمد بن عبد الحكم قال:
مرض الحبيب فعدته فمرضت من حذري عليه
فأتى الحبيب يعودني فـبـرئت مـن نظـري إليـه
فأي مشاعر نقية كانت تحيا في قلوب هؤلاء!! وأي عواطف زكية كانت تمتلئ بها صدور هؤلاء!! وأي أحاسيس نبيلة كانت تملك عليهم نفوسهم وتسري في عروقهم وتسمو بوجدانهم؟!! إنه الحب في الله
* أمر بعض الخلفاء بضرب رقاب بعض الصالحين وفيهم أبو الحسين النوري فبادر إلى السياف ليكون أول مقتول فقيل له في ذلك فقال: أحببت أن أوثر إخواني بالحياة في هذه اللحظات فكان ذلك سببًا في نجاتهم جميعًا.
إن أخاك الحق من كان معـك ومـن يضر نفسه لينفعـك
ومن إذا ريب زمان صدعــك وشتت فيه شمله ليجمعـك
أخي الحبيب..
يقول الأستاذ مصطفى مشهور رحمه الله (قد تأتي على الأخ لحظات فتور أو غفلة أو نسيان أو استجابة لوسوسة الشيطان فلو كان وحده لتمادى واستمرأ تلك الأحوال ولتعرض للضياع والهلاك "إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية" أما إذا كانت له صحبة صالحة فلن يتركوه إلى نفسه وشيطانه فالصحبة الصالحة تضاعف من قدرات الفرد وطاقاته حينما يسترشد بآرائهم، وتضاعف من سعادته حينما يشاركونه في مسراته، وتخفف من آلامه وأحزانه ومتاعبه حينما يكونون بجانبه في مصائبه وأحزانه).
الطريق إلى قلب أخيك
|
وإليك أخي الحبيب بعض الهدايا التي تصل بها إلى قلب أخيك وتستحوذ بها عليه:
1- تقوى الله عز وجل
يقول الله تعالى ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)﴾ (الحجرات)، ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)﴾ (التوبة)، ويقول بشر بن الحافي (إذا قصر العبد في طاعة الله سلبه الله تعالى من يؤنسه فالأنيس يُهيئه الله للصادقين رفقًا من الله تعالى وثوابًا للعبد معجلاً).
2- الابتسامة:
"تبسمك في وجه أخيك صدقة".
بسمة كضياء الشمس مشرقة تجلو عن القلب ما قد ران من كدر
3- البدء بالسلام والمصافحة:
قال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم" (رواه مسلم)، يقول عمر بن الخطاب (ثلاث يُصفين لك ود أخيك أن تسلم عليه إذا لقيته، وتوسع له في المجلس، وتدعوه بأحب أسمائه)، ويقول الحسن البصري: (المصافحة تزيد في المودة).
4- الهدية:
"تهادوا تحابوا".
5- حسن الاستماع والإقبال عليه:
يقول سعيد بن العاص (لجليسي عليّ ثلاث، إذا دنا رحبت به، وإذا تحدث أقبلت عليه، وإذا جلس أوسعت له).
6- الإحسان إليه:
يقول أحد الصالحين (عجبًا لمن يشتري المماليك بماله كيف لا يشتري الأحرار بمعروفه)، ويقول آخر (من انتشر إحسانه كثر أعوانه).
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فلطالما استعبد الإنسان إحسان
7- حسن الظن والتماس المعاذير:
يقول ابن الاكلمبارك (المؤمن يطلب معاذير إخوانه والمنافق يطلب عثراتهم).
وإذا أخي جاء بذنب واحد جاءت محاسنه بألف شفيع 8- إعلان الحب لأخيك:
عن أبي كريمة المقداد بن معدي يكرب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه" رواه أبو داود.
تحبب فإن الحب داعية الحب كم من بعيد الدار في شوق إلى القرب
9- التواضع وخفض الجناح:
﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ (الحجر: من الآية 88)، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ﴾ (المائدة: من الآية 54).
* فما أجمل الحب في الله تعالى، وما أجلّ الأخوة في الله تعالى، وما أعظم فضلها عند الله تعالى فهي أوثق عرى الإسلام وهي نعمة من الله غالية ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)﴾ (الأنفال)، هي نعمة تستوجب منا شكر الله عليها ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ (إبراهيم: من الآية 7).
وأختم أخي الحبيب بهذه الأبيات للأستاذ محمد التاجي:
أخي في فؤادي وفي مسمعي وفي خاطري أنت والأضلعِ
أخي في حناياك يجري هواي وروحك في الكون تسري معي
أخي إن بسمت فعن مبسمي وإن أنت نُحْت فمن أدمعي
أخي إن تراءى لعيني الصباح تَبيّنْتُ نورك في المطلعِ
أخي أنا أنت فمن منهل ُسقِينا الحياة ومن مشرعي ِ
أخي أنا أنت فآمالنا وآلامُنا فُضْنَ من منبعي
أخي نغم أنت يحلو به فمي ويهشُ له مسمعي