السبت، 13 فبراير 2010

تقرير لـ"ريؤوت": حكومة "إسرائيل" تتعرض لأوسع هجمة في الحلبة الدولية لنزع شرعيتها


الناصرة – أسعد تلحمي: حذّر تقرير لجمعية [معهد] "رؤوت" (رؤية) الإسرائيلية المكلفة "دعم التفكير الاستراتيجي لحكومات إسرائيل في المجالات الحيوية لمستقبل الدولة وأمنها وازدهارها"، الحكومة الإسرائيلية من أن إسرائيل تتعرض اليوم لأوسع هجوم في الحلبة الدولية يبغي نزع الشرعية عنها. ودعت الحكومة إلى التعاطي مع هذا "التهديد" كما تتعاطى مع أي تهديد استراتيجي لها، محذراً من أن اتساعه قد يجعل منه تهديداً وجودياً على إسرائيل.
وأشار التقرير إلى أنه في ظل العزلة الدولية لإسرائيل، وحيال الجمود السياسي الحاصل، يتسع نطاق الحملة لنزع الشرعية عن الدولة العبرية "كدولة يهودية". وقال إن إسرائيل تتعرض لهجوم شامل من نزع الشرعية عنها على الصعد المختلفة وصل ذروته العام الماضي عبر "تقرير غولدستون" الذي حقق في انتهاكات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، و"هكذا بلغ التآكل في مكانة إسرائيل في أماكن كثيرة من العالم مبلغ التشكيك في حقها في الوجود".
ووفقاً للتقرير، فإن شبكة من أفراد ومنظمات وجمعيات منتشرة في أرجاء العالم تتعاون معاً على خلفية أيديولوجية تقوم على نفي وجود إسرائيل وإظهارها دولة جرباء. ويحذر التقرير من سيرورة انهيار حل الدولتين للشعبين كإطار متفق عليه لحل النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي وتبلور حل الدولة الواحدة كإطار بديل جديد. ويضيف أن حل النزاع لن يوقف حملة نزع الشرعية عن إسرائيل "بل ستبحث هذه الشبكة عن قضايا أخرى تعتمدها لمواصلة حملتها، ونعتقد أن القضية المقبلة ستكون مكانة المواطنين العرب (فلسطينيي 1948)".
وحددت جمعية "رؤوت" كلاً من لندن وبروكسيل ومدريد وتورنتو وسان فرانسيسكو وجامعة بيركلي "أبرز مراكز الشبكة الدولية". وأشارت إلى أن الناشطين هم في غالبيتهم من الشبان والفوضويين والمهاجرين أو من الناشطين اليساريين الراديكاليين، وان عددهم ليس كبيراً "لكن مفعول نشاطهم ملموس بفعل الحملات العامة التي يقومون بها في شكل منسق، والصدى الإعلامي الذي يحظى به نشاطهم". وتابعت أن المشاركين في الشبكة يلقون التعاون من منظمات توجه انتقادات مشروعة على سياسة إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 مثل "العفو الدولية" ومنظمات حقوق إنسان أخرى، لكن نشاط هذه الشبكة يطمس الفارق بين انتقاد مشروع ونزع الشرعية.
وبحسب تقرير "رؤوت"، فإن النموذج الذي تحتذي به الشبكة الدولية في نشاطها هو جنوب أفريقيا، "وعليه تلجأ إلى مصطلحات الأبرتايد". كذلك يعتمد الناشطون رموزاً وأبطالاً مشتركين مثل الطفل الفلسطيني محمد الدرة.
ويعتبر التقرير لندن مركز الحملة لنزع الشرعية. ويعزو السفير الإسرائيلي في لندن رون بروسؤور ذلك إلى "التشابك والدمج بين جالية مسلمة ويسار متطرف وإعلام مؤثر ومركز جامعي دولي، ما يجعل من لندن مسرحاً خصباً لنزع الشرعية". ويقرّ السفير بأنه في جميع محاضراته في الجامعات البريطانية يواجَه بتظاهرات احتجاجية مناوئة لإسرائيل، ما دفعه إلى إصدار تعليماته لموظفي السفارة بتكثيف وجودهم في المحاضرات للتصدي للمقاطعين. وتوقع أن "ما يحصل الآن في جامعات لندن سيحصل بعد خمس سنوات في جميع جامعات الولايات المتحدة".
وتؤكد الجمعية في تقريرها أن إسرائيل ليست جاهزة لمواجهة تهديد نزع الشرعية عنها، وأن وزارة الخارجية تفتقر إلى أدوات ملائمة لمواجهة هذه الحملة وحماية الديبلوماسيين الإسرائيليين الذين يتعرضون أكثر من غيرهم لحملات الاحتجاج. ويضيف ان وزارة الخارجية لا تملك الموازنات ولا القوى البشرية ولا الديبلوماسيين أو نظرية تحرك ديبلوماسي ملائم للتصدي لهذه الظاهرة الآخذة في الاتساع.
ويوصي التقرير بالرد بقوة على قادة الحملة وتشكيل شبكة مضادة تكون فيها السفارات الإسرائيلية في عواصم نزع الشرعية في الجبهات الأمامية. كما يوصي "بمهاجمة حمَلة لواء نزع الشرعية بالمثل لكن مع التمييز بينهم وبين من يوجه انتقاداً مشروعاً لإسرائيل، والأخير يجب أن نحتضنه ونقرّبه منا، لا أن نقاطعه".
ويرى المعلق البارز في "هآرتس" أري شبيط أن مهمة وزارة الخارجية لفرملة الحملة المتواصلة لنزع الشرعية لن يكتب لها النجاح في ظل وجود أفيغدور ليبرمان على رأس وزارة الخارجية، مشيراً إلى أن العالم العربي ينظر إليه نظرة احتقار، فيما اوروبا ترى فيه نسخة ثانية عن السياسي الفرنسي المتطرف لو بن، والولايات المتحدة ترى في وجوده خللاً مربكاً.
وأضاف أن العالم الذي يرى عبر الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز الوجه الحسن لإسرائيل، فإنه يرى عبر ليبرمان الوجه القبيح لإسرائيل "والأخير بلسانه المنفلت وسلوكه الاستقوائي يفاقم أزمة إسرائيل، إنه يقدم عملياً المساعدة لكل من يعمل على إظهار إسرائيل دولة عنصرية فاقدة صوابها".الحياة، 13/2/2010

حسن البنّا.. على درب التجديد والبناء.. في ذكرى استشهاده


قال بهذا علماء فحول و دعاة أصحاب خبرة، منهم العرب والعجم: إن حسن البنّا هو مجدّد القرن الرابع عشر الهجري، بل قالوا إنه أعظم مجدّد عرفته الأمّة منذ شيخ الإسلام ابن تيمية.. أمدّه الله بخصائص المجدّد الذي يبعثه على رأس كل مائة سنة، فقد كان رحمه الله صافي الذهن، نافذ البصر، مستقيم الفكر، ذا قدرة نادرة على تبيّن السبل من غير إفراط ولا تفريط، مراعياً للاعتدال في الاعتقاد والسلوك والرأي والدعوة، صاحب شجاعة وجرأة على مزاحمة الانحراف، أمّا درّة عقد مواهبه وخصاله فهي القدرة على القيادة والزعامة وتجميع أصناف الناس والتأثير فيهم وتحويلهم فكرياً وشعورياً وسلوكياً من حال إلى حال.. أليست هذه مميزات من يجدّد للأمة أمر دينها؟



كانت الأمة في انتظاره بعد غلبة الاستعمار الغربي وسقوط الخلافة الإسلامية وبلوغ الانحطاط مداه...فجاء على قدَر يحمل قلباً كله إيمان وعقلاً كله إسلام، فكان ربانياً حقاً.



بدأ مهمة التجديد وهو فتى يافع، فكان أشبه بالشباب الذين تحلم بهم الأمة، أحسن تشخيص الأدواء وتدبير الإصلاح فسعى إلى إحداث انقلاب فكري شعوري ظهرت ثمراته في صورة تزكية الأخلاق وإشباع النفوس بحبّ الشريعة وتحريك الجوارح نحو البناء والإصلاح، وبدل تأليف الكتب اكتفى بتدبيج رسائل قليلة المباني كثيرة المعاني، لها هدف واحد هو تكوين الرجال الربانيين الأقوياء إيماناً وأخوياً وعضلياً ليبدأوا استئناف الحياة الإسلامية على مستوى النفوس والأسر والبلاد، كل ذلك عبر تربية شاملة متكاملة جمع فيها بين صرامة السلفية في العقيدة، وروحانية الصوفية في التزكية، والوسائل العصرية في مواكبة التطوّر وحسن تبليغ الإسلام.



أسّس حسن البنا جماعة الإخوان المسلمين لتكون موئل المسلمين الّذين طال بهم عهد الانحطاط وزمن السلبيّة والتخلّف، ولم يكن له آنذاك مستشارون دهاة، ولا كان خلفه مراكز أبحاث، إنّما وفّقه الله تعالى فجمع في شخصيّته خصالاً كريمةً مؤثّرة فاعلةً قلّما تجتمع في شخص واحد إلاّ طائفة نادرة من أولي العزم من الرّجال، فقد كان قرآنيّاً يحفظ كتاب الله حفظاً متقناً ويفسّره تفسيراً بديعاً، وكان أديباً متمكّناً يغبطه كبار الأدباء، وكان خطيباً مفوّهاً كأنّه قسّ بن ساعدة أو ابن الجوزي، وكان سيّاسيّاً بارعاً من طراز فريد، وكلّما نظر الناس إلى جانب من جوانب شخصيّته اعتقدوا أنّه متخصّص فيه لا يحسن غيره، لكنّه كان يحسن كلّ ذلك.. إنّه اسم على مسمّىً.



عني حسن البنا بتجديد العقيدة واهتمّ بغرسها في القلوب لا في الأذهان وحدها ثمّ ربط القلوب ببعضها، وجدّد معنى الأخوة الإيمانية نظرياً وعملياً، وهل قامت الجماعة على شيء آخر غير الأخوة في الله؟ أي عني بقوّة الإيمان والعقيدة وقوّة الأخوّة والوحدة، وبعد ذلك انبرى لاكتساب قوّة الساعد والسلاح لدحر الاحتلال وردّ العدوان والدفاع عن حرمات الأمّة.



وقبل موته قاد إخوانه إلى الموت المشرّف الطاهر في أرض فلسطين، فأحيوا معاني الجهاد وضحّوا بأنفسهم في سبيل أرض النبوات وأرهبوا اليهود الغاصبين وسجّلوا صفحات من نور تؤكّد أن أمّة محمد صلى الله عليه وسلم حيّة وأنّ قواها متجدّدة ورجوعها أكيد ولو بعد حين.



لقد أبدع حسن البنا في كل ما فعل، ويكمن سرّ إبداعه كمجدّد في انطلاقه من أمرين هما حجر الزاوية في العمل الدعوي التجديدي: الشمول والفهم، قدّم عن الإسلام صورة شمولية متكاملة باعتباره منهجاً للحياة ومرجعاً للمسلمين في كل المجالات الفكرية والشعورية والسلوكية، في السياسة والاقتصاد والتربية والفنّ والعلاقات الدولية.. وغيّر صورة المتديّن النّمطيّة من المنعزل المهتمّ بجانب واحد من الدين إلى إنسان متكامل، وانعكس ذلك على الجماعة فاشتغلت بالدعوة إلى الله وبالعمل السياسي والاقتصادي والعلمي والثقافي والرياضي والأدبي والفني، وهي محكومة في كل ذلك بأحكام الشرع وضوابطه، فتخرّج من صفوفها شباب جمعوا بين الطرف الدامع والجسم النشط وبين التبتّل والذكاء وبين العبادات المتنوّعة وعمارة الدنيا، وهذا ما رشح الجماعة للريادة وقيادة موكب الربانيين في العالم وأمدّها بعناصر البقاء رغم محاولات الاستئصال فأضحت رمزا للتميّز ووضوح الشخصية والحركة الفاعلة.



ضاق خصوم الإسلام ودعاة التغريب وأنصار الاستبداد ذرعاً بالمجدّد المتدفّق نشاطاً وبجماعته الحركية المتوثبة، فدبّروا قتلَه في 12/2/1949, قتله القصر الملكي والاستعمار الانجليزي والصهيوني.



اغتالوا حسن البنا لتموت معه جماعته وفكرته، لكنّ البناء كان قد اكتمل واكتسب رسوخاً يستعصي على الاقتلاع، فهي فكرة ربانية استقرّت في قلوب مؤمنة وعقول صافية تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، لا تزيدها الأيّام إلاّ نموّاً ولا تزيدها المحن إلاّ توهّجاً، والواقع يؤكّد ذلك.



أهذا كلام عاطفي من رجل منبهر بحسن البنا ومتحمّس لدعوته؟ أحبّ من الّذين يتّفقون مع مؤسّس جماعة الإخوان ومن الّذين يختلفون معه أن يقرأوا عنه من تلاميذه وخصومه وينوّعوا قراءاتهم لتشمل جميع المنصفين، عرباً وغربيّين (مثل ريتشارد ميتشل)، فسيجدون أنّ ما كتبناه حقّ بل هو شيء من الحقّ من بحر مزايا الإمام الشّهيد، الّذي كان باختصار قلباً نقيّاً ولساناً عفيفاً وقلماً هادياً وفكراً نيّراً ومحبّةً للقاصي والدّاني، ورجلاً محبّاً للخير مبغضاُ للشرّ، عاش لشيء واحد لا ندّ له، ومات من أجله: هو الإسلام.

بقلم: الأستاذ عبد العزيز كحيل




نحن الأوائل ... والمستقبل لنا






كنت دائماً أندهش من سطحية تفكير معظم الشباب من الجيل الجديد في بلادنا، وضحالة ثقافتهم، وقلة إطلاعهم ... غير أن أكثر ما يشعرني بالحزن ويصيبني بالقلق كان ولا يزال رسوخ اعتقاد خطير لدى شبابنا الصاعد بأنه "مفيش فايدة".. وتكاد تلمح في نبرات أحدهم، وكلماته التي بين السطور، كأنه يقول: "لقد هُزمنا .. وانتهى الأمر .. ونحن نستحق ذلك، فلم نكن يوماً بخير".



كثيراً ما تناقشت مع الشباب حول هذه الفكرة، وحرصت أن أبرز لهم صورة المسلمين الناصعة عبر التاريخ، والتي عمل الغرب جاهداً على طمسها، فأغفل نتاج حضارات المسلمين الرائدة، ونسب الفضل كله لنفسه، وكأن الحضارة قد انتقلت "بقدرة قادر" من أفلاطون وأصحابه إلى أنيشتين وحزبه من علماء أوروبا وأميركا ... !!



وخطورة هذه المغالطة الكبرى ليست في الماضي الذي ولَّى .. وليست في الحاضر الذي نراه بأعيننا .. بل تكمن الخطورة أشد ما تكمن في المستقبل ونظرتنا له .. إن الغرب يريد أن يقول لأجيالنا الصاعدة: "لم تكونوا شيئاً .. وبالتالي فلن تكونوا شيئاً"



وعليَّ أن أعترف - مع الأسف – أن مساعي الغرب المغرضة المتربصة بالحضارة الإسلامية قد نجحت إلى حد كبير، وأن محاولاتي المتواضعة لمجابهة هذا الكيد والخبث ليست – حتى الآن – قادرة على مواجهة تلك المغالطة التاريخية الكبرى ... بيد أني لم أيأس يوما، ولن أرفع الراية البيضاء حتى لو رفعها الجميع.



أثناء عرضي لرسالتي عن "حساسية الصدر عند الأطفال" سواء لنيل شهادة الماجستير أو بعدها لنيل الدكتوراه، أفردت فصلاً كاملاً في بحثي وفقرة كاملة في العرض عن "وصف علماء المسلمين لحساسية الصدر" ... وكم كانت دهشتي كبيرة حين رأيت علامات التعجب على وجوه أساتذتي من جامعات القاهرة وعين شمس والأزهر والزقازيق حين رأوا كيف وصف العالم المسلم الكبير "ابن سينا" حساسية الصدر وصفاً مطابقاً لما نعرفه الآن .... !!



تُرى .. إذا كانت هذه هي فكرة الأساتذة الكبار المتخصصين في عالمنا العربي والإسلامي عن علماء المسلمين الأوائل، فكيف ستكون فكرة الآخرين الأقل ثقافة وتخصصاً عنهم؟! .. بل كيف ستكون فكرة الغرب – علمائه وعوامه – عن الحضارة الإسلامية ونتاجها؟!



جلست في مدرج فخم في كلية الطب بجامعة الكويت أستمع لمحاضر إيطالي كبير يشرح بالتفصيل تاريخ " حساسية الجلد " وطرق التعامل معها في القديم والحديث .. وبدأ يتحدث مستعرضا منذ فجر التاريخ وحتى الحضارة اليونانية والرومانية القديمة .. وما أن وصل إلى القرن السابع الميلادي حتى قفز فجأة إلى القرن السابع عشر، مغفلاً عشرة قرون هي عمر الحضارة الإسلامية العريقة !! ...



رغم أن الأمر لم يثر انتباه أحد من المستمعين الذين انصرف تفكيرهم إلى الناحية الطبية من الحديث، إلا أنني أصبت بالإحباط وخيبة الأمل، ليس لوجود هذا النهج من المغالطات التاريخية الكبيرة، ولكن لوقوع ذلك من عالم كبير تعلَّم – كما يُفترض – أن يتحرى النهج العلمي في أبحاثه وأحاديثه ... وقررت أن لا أفوت الفرصة .. فتحدثت إليه.



بدا لي من حديثه أنه يعترف بفضل المسلمين في تطوير الحضارة عبر عشرة قرون، وأنه معجب أشد الإعجاب بالطبيب المسلم المبدع "ابن سينا" .. غير انه لا يملك من المعلومات الشيء الكثير عن تفاصيل جهد المسلمين ونتاج حضارتهم في الطب أو غيره .. وتواعدنا أن نلتقي عبر الانترنت لأزوده بما يحتاجه من هذه المعلومات ... وقد فعلت.



أثناء تصفحي للانترنت وقعت على خبر "لطيف" في موقع (إسلام أون لين) (www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1264250005382&pagename=Zone-Arabic-News/NWALayout#ixzz0eT2SZ21N) مفاده أن معرضاً في لندن قد افتتح أبوابه هذا الشهر ويستمر لعدة شهور، المعرض تحت عنوان طريف هو "1001 اختراع .. اكتشاف التراث الإسلامي في عالمنا" ... وقال كاتب الخبر في تقديمه له:



" يتزايد الإعجاب والاندهاش بعدما اكتشف الغربيون أن معظم ما يستخدمونه في حياتهم اليومية من أبسط الأشياء إلى أعقدها هي من اختراع المسلمين ... من فرشة الأسنان حتى آلة الطيران.. من اكتشاف القهوة إلى صناعة الدواء.. ومن جراحة الرمد إلى جراحات التجميل.. من المدرسة إلى تأسيس أول جامعة، هناك نحو ألف اختراع لا يمكن للبشرية أن تعيش بدونه حاليا، كانت نتاج لأبحاث المسلمين في الفترة ما بين القرن السابع إلى القرن السابع عشر ...



وقد اهتمت معظم وسائل الإعلام الغربية بالمعرض الذي حظي بإعجاب الكثيرين، حيث تقول شبكة "سي.إن.إن" الأمريكية التي جابت المعرض للتعرف على محتوياته إن هذه الاختراعات الإسلامية ( شكلت العالم المتقدم)".



ومنذ أيام ... وقع تحت يدي مقال مترجم، ترجمه أحد نشطاء الانترنت ويدعى (محمد حبيب ,http://www.m7abib.com) .. المقال كاتبه هو (باول فاليللي) .. وهو كاتب غربي غير مسلم .. لكنه منصف ويتحرى الدقة العلمية فيما يكتبه.



بدأ الرجل حديثه فقال: "أعطانا العالم الإسلامي العديد من الابتكارات التي لا غني لنا عن استعمالها في حياتنا اليومية الآن" ... ثم فصًّل بعد ذلك الحديث عن أكثر عشرين ابتكارا تأثيراً على العالم من إنتاج المسلمين، وقام بتجميع بعض نتاج الحضارة الإسلامية، وسبقها في مجالات متعددة، بدايةً من القهوة ... و مروراً بنظام الثلاث وجبات اليومي .. وحتى الشيكات!! ...



أثار المقال شهيتي للكتابة .. وها أنا ذا أنقل لكم بعض فقراته وأعلق عليها.



القهوة والشطرنج .. حكاية "مسار الحضارة"



تحت عنوان "القهوة .. عربية ! " ... يحكي لنا الكاتب قصة القهوة فيقول:



" تقول القصة أنه كان هناك رجل مسلم يدعى (خالد) يعتني ببعض الماعز في منطقة (كافا) بجنوب إثيوبيا, فلاحظ أن الحيوانات التي يرعاها أصبحت أكثر نشاطاً حينما تأكل التوت, فقام بغلي التوت ليصنع أول فنجان من القهوة! ...



وخرجت القهوة لأول مرة خارج إثيوبيا حينما شربها (صوفي) في اليمن كي يظل يقظاً طوال الليل ليصلي في مناسبة خاصة عند المسلمين .... وفي أواخر القرن الخامس عشر وصلت القهوة إلى مكة وتركيا .. والتي منها وصلت إلى فينسيا في عام 1645م ... ثم إلى انجلترا بعد خمس سنوات في 1650 بواسطة تركي يدعى “باسكوا روسي” الذي فتح أول “محل قهوة” في شارع "لومبارد" بمدينة لندن … القهوة العربية صارت بعد ذلك تركية .. ثم إيطالية وإنجليزية!! "



ولقد قرأت في (إسلام أون لين) أنه تم تصنيع البن لأول مرة في اليمن في القرن التاسع الميلادي ... وكان يساعد المتصوفة على البقاء حتى وقت متأخر من الليل يصلون ويتعبدون، ومن ثم تم إحضاره إلى القاهرة ثم سرعان ما انتشر في كل أنحاء الإمبراطورية الإسلامية ... وبحلول القرن الثالث عشر وصلت القهوة إلى تركيا ... لكن حتى القرن السادس عشر لم تكن حباتها تغلى بعد في أوروبا التي لم تعرفها إلا بعد استقدام تاجر إيطالي للقهوة لبيعها في مدينة البندقية.



ثم يعرِّج كاتب المقال على الشطرنج فيقول:



" بداية الشطرنج البدائية كانت في الهند, ولكن هذه اللعبة طورت إلى الطريقة التي نعرفها الآن في بلاد فارس [ إيران المسلمة ] ... ومن هناك انتشرت اللعبة غرباً عبر البلاد الإسلامية إلى المغرب العربي ومنه انتقلت إلى أوروبا حيث قدمها المغاربة إلى أسبانيا في القرن العاشر الميلادي ... كما انتشرت من إيران شرقاً عبر آسيا إلى اليابان .. وتستعمل في الغرب كلمة (rook ) لطابية الشطرنج كما نعرفها .. ويعود اصل هذه الكلمة إلى كلمة ( رُخ ) العربية."



هل رأيتم هذه المسارات ... إنها مسارات الحضارة .. من العرب والمسلمين عبر آسيا إلى الصين واليابان وبلاد المشرق .. وعبر تركيا أو المغرب والأندلس إلى أوروبا ... ثم إلى العالم الجديد في أميركا.



إنه المسار الذي يسقطه الغرب ... عن جهل أو سوء نية ...



الفيزياء الإسلامية ... و "أصول الحضارة"



على الفيزياء وعلومها ينبني الكثير من التقدم العلمي في حضارتنا الحديثة، في الطب والهندسة، في الفلك والكمبيوتر، بل وفي الفنون العسكرية أيضاً ...



وهنا يبرز لنا الكاتب دور واحد من رواد الفيزياء من علماء المسلمين .. الحسن بن الهيثم ...



" اليونانيون القدماء ظنوا أن أعيننا تُخرِج أشعة مثل الليزر وأنها هي التي تجعلنا قادرين على الرؤية, ولكن أول شخص لاحظ أن الضوء يدخل إلى العين ولا يخرج منها كان عالم رياضي وفيزيائي وفلكي مسلم, وهو الحسن بن الهيثم.... حيث اكتشف أن الإبصار يحدث بسبب سقوط الأشعة من الضوء على الجسم المرئي مما يمكن للعين أن تراه .. ولكن العين لا تخرج أشعة من نفسها .. وإلا كيف لا ترى العين في الظلام ؟



واكتشف ابن الهيثم أيضاً ظاهرة انعكاس الضوء، وظاهرة انعطاف الضوء أي انحراف الصورة عن مكانها في حال مرور الأشعة الضوئية في وسط معين إلى وسط غير متجانس معه ... كما اكتشف أن الانعطاف يكون معدوماً إذا مرت الأشعة الضوئية وفقاً لزاوية قائمة من وسط إلى وسط آخر غير متجانس معه.



ووضع ابن الهيثم بحوثاً في ما يتعلق بتكبير العدسات، وبذلك مهّد لاستعمال العدسات المتنوعة في معالجة عيوب العين ... ويعتبر الحسن بن الهيثم أول من انتقل بالفيزياء من المرحلة الفلسفية للمرحلة العملية [ from a philosophical activity to an experimental one ] ."



هل تعلمون أين أجرى ابن الهيثم معظم هذه الأبحاث ؟ ... في السجن !!



نتيجة لجرأته المفرطة وحبه للمعرفة، كان ابن الهيثم أول من أقدم على تشريح عين بشرية للتعرف الدقيق على مكوناتها، وحين انكشف أمره ألقاه الحاكم في السجن ... وهناك درس نظريات الضوء بشكل عملي ... لقد كانت زنزانته مظلمة إلا من فتحات قليلة وصغيرة يدخل منها الضوء نهاراً فيمكنه من الرؤية، فإذا أظلم الليل وانعدم الضوء لم ير شيئاً ... فخرج من السجن ومعه نظريته التي نعلم اليوم أنها حقيقة علمية ... "الرؤية نتيجة لانعكاس الضوء عن الأجسام المعتمة".



هل كان بإمكان الغرب أن يصعد للفضاء أو يعالج عيوب الإبصار، أو يكتشف الكائنات الدقيقة أو يصنع الكمبيوتر، أو يبني ترسانته العسكرية، دون أن نمهد له الطريق ؟!



إنها الحقيقة التي لا يريدون لنا أن نراها .... لقد صنعنا "أصول الحضارة" التي شيد عليها الغرب كل هذا التقدم في العصر الحديث.



ابن فرناس .. رائد الطيران



يحلق بنا كاتب المقال في أفق آخر .. هام وحيوي ..



" قبل آلاف السنوات من تجربة الأخوان رايت في بريطانيا للطيران.. كان هناك شاعر وفلكي وموسيقي ومهندس مسلم يدعى (عباس بن فرناس) .. قام بمحاولات عديدة لإنشاء آلة طيران .. في عام 825 قفر من أعلى مئذنة الجامع الكبير في قرطبة مستخدما عباءة صلبة غير محكمة مدعمة بقوائم خشبية، كان يأمل أن يحلق كالطيور .. لم يفلح في هذا ولكن العباءة قللت من سرعة هبوطه مكونة ما يمكن أن نسميه أول (باراشوت) ... وخرج من هذه التجربة فقط بجروح بسيطة.



ثم في عام 875 وحين كان عمره 70 عاماً .. قام بتطوير ماكينة من الحرير وريش النسور ثم حاول مرة أخرى بالقفز من أعلى جبل ... وصل هذه المرة إلى ارتفاع عال، وظل طائرا لمدة عشر دقائق ... لكنه تحطم في الهبوط! .. كان ذلك بسبب عدم وضع “ذيل” للجهاز الذي ابتكره كي يتمكن من الهبوط بطريقة صحيحة.



لقد عرف العرب له هذا الفضل ... فهذا مطار بغداد الدولي وفوهة أحد البراكين في المغرب تم تسميتهما على اسمه".



حين تستقل طائرة من الآن فصاعداً، لا تتذكر (الأخوان رايت) .. بل تذكر من علَّمهما فن الطيران فلم يعرفا له فضله، ونسبوا الفضل كله لأنفسهم .. (عباس بن فرناس).







وعلمناهم النظافة !!



رغم أنه غير مسلم .. يقرر صاحب المقال حقيقة راسخة فيقول:



"الاغتسال والنظافة متطلبات دينية لدي المسلمين, ربما كان هذا السبب في أنهم طوروا شكل الصابون إلى الشكل الذي مازلنا نستخدمه الآن!



قدماء المصريين كان عندهم أحد أنواع الصابون .. تماما مثل الرومان الذين استخدموها غالبا كـمرهم! ... لكنهم كانوا العرب هم من جمعوا بين زيوت النباتات وهيدروكسيد الصوديوم والمواد الأروماتية مثل الـ “thyme oil” ..



كانت أحدى أكثر خصائص الصليبيين غرابة بالنسبة للمسلمين أنهم لا يغتسلون! .. الشامبو قدم في انجلترا لأول مرة حينما قام أحد المسلمين بفتح احد محلات الاستحمام بالبخار في “بريتون سيفرونت” في عام 1759 ".



وفي ذات الوقت يلفت موقع (إسلام أون لين) انتباهنا إلى أن المسلمين هم أصحاب فكرة أول فرشاة أسنان ... فقبل اختراع معجون الأسنان بدهور كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يعلم المسلمين كيفية تنظيف أسنانهم بالسواك، وقد ثبت حديثا احتواء السواك على مواد تفيد في حماية الأسنان وتطييب النفس.



إن الرجل الأوروبي الذي يأنف أن يشم رائحة فقير في آسيا أو أفريقيا، ويبدي تأففاً وامتعاضاً، ينسى – أو يتناسى – أن رائحة جيوش أوروبا كانت تُشَمُّ على بعد أميال، وأن خلفاء المسلمين وأمراءهم لم يكونوا يأذنون للسفراء الأوروبيون بالدخول عليهم إلا بعد "نقعهم" في الماء المغلي والصابون لعدة ساعات .. وهي تجربة كانت تلقي الرعب في قلوب الأوروبيين .. فأحدهم لم يستحم منذ ولدته أمه .. !!





الكيمياء الحديثة ... إسلامية



يعطينا الكاتب نموذجاً آخر لريادة المسلمين .. هذه المرة في الكيمياء ...



" التقطير ووسائل فصل السوائل من خلال الاختلافات في درجة غليانها اخترعت في حوالي العام 800 م ... كان ذلك بواسطة العالم المسلم الكبير (جابر بن حيان)، الذي قام بتحويل “الخيمياء” أو “الكيمياء القديمة” إلى “الكيمياء الحديثة” كما نعرفها الآن، مخترعا العديد من العمليات الأساسية والأدوات التي لا نزال نستخدمها حتى الآن.



السيولة والتبلور، التقطير والتنقية، الأكسدة والتبخير والترشيح .. جنباً إلى جنب مع اكتشاف الكبريت وحمض النيتريك .. كل ذلك من إنتاج المسلمين ...



اخترع (جابر بن حيان) أمبيق التقطير – تستخدم الإنجليزية لفظ alembic وهو مشتق من لفظ “إمبيق” العربي – وهو آلة تستخدم في عملية التقطير ... مقدماً للعالم العطور وبعض المنتجات الكحولية ... وقد استخدم ابن حيان التجربة المنظمة ويعتبر مكتشف الكيمياء الحديثة".



لو يعلم ابن حيان أو الرازي أو غيرهم من رواد علم الكيمياء أن المسلمين اليوم يعتمدون على غيرهم في تقطير المياه، ولولا ذلك لعطشوا حتى الموت ... وأن دول المسلمين البترولية في هذه الأيام لا تكاد تملك من تقنية تنقيته وتكريره إلا الشيء اليسير ... وآه لو علموا أن الغرب أنكر فضلهم ونسب التقدم في "الكيمياء الحديثة" كله لنفسه .. إنه الجحود والحقد .. لا شك.



هل سمعت عن مضخة الجزري؟



يشرحها لنا صاحب المقال ... فيقول:



" المضخة جهاز عبارة عن آلة من المعدن تدار بقوة الريح أو بواسطة حيوان يدور بحركة دائرية، وكان الهدف منها أن ترفع المياه من الآبار العميقة إلى سطح الأرض، وكذلك كانت تستعمل في رفع المياه من منسوب النهر إذا كان منخفضاً إلى الأماكن العليا.



صنعت بواسطة مهندس مسلم بارع يسمى (الجزري) .. هذه المضخة هي الفكرة الرئيسية التي بنيت عليها جميع المضخات المتطورة في عصرنا الحاضر والمحركات الآلية كلها ابتداء من المحرك البخاري الذي في القطار أو البواخر إلى محرك الاحتراق الداخلي الذي يعمل بالبنزين كما في السيارة والطائرة.



ويعتبر (الجزري) الأب الروحي لعلم الـ robotics والخاص بتصنيع الـrobots كما نعرفها اليوم.. من ضمن اختراعاته الخمسين الأخرى كان الـ” combination lock ” .. وهي التي نراها اليوم في طريقة قفل بعض الحقائب والخزانات باستخدام بعض الأرقام بجوار بعضها مكونة شفرة"



لم تكن أوروبا إذاً هي من اخترعت المحركات والمضخات، ولم تكن الحضارة الغربية هي صانعة الروبوتات الأولى في العالم، بل لم تكن أيضاً عملاقة الخزانات السرية الرقمية الأولى .. لقد كانا نحن المسلمين رواد كل ذلك ...



أصحاب السبق .. في التقنيات العسكرية



يرسم لنا الكاتب صورة حربية بديعة .... فيقول:



" وضع طبقة من مادة أخرى بين طبقتين من القماش تعتبر أحدى طرق الخياطة ... ومن غير المعروف إذا كانت قد ابتكرت في العالم الإسلامي أم أنها قد نشأت أولاً في الهند أو الصين ... ولكن من المؤكد أنها وصلت للغرب من خلال الصليبيين.



لقد رأى الصليبيون بعض المحاربين المسلمين يرتدون قمصانا مصنوعة بهذه الطريقة بدلاً من الدروع .. وكانت تلك القمصان مفيدة جداً كوسيلة للحماية من أسلحة الصليبيين المعدنية .. إنه أول (قميص واقي من الرصاص) في العالم.



لقد استخدم الغرب هذه الطريقة فيما بعد للوقاية من برودة الجو في دول كبريطانيا وهولندا.



وإذا كان الصينيون هم من اكتشفوا البارود واستخدموه في إشعال النيران، فإن العرب هم أول من نقّى البارود باستخدام نترات البوتاسيوم ليكون صالحاً للاستعمال الحربي, مما أصاب الصليبيين بالرعب ... في القرن الخامس عشر نجح المسلمون في اختراع أول صاروخ وأول طوربيد بحري" .



مشهور في التاريخ اختراع جيوش صلاح الدين لمادة مقاومة للنيران لحماية أبراجهم من سهام الصليبيين النارية في تحرير بيت المقدس ... وليست وسائل الحماية في الحروب فقط هي من اختراع المسلمين، بل العديد من التقنيات العسكرية كالمدافع والدبابات وغيرها، كنا نحن روادها ومخترعوها الأوائل ...



رواد المعمار ... بلا منازع



لا يجادل أحد في ريادة المسلمين للمعمار .. إلا أن يكون جاهلاً أو حاقداً ... يقول صاحبنا:



" تعد الأقواس مستدقة الطرف من أهم الخصائص المعمارية التي تميز كاتدرائيات أوروبا القوطية, فكرة هذه الأقواس ابتكرها المعماريون المسلمون ... وهي أقوى بكثير من الأقواس مستديرة الطرف والتي كان يستخدمها الرومان والنورمانيون, لأنها تساعدك على أن يكون البناء أكبر وأعلى وأكثر تعقيداً.



اقتبس الغرب من المسلمين أيضاً طريقة بناء القناطر والقباب .... قلاع أوروبا منسوخة الفكرة أيضاً من العالم الإسلامي، بداية من الشقوق الطولية في الأسوار وشرفات القلعة، مرورا بطريقة الحصن الأمامي وحواجز الأسقف، وانتهاءً بالأبراج المربعة التي كانت تسهل جدا حماية القلعة .... ويكفي أن تعرف أن المهندس المعماري الذي قام ببناء قلعة هنري الخامس كان مهندساً مسلماً".



عندما تقف أمام أحد الأبراج العملاقة أو ناطحات السحاب الشاهقة ... لا تشهق من "التقدم الغربي في المعمار" .. بل قل لمن حولك أن المسلمين هم من علموا أوروبا كيف يرفعون بنيانهم لأكثر من ثلاثة أمتار دون أن ينهار عليهم .. إنها الحقيقة.



المسلمون .. أطباء الدنيا



هل ستعجب حين تسمع ما قاله الكاتب عن المسلمين والطب ؟



" العديد من الآلات الجراحية الحديثة المستخدمة الآن لازالت بنفس التصميم الذي ابتكرها به الجراح المسلم “الزهراوي” في القرن العاشر الميلادي .. أكثر من مائتي آلة ابتكرها لازالت معروفة للجراحين اليوم قدمها الزهراوي ووصف استخداماتها في موسوعته الطبية (التصريف لمن عجز عن التأليف).



كان “الزهراوي” يجري عملية استئصال الغدة الدرقية (Thyroid) ... وذكر “الزهراوي” علاج السرطان في كتابه (التصريف) قائلاً: (متى كان السرطان في موضع يمكن استئصاله كله كالسرطان الذي يكون في الثدي أو في الفخذ ونحوهما من الأعضاء المتمكنة لإخراجه بجملته، إذا كان مبتدءاً صغيراً فافعل ... أما متى تقدم فلا ينبغي أن تقربه فاني ما استطعت أن أبرىء منه أحدا ... ولا رأيت قبلي غيري وصل إلى ذلك) ... وهي عملية لم يجرؤ أي جراح في أوربا على إجرائها إلا في القرن التاسع عشر أي بعده بتسعة قرون.



وفي القرن الثالث عشر الميلادي كان هناك طبيب مسلم آخر اسمه (ابن النفيس) يشرح الدورة الدموية الصغرى قبل أن يشرحها ويليام هارفي بـثلاثمائة عام ...!!



لقد اخترع علماء المسلمين أيضاً المسكنات من مزيج مادتي الأفيون والكحول .. وطوروا أسلوباً للحقن بواسطة الإبر لا يزال مستخدماً حتى الآن.



وفكرة التطعيم لم تبتكر بواسطة "جبنر وباستير" .. ولكن ابتكرها العالم الإسلامي ووصلت إلى أوروبا من خلال زوجة سفير بريطانيا في تركيا وتحديدا في اسطنبول عام 1724 ... الأطفال في تركيا طعِّموا ضد الجدري قبل خمسين عاما من اكتشاف الغرب لذلك! ".



ليس هذا فحسب ... يمكنك التعرف أكثر على ريادة المسلمين للطب إذا قرأت ما كتب في (إسلام أون لين) ... فأول من أنشأ المستشفيات بالصورة التي نراها الآن هم المسلمون، حيث قدموا أفضل الخدمات الطبية الممكنة بحسب زمنهم لكل الناس وبالمجان؛ لأنهم كانوا يعتقدون أن من واجبهم توفير العلاج للمرضى مهما كانوا.



وتم بناء أول مستشفى منظم في القاهرة عام 872هـ، وهو مستشفى "أحمد بن طولون" الذي كان يقدم العلاج والدواء مجانا لجميع المرضى، وكان يوفر حمامات منفصلة للرجال والنساء، وكان به مكتبة ثرية إضافة لقسم خاص للمرضى النفسيين.



وكانت إدارة المستشفى تتسلم من المرضى ملابسهم لتقوم بحفظها بعد أن يُعطوا ملابس خاصة بالمستشفى استعدادا لإقامتهم بالمستشفى، وكان لكل مريض سجل طبي خاص.



وازدهرت مثل هذه المستشفيات بسبب تنافس حكام المسلمين على بناء المراكز الطبية الأرقى في أرجاء العالم الإسلامي حتى وصلت هذه المستشفيات صقلية وشمال إفريقيا، وكانت تمول من الأوقاف الخيرية ومن خزينة الدولة.



وهل تعلم أن المسلمين هم أول من أنشأ مدرسة للصيدلة في العصور الوسطى .. وأنهم أول من أنشأ صيدلية ... فضلا عن وضع كثير من مبادئ علم الصيدلة.



بل إن أول عملية لإزالة إعتام عدسة العين "المياه البيضاء" جرت في العراق في وقت مبكر في القرن العاشر الميلادي ... ولم يخل كتاب طبي للمسلمين منذ ألف سنة من التعرض لبعض جوانب أمراض العيون ... وكان أطباء العيون المسلمون من القرن العاشر حتى القرن الثالث عشر الميلادي يجرون العمليات الجراحية ويقومون بالتشريح والبحث وكتابة النتائج التي توصلوا إليها في كتبهم ودراساتهم.



وقد كتب المسلمون العديد من المجلات الطبية المختلفة منذ 1000 سنة ولا تزال موجودة إلى الآن ... كما ألفوا العديد من الكتب التي تمت ترجمتها إلى اللغة اللاتينية، منها كتاب "القانون" لابن سينا الذي ظل مرجعا رئيسيا للطب في أوروبا والعالم لعدة قرون .. وحتى القرن التاسع عشر الميلادي كان يدرس في جامعات أوروبا.



لقد كانت أوروبا كلها تستعين بخبراء المسلمين من الأطباء والصيادلة من الأندلس وغيرها لعلاج ملوكهم وذوي الوجاهة فيهم ... ولم نكن نبخل عليهم بذلك ... لكنهم يجحدون.



طواحين الهواء .. إسلامية!



يصدعون رؤوسنا هذه الأيام بالحديث عن "الطاقة النظيفة" وكأنها من آخر اختراعاتهم ... دعونا نسمع لكاتب المقال ماذا يقول:



" اخترع المسلمون طواحين الهواء في عام 634 م .. وكانت تستخدم لطحن الذرة وري المياه في الصحراء العربية الواسعة عندما تصبح جداول المياه جافة ... كانت الرياح هي القوة الوحيدة التي تهب من اتجاه ثابت لمدة شهور ... الطواحين كانت تحتوي على 6 أو 12 من الأشرعة مغطاة بأوراق النخل ... كان هذا قبل أن تظهر طواحين الهواء في أوروبا بخمسمائة عام!



هل مازلنا في حاجة لأدلة جديدة على أننا كنا الأوائل ؟!!



الرياضيات .... الخوارزمي يرحب بكم!



يفصِّل الكاتب في ريادة المسلمين لعلم الرياضيات ... فيقول:



" نظام الترقيم المستخدم في العالم الآن ربما كان هندي الأصل .. ولكن طابع الأرقام عربي وأقدم ظهور له في بعض أعمال عالمي الرياضة المسلمين الخوارزمي والكندي حوالي العام 825 .... سميت “Algebra ” على اسم كتاب الخوارزمي “الجبر والمقابلة” والذي لا يزال الكثير من محتوياته تستخدم حالياً .... الأفكار والنظريات التي توصل لها علماء الرياضيات المسلمين نقلت إلى أوروبا بعد ذلك بـ300 عام على يد العالم الإيطالي فيبوناشي ..... إن الـ ” Algorithms” وعلم المثلثات من العلوم التي نشأت في العالم الإسلامي.



على هذه العلوم بنت الحضارة الحديثة كل مجالات التقدم التكنولوجي في الحاسوب والفضاء والأجهزة الكهربائية والمعمار وغيرها ... لقد أعطاهم المسلمون "الأساس" .. فجحدوا فضلهم.



الرفاهية والفخامة والاتيكيت .. منتجات إسلامية !



لا يظنن ظان أن الحضارة الإسلامية كان لها السبق فقط في مجالات الحرب والطب والعلم ... لا .. بل حتى في الرفاهية والفخامة و"الاتيكيت" كنا نحن الأوائل .. استمعوا ما يقول:



" علي بن نفيس والمعروف باسم “زيراب” .. قدم من العراق إلى قرطبة في القرن التاسع الميلادي، وعرّف الغرب لأول مرة بمبدأ الثلاث وجبات اليومية .. وقدّم أيضاً البلور أو الزجاج الشفاف لأول مرة والذي تم اختراعه بعد عدة تجارب بواسطة عباس بن فرناس.



بين التفنن في حياكة السجاجيد .. والأراضي المليئة بمخلفات الحيوانات … هكذا كان المسلمون وهكذا كانوا في أوروبا! ...



بواسطة تقدمهم العالي في فنون الحياكة، ووجود أصباغ جديدة بفضل تقدم المسلمون في الكيمياء، بالإضافة لوجود الحس العالي في استخدام النقوش والتي كانت أساسا للفن الإسلامي غير التصويري ... برع المسلمون في صناعة السجاجيد وغيرها.



على العكس في الجهة الأخرى كانت الأرضيات في أوروبا بوضوح بلا أغطية حتى وصلتها السجاجيد العربية والفارسية والتي قدمت في انجلترا .... كما سجل "إيسراموس” أن الأرضيات كانت مفروشة بالحشائش .. ونادراً ما تجدد .. وأحياناً كثيرة كانت تترك مخلفات البشر والحيوانات وفتات الأطعمة في الشوارع ."



بل أضيف إليكم أن المسلمين هم من اخترعوا أدوات الطعام من الملاعق والشوكات والسكاكين وغيرها، ووصفوا طرق استعمالها والبروتكول الخاص بالطعام والشراب والضيافة ... لقد اهتمت حضارتنا بأدق الأمور ... فهل يقرون بذلك؟



المسلمون والفلك



حين نأتي لمجال الفلك ... فحدث ولا حرج عن سبق الحضارة الإسلامية ... استمع لكاتبنا:



" في القرن التاسع عشر قال الكثير من علماء المسلمين أن الأرض كروية ... وكان الدليل كما قال الفلكي “ابن حزم” أن الشمس دائما ما تكون عمودية على نقطة محددة على الأرض ... كان ذلك قبل أن يكتشف "جاليليو" ذات النقطة بـ500 عام .. ( نلاحظ أن ابن حزم لم يعدم لقوله هذا عكس ما حدث مع جاليليو من الكنيسة!) .



وكانت حسابات الفلكيين المسلمين دقيقة جدا ... ففي القرن التاسع حسبوا محيط الأرض ليجدوه 40,253.4 كيلومتر وهو أقل من المحيط الفعلي بـ200 كيلومتر فقط! ... رسم العالم الإدريسي رسما دقيقاً للكرة الأرضية لأحد الملوك في عام 1139 ميلادية".



بل ولتقرأ معي ما كتب عن هذا المجال الهام في "إسلام أون لين" ... ليزداد تعجبك:



" لقد كان الفلك محور اهتمام علماء المسلمين منذ أكثر من ألف سنة، وتعد الإنجازات التي حققها المسلمون في هذا المجال أساسا للتطور الذي طرأ بعد ذلك على هذا العلم في أوروبا ... وعلى الرغم من أن البولندي كوبرنيكوس هو مؤسس علم الفلك الحديث، لكن المؤرخين أثبتوا أخيرا أن معظم نظرياته اعتمدت على نظريات نصير الدين الطوسي وابن الشاطر ... فنظرية الكواكب والنماذج لابن الشاطر مطابقة تماما لتلك التي أعدها كوبرنيكوس بعده بأكثر من قرن، الأمر الذي أثار جدلا حول كيفية حصول كوبرنيكوس على تلك المعلومات.



وقد أطلق مؤرخو علم الفلك على الفترة الزمنية من القرن الثامن إلى القرن الرابع عشر الميلادي اسم "الحقبة الإسلامية"، حيث إن أغلبية الدراسات المتعلقة بالنجوم في هذه الفترة كانت تتم في العالم الإسلامي.



وهل تعلم أن "إسطرلاب" كلمة عربية الأصل، وهي الآلة المستخدمة لرصد النجوم، وقد استخدمها علماء الفلك المسلمون على نطاق واسع، وظلت معروفة في العالم الإسلامي حتى القرن التاسع عشر الميلادي ... وذكر عبد الرحمن الصوفي، وهو واحد من أشهر علماء الفلك في العالم الإسلامي في القرن العاشر الميلادي، في كتاباته أكثر من ألف استخدام للإسطرلاب.



بل إن أول مرصد للنجوم إسلامي المنشأ ... فقد أعطى الخليفة المأمون، الذي حكم بغداد خلال الفترة بين 813 حتى 833م، أهمية خاصة لعلم الفلك ليتبوأ مكانة رفيعة بين العلوم، وبنى أول مرصد في الإسلام ... بل يمكن القول إنه بنى أول مرصد في العالم أو في التاريخ".



حين وضع الأميركيون أول قدم للإنسان على سطح القمر ملأوا الدنيا بأحاديثهم عن مجد الحضارة الأمير كية وتقدمها ... ولو صدقوا لردوا الفضل إلى أهله من علماء المسلمين الرواد في مجال الفلك، الذين مهدوا لهم هذا الطريق ... ولكنهم لا يَصدُقون.



ومجالات أخرى عديدة



ليست هذه هي كل مجالات التقدم الإسلامي في العلوم والآداب، بل هذا غيض من فيض ... ولنستمع لمجالات أخرى ربما لم تخطر على بال أحد .. سطرها كاتبنا وموقعنا أيضاً:



" فالقلم الجاف اخترع في مصر أول مرة لأجل السلطان في عام 953 .. حينما طلب قلما لا يلوث يداه أو ملابسه ... وكان القلم يحتوي على الحبر في خزانة مثل الأقلام الحديثة .



والشيكات أيضاً إسلامية المنشأ ... فكلمة “Cheque” الغربية أتت في الأصل من الكلمة العربية “صك” , وهي عبارة عن وصل مكتوب يستخدم لشراء السلع, وذلك لتفادي مشاكل نقل الأموال وتعرضها للمناطق الخطرة .. في القرن التاسع عشر كان يستطيع رجل الأعمال المسلم أن يدفع في الصين بواسطة شيك لبنك في بغداد!!



واختراع الحدائق من فضائل المسلمين ... ففي العصور الوسطى كان لدي الأوروبيون حدائق عشبية, ولكنهم كانوا العرب هم من طوروا فكرة الحديقة كمكان للجمال والتأمل".



" أما الموسيقى فللمسلمين السبق فيها ... فقد اخترع المسلمون العود والعديد من آلات الموسيقية، كما أن النوتة الموسيقية تستخدم حتى الآن أبجديات عربية.



وفي مجال التعليم سبق المسلمون غيرهم في تأسيس نظام تعليمي حديث ... حيث ظهرت أولى الجامعات منذ أكثر من ألف عام مضت عبر المساجد، حيث كان العلم الديني والعلم الدينوي يدرسان جنبا إلى جنب ... وتعد فاطمة بنت محمد الفهري هي مؤسسة أول جامعة في تاريخ العالم وهي جامعة القرويين بمدينة فاس بالمغرب.



أول منحة دراسية كانت من صنع المسلمين ... فالمؤسسات الخيرية الإسلامية "الأوقاف" كانت أول من أرسى نظام المنح الدراسية لدعم الطلبة ومساعدتهم على تحمل أعباء الدراسة.



وقد سبق العلامة السوري الأعمى "زين الدين العميدي" لويس برايل بـ600عام وأنشأ أسلوبا خاصا لقراءة المكفوفين.







وبعد ...



أكاد أسمع من يتمتم بشفتيه بقول الشاعر:



ليس الفتى من قال "كان أبي" إن الفتى من قال "ها أنا ذا"



والحق ... أني ما أردت بهذه الكلمات أن أجتر معكم آلام أمتنا، ولا أن أفاخر بآبائي وأجدادي – وحق لي أن أفعل إن أردت - .. وما قصدت أبداً أن أهرب إلى الماضي من واقع أليم أعيش معاناته كل يوم، ولا أن أحتكر العلم والحضارة للمسلمين وحدهم دون غيرهم كما يفعل الغرب ... أقسم أني ما أردت شيئاً من كل هذا ...



فقط أردت أن أقول ... أننا صنعنا الحضارة، وملكنا زمام العلم، حين توكلنا على ربنا، ووثقنا بأنفسنا، وأخذنا بأسباب التقدم ... وأننا قادرون إن فعلنا نفس الشيء أن نصل إلى نفس النتائج .. وأفضل.



أردت فقط أن أهمس في أذن الشباب ... " لقد كنا الأوائل ... والمستقبل لنا بإذن الله " ...







د. أشرف نجم



الكويت – فبراير 2010







التقدير الاستراتيجي (20): "الجدار الفولاذي" مع قطاع غزة: الخلفيات والتبعات


ملخص التقدير: يبدو أن الحكومة المصرية عازمة على المضي في بناء الجدر الفولاذي، على الرغم من الاعتراضات الواسعة داخلياً وخارجياً؛ وعلى الرغم مما يسببه ذلك من تفاقم لمعاناة نحو مليون ونصف فلسطيني محاصرين في قطاع غزة.



ويظهر أن الضغوط الأمريكية – الإسرائيلية تلعب دورها في بناء الجدار، غير أن انزعاج الحكومة المصرية من حكم حماس للقطاع، بما تمثله من حركية إسلامية وامتدادات إخوانية، وبإصرارها على نهج المقاومة، ورفضها حتى الآن التوقيع على ورقة المصالحة المصرية، يدفع القيادة المصرية إلى ممارسة مزيد من الضغط على حماس لإجبارها على التساوق مع الخط المصري، أو إفشالاً لتجربتها في القطاع.



سيتسبب الجدار بمزيد من المعاناة للغزيين، لكنه من غير المتوقع أن يؤثر بشكل فاعل على صناعة القرار لدى حماس، ولعله سيرتد عكسياً ليؤثر بشكل سلبي على صورة الحكومة المصرية مصرياً وفلسطينياً وعربياً وإسلامياً، وفي الأوساط العالمية المتعاطفة مع القضية الفلسطينية.





مقدمة:

كانت صحيفة هآرتس أول من أورد بأن مصر تقوم ببناء حاجز فولاذي يمتد تحت سطح الأرض، ففي عددها الصادر بتاريخ 11/12/2009 أكدت الصحيفة أن "الجدار" سوف يقام على امتداد الحدود المصرية مع القطاع، بصورة سيصبح معها من الصعب، إن لم نقل من المستحيل، استمرار العمل بالأنفاق الواصلة بين قطاع غزة والجانب المصري من الحدود.



وفي معرض وصفها للمواصفات الفنية لهذا الجدار، أوردت هآرتس معلومات وتقارير تفيد بأنه يتكون من صفائح من "الفولاذ المعالج"، أخضعت لتجارب عدّة أظهرت قدرتها على مقاومة القطع والإذابة، ونقلت بالبحر من الولايات المتحدة إلى مصر.



ولاحقاً، وصفته كارين أبو زيد، المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين – الأونروا، بأنه أكثر متانة من "خط بارليف". وأشارت إلى أن تكلفة بناء الجدار كاملة تعهدت بها واشنطن، مبدية أسفها لاشتراك الحكومة المصرية بمثل هذه السيناريوهات.



القاهرة: من الصمت إلى التبرير إلى الهجوم المضاد:

مرت "الرواية المصرية"، أو بالأحرى ردة الفعل المصرية، حيال الأنباء التي بدأت تنتشر انتشار النار في الهشيم، عن خصائص الجدار ووظائفه وتمويله واستهدافاته، بمراحل ثلاث:



الأولى: تميزت بالصمت التام، حيث امتنع المسؤولون الحكوميون عن الرد على التعليقات والأنباء، بل إنهم مالوا إلى إنكار وجود أمر كهذا، أو نفي علمهم بالمسألة برمتها.



والثانية: جاءت بعد أن تناقلت وسائل الإعلام صوراً وتقاريرَ وشهاداتِ شهود عيان على عمليات البناء الجارية، على قدم وساق، وقد تميزت هذه المرحلة بالسعي للتقليل من شأن "الجدار" والقول بأن القوات المسلحة تقوم بأعمال إنشائية على امتداد الحدود المصرية مع قطاع غزة، تندرج في سياق "تحصين الأمن القومي المصري"، بـ"دوافع مصرية وأيدٍ مصرية"؛ نافية "المزاعم" عن قيامها ببناء جدار فولاذي، أو أنها تفعل ذلك إرضاءً للولايات المتحدة أو خدمة للأمن الإسرائيلي.



والثالثة: الانتقال إلى الهجوم متعدد الجبهات والأدوات، ضد مختلف القوى والجهات التي انتقدت الموقف المصري أو طالبت بوقف أعمال البناء في "الجدار الفولاذي"، وفي هذا السياق، اشتمل الهجوم المصري المضاد على العناصر والأدوات التالية:



1. التقليل من شأن "الجدار الفولاذي"، والاستعاضة عن هذا الوصف بالحديث عن "إنشاءات" و"أعمال إنشائية"، وإشاعة أجواء من الغموض حيال ما يجري على الحدود المصرية – الفلسطينية، وتجنب التعليق على المعلومات التفصيلية التي توردها وسائل الإعلام بهذا الخصوص.



2. العمل لـ"فك الارتباط" بين هذه "الإنشاءات" ووظائفها وأهدافها عن حسابات الأمن الإسرائيلي، كما وردت في ثنايا الاتفاق الأمني الذي أبرمته وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني مع إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش في "ربع الساعة الأخير" لولاية تلك الإدارة.



3. التأكيد المتكرر على أن ما تقوم به مصر، إنما تقوم به على أرضها وداخل حدودها، وفي إطار حقها في ممارسة "السيادة" و"حفظ أمنها القومي"، إلى غير ما هنالك من دفوعات قانونية، لا تأخذ بعين الاعتبار، أبداً، الظروف الخاصة بقطاع غزة المحاصر والمجوّع والمنكوب، واستمرار إغلاق المعابر، بما فيها معبر رفح.



4. محاولة الربط بين ما تقول القاهرة أنه "تحصين" لحدودها وأمنها القومي من جهة، والعمليات الإرهابية التي ضربت المرافق السياحية المصرية في شرم الشيخ وطابا ودهب من جهة ثانية. من دون تقديم دليلٍ واحدٍ يؤكد صلة قطاع غزة بتلك العمليات، تخطيطاً وتنفيذاً، سلاحاً وأفراداً، وهو ما يذكِّر بالمزاعم الإسرائيلية بتحول القطاع إلى ملاذ للقاعدة و"الجهاد العالمي".



5. استنهاض "العصبوية المصرية" في مواجهة الفلسطينيين عموماً، وليس حركة حماس وحدها فحسب، فقد شنت بعض وسائل الإعلام المصري، والمحسوبة على جهات رسمية، حملات حاول القائمون عليها البرهنة على أن أمن مصر وكرامتها وسيادتها هي المستهدفة من الفلسطينيين في القطاع.



6. استنهاض الأدوات والأذرع الإيديولوجية (الدينية) للنظام، حيث جرى الاستنجاد بالأزهر وشيخه لإصدار الفتاوى التي "تجيز بناء الجدار"، ومن المؤسف حقاً، أن من أصدر الفتوى من مسؤولي الأزهر الشريف لم يجدوا ممن يدعم فتواهم سوى وزير الأوقاف في حكومة تصريف الأعمال في رام الله.





الجدار وقصة "القطبة المخفية":

لم تكن ردات الفعل الغاضبة التي جوبه بها "الجدار الفولاذي" من داخل مصر وخارجها كافية على ما يبدو لإقناع القيادة المصرية، أو إرغامها على التراجع عن موقفها ووقف عمليات البناء. فما حصل كان عكس ذلك تماماً، إذ تعهد الرئيس المصري شخصياً، باستكمال بناء "المنشآت"، وهو قرر الدخول شخصياً على خط الهجوم الإعلامي والسياسي على حركة حماس وحلفائها وأصدقائها، مستخدماً التصريح حيناً والتلميح أحياناً. وقد دفع ذلك المراقبين للتساؤل عن سر تمسك القيادة المصرية ببناء "جدار العار"؛ كما وصفه سياسيون ومثقفون مصريون.



تُرجِع مصادر ومحللون الموقف المصري هذا، إلى التزام قطعته القاهرة على نفسها في أثناء المداولات السياسية والدبلوماسية التي رمت لوقف عملية "الرصاص المصهور" على قطاع غزة، حيث اشترطت "إسرائيل" الحصول على ضمانات أمريكية وأوروربية ومصرية، بإحكام القبضة على خطوط توريد السلاح والعتاد وكل ما يمكن أن يدخل في صناعة الأسلحة والصورايخ إلى قطاع غزة، لوقف عدوانها عليه. وقد تعهدت الولايات المتحدة وفرنسا وعدد آخر من الدول الأوروبية، بتكثيف رقابتها على الممرات المائية في البحرين، المتوسط والأحمر. فيما طُلب إلى مصر تكثيف رقابتها البرية على امتداد الحدود مع غزة، وتعهدت واشنطن وباريس بتقديم العون اللوجستي والمادي لمصر للقيام بتشديد الرقابة على الأنفاق والمعابر، على طول خط الحدود مع القطاع، فضلاً عن تعزيز الرقابة البحرية في المناطق المجاورة للساحل الفلسطيني.



ورغم أن القاهرة لم تكن جزءاً من الاتفاق الأمني الأمريكي – الإسرائيلي، بل وبرغم أنها أبدت امتعاضاً واضحاً من استبعاد واشنطن وتل أبيب لها عن المحادثات الخاصة باتخاذ ترتيبات أمنية ستتم على الأرض المصرية، إلاّ أن الحكومة المصرية وجدت نفسها منساقةً لترجمة هذه الترتيبات وتنفيذها على أرضها، وبما يخدم "نظرية الأمن الإسرائيلية" شديدة التطلّب؛ وهذا ما نطق به مؤخراً مسؤولون إسرائيليون على أية حال، عندما وصفوا ما تقوم به مصر بأنه "يشكل أفضل خدمة لأمن إسرائيل".



في تفسير الموقف المصري هذا، يدرج المحللون السياسيون والاستراتيجيون جملة من الأسباب التي تدفع الحكومة المصرية إلى القيام بهذا العمل، ويمكن تقسيم هذه الأسباب والعوامل إلى نوعين اثنين:



1. العوامل بعيدة المدى:

ويدرجها المراقبون في خانتين: الأولى تتعلق بالضغوط والإملاءات المزدوجة التي تتعرض لها القاهرة من الولايات المتحدة و"إسرائيل"، والتي أصبحت واحدة من "محددات السياسة الخارجية المصرية" طوال العقود الثلاثة التي أعقبت التوقيع على معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية، التي فرضت قيوداً أمنية وعسكرية وسياسية على مصر، فضلاً عن ميل السياسة الخارجية المصرية للتساوق مع "الاستراتيجية الأمريكية" في المنطقة، لاعتبارات مختلفة.



والثانية تلك التي تتصل بالسياسة الداخلية المصرية، وبالذات ما يخص منها ملفي "التوريث" و"العلاقة مع الحركة الإسلامية"، فالنظام المصري يضع لقضية "التوريث" اعتباراً رئيسياً، يجعله يسعى لتمرير هذا الملف بدعم أو على الأقل دون اعتراض أمريكي، أو إسرائيلي. والنظام المصري الذي ينظر إلى حماس بوصفها امتداداً للحركة الإسلامية في بلاده، أو وجهاً آخر لها، يجد مصلحته في وضع كل ما تقع عليه يداه من عوائق وعراقيل في طريق الحركتين معاً، وبالأخص إسقاط حكم حماس في غزة للبرهنة على "فشل الإسلاميين" في الحكم، و"عدم صلاحيتهم" للدخول على خط المشاركة والانتخاب وتداول السلطة، إلى غير ما هنالك.



2. العوامل المباشرة:

في هذا السياق، تسعى الحكومة المصرية إلى تحقيق جملة من الأهداف التكتيكية، أهمها:



أ. خنق حماس في قطاع غزة، وتأليب الرأي العام الفلسطيني هناك ضد حكومتها؛ توطئة لعزلها وإسقاطها، أو التسليم بفشلها في تجربة الحكم والحكومة، وهذا أضعف الإيمان.



ب. تقليم أظافر حماس، وتجفيف مصادر الدعم الخارجي لها، تسليحياً ومالياً؛ فالحركة التي خاضت حرباً مع "إسرائيل" لثلاثة أسابيع، أصبحت في أمسّ الحاجة لتجديد وتطوير ترسانتها العسكرية استعداداً لجولات قادمة محتملة مع الجيش الإسرائيلي، والأرجح أن الأنفاق هي واحدة من أهم قنوات تهريب هذه القدرات.



ج. إرغام حماس على "التساوق" مع مسعى القاهرة الرامي للاستحواذ على "الملف الفلسطيني" بمختلف صفحاته وأوراقه، فالقاهرة التي استيقظت متأخرة على تآكل دورها الإقليمي، تريد استرجاع هذا الدور وإعادة لملمة الأوراق بيدها.



د. معاقبة حماس على عدم توقيع ورقة المصالحة المصرية، في سابقة تظهر ميل قوى فلسطينية للتعامل باستقلالية و"ندية نسبية" مع القاهرة، وهو أمر لم تألفه الدبلوماسية المصرية من قبل، وهذا ما يفسر حالة الغضب غير المسبوقة على حماس والتي عبر عنها أقوى رجلين في النظام المصري: الرئيس ومدير مخابراته.



هـ. من المحتمل أن هناك رغبة بمعاقبة حماس على قبولها "الوسيط الألماني" في صفقة تحرير الأسرى ومبادلتهم بالجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، الأمر الذي اعتبر استبدالاً للدور المصري، وكشفاً لعجزه عن إدارة هذا الملف.





الجدار: السيناريوهات والتبعات:

يبدو أن السيناريو المرجح حالياً هو سيناريو استمرار عملية البناء، حيث أنه في المدى المنظور، ليس من المتوقع أن تتراجع الحكومة المصرية عن قرارها بناء الجدار الفولاذي، بل إن من المرجح أن تتواصل عمليات البناء وتتسارع في المرحلة المقبلة، وسيواصل النظام اللعب على "أوتار مصرية شعبوية" حساسة، وسسيستمر في تكرار مقولات "السيادة" و"تحصين الأمن القومي".



وسيظل هذا السيناريو هو الاحتمال الواقعي المرجح، طالما أن حملة مقاومة الجدار وإدانته لم تصل بعد إلى مستوى إقناع صانع القرار المصري بأن "خسائره ستفوق مكاسبه"، إن هو استمر في إدارة الظهر لنداءات الفلسطينيين والمصريين والعرب والمسلمين وأصدقاء الشعب الفلسطيني وكل الأحرار والشرفاء في العالم برفع الحصار ووقف التجويع، والتوقف عن بناء "المنشآت"، خصوصاً أن المعطيات لغاية تاريخ إعداد هذا التقدير، تشير إلى أن وتيرة بناء الجدار أسرع من نسبة تفاعل معارضيه.



أما التبعات المترتبة على هذه الخطوة، فمن الممكن أن تسير نحو أحد اتجاهين:



1. الضغط على حركة حماس:

مما لا شك فيه، أن استكمال بناء الجدار، ستكون له تبعات ثقيلة على حركة حماس وحكومتها وسكان القطاع على حد سواء.



في البعد الأمني والعسكري، سيخدم الجدار بعض الوظائف التي أنشىء من أجلها "جدار الفصل العنصري" في الضفة الغربية، والذي أسهم من دون شك، في خفض "منسوب" العمليات الفلسطينية ضد الاحتلال، وحدّ من قدرة فصائل المقاومة على "تهريب" السلاح والمقاتلين إلى داخل "الخط الأخضر"، وستكون لما أسماه المصريون أنفسهم "جدار العار" ذات الوظيفة.



وفي البعد الإنساني، سيزيد الجدار من معاناة أبناء القطاع، فهو يكمل دائرة الحصار المحكم من "جهاته الخمس"، وسيفقد القطاع جزءاً كبيراً من موارده واحتياجاته، خصوصاً إذا ما أُخذ بعين الاعتبار، أن ما يقرب من 60 بالمائة من احتياجات القطاع الغذائية والعلاجية تأتيه عبر الأنفاق.



أما في البعد السياسي، فإن من المتوقع أن تكون للجدار عند استكماله، نتائج مباشرة في إطلاق جولة جديدة من الجهود السياسية والدبلوماسية على مسارات: استئناف الحوار وإتمام المصالحة، إنجاز صفقة شاليط، وفتح المعابر والشروع في إعادة الإعمار؛ تقوم بها مصر وأطراف عربية ودولية، لاستطلاع إمكانية توظيف "الجدار" لانتزاع تنازلات من حماس في هذه الملفات جميعها. فالحركة التي أظهرت حتى الآن قدرة على الثبات على مواقفها، والصمود على الأرض، وفاجأت كثيرين ممن توقعوا انهيار تجربتها سريعاً (4-5 أشهر) تحت ضربات الحصار والعقوبات والحرب والتآمر الداخلي والخارجي، من المتوقع أن تتعرض لاختبارٍ قاسٍ جديدٍ في غضون الأشهر القليلة القادمة.



2. الضغط المضاد على مصر:

في المقابل، فإن الأطراف المختلفة (وليست حماس وحدها) ستجد نفسها في وضع حرج أيضاً، يملي عليها التحرك على هذه المسارات، فالقيادة المصرية التي ستصبح شريكاً (رسمياً) في حصار قطاع غزة، ستظل تواجه طاقة الغضب والانتقاد المتّقدة في مصر وفلسطين وخارجهما لدورها هذا، وهي تواجه أيضاً أزمات داخلية تتسبب في تآكل صورتها. و"أصدقاء غزة الحرة، وحركة التضامن مع شعبها المحاصر"، سيصعّدون أنشطتهم التضامنية المحرجة لكل "الشركاء" في تنفيذ "هذه السيناريوهات سيئة السمعة"، وفقاً لوصف كارين أبو زيد.



في حين تواجه السلطة الفلسطينية مأزق انحباس عملية السلام وانهيار خيار "المفاوضات حياة"، واستخفاف نتنياهو بمطالبها شديدة التواضع (تجميد الاستيطان سراً ولبضعة أشهر)، وميله لجعل "اعترافه بحل الدولتين" مقبرة للحلم الفلسطيني بالحرية والاستقلال.



وكذا الحال بالنسبة لواشنطن التي يبحث رئيسها جاهداً عن نصرٍ، أي نصر، في الداخل أو الخارج، فلا يجد غير الأعذار يقدمها تبريراً للفشل، واعتذاراً عن نقصٍ في المعرفة، وسوءٍ في التقدير. فيما "مهمة ميتشيل" التي من المقرر لها أن تبدأ بـ"إجراءات بناء ثقة" لن تقوى على تجاهل الكارثة الإنسانية المتجسّدة في القطاع، وسيجدُ الموفدُ الأمريكيُّ نفسه مضطراً لإدراج بعض البنود المتعلقة بالقطاع في المبادرة الجديدة، الآخذة في التشكل، على الأقل من باب حفظ المصداقية وماء الوجه، وهذا ما اتضح على أيةِ حالٍ، من التسريبات المبكرة حول بنود مبادرة ميتشيل الجديدة ومضامينها.



مقترحات:

1. مطالبة الحكومة المصرية بالإلغاء الفوري لبناء الجدار الفولاذي، وفتح معبر رفح وإنهاء الحصار.

2. تفعيل الأنشطة الإعلامية والثقافية التي توضح الآثار السلبية للجدار، والحصار، وتكشف معاناة أهل غزة بأشكالها المختلفة.

3. تفعيل التحركات القانونية ضد كافة أشكال الحصار للشعب الفلسطيني بما في ذلك الجدار الفولاذي.

4. مطالبة الحكومة المصرية بتفعيل دورها الرائد في دعم الشعب الفلسطيني، وحمايته ورفع معاناته.





* يتقدم مركز الزيتونة للأستاذ عريب الرنتاوي، مدير مركزالقدس للدراسات السياسية في عمّان، بخالص الشكر على كتابته النص الأساسي الذي اعتمد عليه هذا التقدير.





مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 11/2/2010



الخميس، 11 فبراير 2010

بمناسبة إعادة اعتقاله و قيادات الإخوان بتهمة العنف و التكفير ننشر مقال د.عصام العريان... ولا تعليق

الإخوان لن ينزلقوا إلى العنف.. لماذا؟

الإثنين, 2010-01-18 10:53 جريدة الدستور

د. عصام العريان – عضو مكتب الإرشادTop of Form

Bottom of Form


في حوارتليفزيوني مع د. وحيد عبد المجيد - رئيس مركز الأهرام للترجمة والنشر والخبير بمركز الدراسات الاستراتيجية والسياسية بالأهرام - كان التركيز علي مسألة «الإخوان والعنف» وهل هناك احتمال ما - لا يجب إغفاله - بأن الإخوان يمكن أن يُستَدرَجُوا إلي العنف؟

جزمت قطعياً بأن هذا الاحتمال بعيد جداً جداً يصل إلي درجة الاستحالة لأسباب عديدة، يأتي في مقدمتها أن منهج الإخوان يعتمد الدعوة والتربية والتزكية للأفراد والإصلاح الشامل للمجتمعات والنصح للحكومات والنضال الدستوري من أجل التغيير وتداول السلطة عبر صناديق الانتخابات.

وكذلك هناك أسباب أخري أهمها التجارب الإخوانية الفاشلة التي تمت مراجعتها بأمانة والحوادث الفردية التي وقعت من بعض الإخوان في مصر وأدانها الإخوان قيادة ومؤسسات، وانقطاع تلك الحوادث منذ أكثر من 45 سنة كاملة، واعتماد الإخوان منذ ذلك الوقت وبحسم عدم الولوج إلي أي طريق يؤدي إلي العنف بل إدانتهم الكاملة لكل حوادث العنف التي وقعت منذ بداية السبعينيات من القرن الميلادي المنصرم (القرن العشرين) في مصر وغيرها وحتي يومنا هذا.

ويمكن أن أضيف إلي تلك الأسباب الجوهرية سبباً لا يقل أهمية وهو المراجعات التي قام بها الشباب وقادتهم ممن رفضوا منهج الإخوان المسلمين ابتداء لأسباب نفسية وفكرية وعصبية جهوية وانتهاءً لاستعجال الوصول إلي الهدف الكبير وهو تطبيق الشريعة الإسلامية والحكم بما أنزل الله، وقد راجعت تلك الجماعات كالجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد مناهجها الفكرية الداعية إلي العنف كأسلوب انقلابي للوصول إلي سدة الحكم أو اللجوء إلي حرب عصابات لإنهاك النظم الحاكمة بغية إسقاطها ثم الاستيلاء علي السلطة أو مهاجمة الأقليات المسيحية أو السياح الأجانب من أجل الضغط علي الحكومة والنظام للحصول علي بعض المكاسب أو تحقيق بعض المطالب.

هذه الجماعات التي كانت تنافس الإخوان في جذب الشباب إلي عضويتها، وتمارس نوعاً من الإرهاب الفكري ضد شباب الإخوان، حيث يستهوي الشباب دائماً أمر الحماسة والقوة والفتوة والعنف، كما يستهويهم أيضاً الآن الادعاء ببلوغ مرتبة العلماء والتصدي للفتوي من غير تأهيل ولا علم.. لم تكتف تلك الجماعات فقط بمراجعة ممارساتها الخاطئة في شجاعة بل تصدت لأصل القضية وهو السند الفقهي أو الفكري أو الحركي لاتخاذ العنف سبيلاً للوصول إلي هدف نبيل، ويمكن إضافة هذه المراجعات إلي ما سبق أن كتبه مفكرون من الإخوان كالشيخ القرضاوي وغيره، والذي أكدّ في السفر الجليل الأخير له عن «فقه الجهاد» لدحض فكرة العنف الأهلي والتغيير الفوقي للنظم الحاكمة والوقوع في فخ الفتنة الدموية، ليؤكد في النهاية أن خيار الإخوان الأصيل الابتعاد عن العنف كمنهج للتغيير واعتماد الإصلاح الاجتماعي بتغيير النفوس والنضال الدستوري عبر المؤسسات الدستورية البرلمانية هو الأحق بالاتباع، حيث عاد إليه الجميع تقريباً وكان آخرهم الأستاذ «عبود الزمر» الذي كتب وصيته ونشرتها جريدة الشروق المصرية يومي 13/1، 14/1/2010، وقال إنه عاد عن رأيه السابق في دخول الإخوان للانتخابات البرلمانية وإنه يؤيد ذلك الخيار حاليا ًعلماً بأن ذلك الخيار قديم جداً للإخوان منذ عام 1939م، وتأكد بوثائق قديمة ومتجددة، واعتمد في التطبيق العملي في معظم الدول التي يوجد بها تنظيمات للإخوان المسلمين أيّاً كان اسمها، وثبت نجاحه في بعض البلاد جزئياً أو كلياً رغم الانسداد السياسي الذي تعاني منه معظم البلاد الإسلامية بسبب الديكتاتورية التي تحميها الجيوش والغطاء الأجنبي لمعظم الحكومات، ولكن ذلك الانسداد تسبب في نمو غير طبيعي للفساد ونهب الثروة الوطنية وتدهور شديد في الخدمات الأساسية وتوقف شبه تام لجهود التنمية في كل المجالات مما أدي إلي سخط شعبي عارم يطالب بالتغيير ويؤيد البديل الإسلامي السلمي المعتدل ممثلاً في الإخوان المسلمين ومدرستهم الفكرية.

أضف إلي تلك المقدمات الضرورية أن المناخ العالمي والإقليمي هو مناخ التغيير السلمي عبر صناديق الانتخابات، وليس عصر الانقلابات العسكرية أو الثورات الشعبية وهناك إنهاك شديد للشعوب بسبب الحروب الأهلية.

في تصور الإخوان المسلمين أنه ليس هناك طريق أخري تحقق الهدف المنشود:

يقول حسن البنا: «إن هذه الطريق مهما طالت فليس هناك غيرها في بناء النهضات بناء صحيحاً، وقد أثبتت التجربة صحة هذه النظرة، وأن العامل يعمل لأداء الواجب أولاً ثم للأجر الأخروي ثانياً ثم للإفادة ثالثاً، وهو إن عمل فقد أدي الواجب وفاز بثواب الله، ما في ذلك من شك، متي توفرت شروطه، وبقيت الإفادة وأمرها إلي الله، فقد تأتي فرصة لم تكن في حسبانه تجعل عمله يأتي بأبرك الثمرات، علي حين أنه إذا قعد عن العمل فقد لزمه إثم التقصير، وضاع منه أجر الجهاد، وحُرِم الإفادة قطعًا».

ويقول أيضاً للمتعجلين:
«ومع هذا فالإخوان أعقل وأحزم من أن يتقدموا لمهمة الحكم ونفوس الأمة علي هذا الحال، فلابد من فترة تنتشر فيها مبادئ الإخوان وتسود، ويتعلم فيها الشعب كيف يؤثر المصلحة العامة علي المصلحة الخاصة».

ويتكلم باستفاضة عن الإخوان والقوة والثورة فيقرر أن القوة هي شعار الإسلام في كل نظمه وتشريعاته، بل هي شعار المسلم حتي في دعائه الذي هو مظهر الخشوع والمسكنة ثم يقول بوضوح:
«ولكن الإخوان المسلمين أعمق فكراً وأبعد نظراً أن تستهويهم سطحية الأعمال والفكر، فلا يغوصون إلي أعماقها، ولا يزنوا نتائجها، وما يقصد منها ويراد بها، فهم يعلمون أن أول درجات القوة قوة العقيدة والإيمان ويلي ذلك قوة الوحدة والارتباط ثم بعدها قوة الساعد والسلاح».ويضيف «ونظرة أخري: هل أوصي الإسلام - والقوة شعاره - باستخدام القوة في كل الظروف والأحوال، أم حدد لذلك حدوداً، واشترط شروطاً، ووجّه القوة توجيهاً محدوداً؟.
ونظرة ثالثة: هل تكون القوة أول علاج، أم أن آخر الدواء الكيّ؟ وهل من الواجب أن يوازن الإنسان بين نتائج استخدام القوة النافعة ونتائجها الضارة وما يحيط بهذا الاستخدام من ظروف، أم من واجبه أن يستخدم القوة وليكن بعد ذلك ما يكون؟».
إذن طريق الإخوان معروفة، سلمية دستورية، علنية وسطية، تعمل وفق القانون الإلهي الثابت.

(إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّي يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد: من الآية11)
وهنا يرد تساؤل الصديق د. وحيد عبد المجيد: أليس من المتوقع أن ينزلق الإخوان إلي العنف اضطراراً وليس اختياراً كما حدث في سوريا مثلاً؟
أقول: إن تجربة سوريا لا يجوز القياس عليها، خاصة أنها لم تتكرر في أي مكان آخر وأيضاً لأن مراجعتها تمت في مؤسسات الإخوان ولولا تدخل الأجهزة الأمنية لحدثت مصالحة بين الإخوان السوريين وبين النظام السوري منذ نهاية الثمانينيات.
وتجربة سوريا لم تكن اضطراراً بالمعني الواضح ولكنها كانت استدراجاً من مجموعات صغيرة «الطليعة المقاتلة» وفي ظروف وبيئة إقليمية وعالمية مغايرة تماماً وانضم إلي ما سُمي وقتها «الثورة الإسلامية» شيوعيون وقوميون ومستقلون ومعارضون للنظام السوري أملاً في تغيير فوقي له أو هبّة شعبية ضده، وهي تحتاج إلي بحث مستقل تماماً ولا تكفي فيها تلك الكلمات السريعة، إلا أنني أضيف هنا للأهمية: أنه لا توجد لا نية ولا استعداد، ولا قدرة علي ذلك وسط العمل العلني الواسع الانتشار والمتابعة الأمنية الشديدة التي اعتقلت خلال 15 سنة قرابة 30 ألفاً من الإخوان لم تجد لديهم لا وثيقة ولا ورقة ولا أدوات ولا أفكارًا أو حتي أحلام يمكن استخلاصها تحت التعذيب بأن هناك اتجاهًا إلي العنف.
وقد لجأ بعض المحامين المنتدبين في المحاكم العسكرية للإخوان لنفي تهمة العنف والإرهاب، فما كان من الضابط رئيس هيئة المحكمة (المجلس العسكري) إلا أن تدخل بحسم ليقول للمحامي المنتدب: ليس هناك في الأوراق تهم بالعنف أو الإرهاب.
ويتساءل د. وحيد مع آخرين: أليس من الممكن في ظل عدم جدوي المشاركة السياسية والانسداد السياسي والإقصاء الدستوري أن يلجأ الإخوان إلي العنف؟
وأجيب باختصار أرجوا ألا يكون غير مخلّ:
إن جدوي مشاركة الإخوان في العمل السياسي يجب أن يتم قياسها وفق خطتهم هم وليس استراتيجيات غيرهم، ووفق الأهداف التي حددوها هم وليس أهدافنا في ذهن غيرهم وإن خالفت المستقر في العلوم السياسية التي تجعل الهدف الرئيسي والنهائي للمشاركة السياسية هو الوصول إلي تداول السلطة تبوء الحكم.
لذلك يجعل الإخوان لمشاركتهم السياسية في ظل الانسداد السياسي واحتكار السلطة أهدافاً جزئية وفرعية، مع العمل المتواصل والدءوب لتحقيق إصلاح شامل يبدأ بإصلاح دستوري وسياسي تتضافر عليه جهود كل القوي السياسية ويؤيده ويشارك فيه الشعب بكل فئاته حتي يتحقق الهدف الأصيل للانتخابات وهو تداول السلطة سلميا.
من هذه الأهداف:

1) تثبيت منهج الإخوان السلمي في نفوس الإخوان والشعب.

2) تدريب الإخوان والنواب علي العمل السياسي والمجتمعي.

3) تقديم الخدمات للشعب عبر النواب ومكاتبهم وتشجيع العمل الأهلي.

4) مقاومة الفساد عن طريق الرقابة النزيهة علي أداء الحكومة والوزراء والمسئولين في جميع المواقع.

5) رفع المظالم عن الناس والتحقيق في شكاواهم.

6) تفعيل الدور الدستوري للبرلمان خاصة التشريعي، والإعداد الجيد لمشروعات قوانين في جميع المجالات إعذاراً إلي الله بالعمل علي تطبيق الشريعة الإسلامية.

7) إعداد رجال دولة قادرين علي فهم السياسات العامة والعلاقات الدولية وتقديم البدائل وطرح البرامج في جميع أنشطة الحياة.
هل هناك جدوي من المشاركة؟
القادرون علي الإجابة عن ذلك، هم الإخوان أنفسهم وفق أهدافهم، ولعل الجواب وصل للجميع من خلال إصرار الإخوان علي المشاركة باستمرار رغم الحصار والتعب والإجهاد ورغم كل محاولات الإبعاد والإقصاء.

إذن وكما قلت في البداية لا يمكن أن يلجأ الإخوان إلي العنف وعلي من يردد ذلك أن يراجع نفسه وأفكاره.

الأحد، 7 فبراير 2010

من مذكرات معتقل سابق:

أنا إخوان.... أنا مصري.... أنا موجود

و الله حسدتك ياعصفور

بتقدر تطير من فوق السور

و تشم الهوي و تشوف النور

علي الأقل مازال

إسمك عصفور

و لم تصبح بعد
إنسان محظور

رسالة من دفتر الأسرار

جنتـــــــــــــــــــــــان
حض النبي صلي الله عليه و سلم عليها أصحابه و أمته فوضحها و جلاها لهم ليخطبوها و قال: " ألا مشمر للجنة ؟ فإنها – و رب الكعبة - نور يتلألأ .. و ريحانة تهتز .. و زوجة حسناء .. و فاكهة نضيجة .. و قصر مشيد .. و نهر مطًرد – الحديث – فقال الصحابة: يارسول الله نحن المشمرون لها . فقال: قولوا: إن شاء الله"
أخي في الله.. اليقين من الإيمان بمنزلة الروح من الجسد. به تفاضل العارفون و فيه تنافس المتنافسون و إليه شمر العاملون. هو روح أعمال القلوب التي تثمر أعمال الجوارح و هو حقيقة الصديقية. إذا أردت أن يهبه الله لك و تجني ثمرته فاتبع وصية رسول الله صلي الله عليه و سلم حيث قال " لا ترضين أحدا بسخط الله و لا تحمدن أحدا علي فضل الله و لا تذمن أحدا علي مالم يؤتك الله فإن رزق الله لا يسوقه إليك حرص حريص و لا يرده عنك كراهية كاره. و إن الله بعدله و قسطه جعل الروح و الفرح في الرضا و اليقين و جعل الهم و الحزن في الشك و السخط"
أخي في الله ... في الدنيا جنة من لم يدخلها لن يدخل جنة الآخرة فشمر و حي علي الفلاح ولمن خاف مقام ربه جنتان جنة الرضا و اليقين في الدنيا و جنة المأوي في الآخرة إن شاء الله.
و الحمد لله رب العالمين.

الحقوق محفوظة لـ - مدونة المرايا المستوية | الإخوان المسلمون