صدق هو وعد الله للمؤمنين بالنصر والتمكين في الدنيا والآخرة ( وعد الله الذين امنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم ولبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بى شئ ) ، ومفلح هو من سار على هدى المصطفى صلى الله علية وسلم عبادة ودعوة وسعيا في الأرض حتى يصبح عبدا ربانيا يكاد لو اقسم على الله لأبره فهو محب لله ويعمل لإعلاء كلمته لتكون هي العليا مضحيا براحته في سبيل الله وفى سبيل إسعاد الآخرين والسعي بالخير بين الناس والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة و احسب أن من هؤلاء الرجال المرحوم الدكتور حسين الدرج الذي توفى فجر الجمعة الموافق 25/6/2004
، ولا اعتبر - في حقيقة الأمر - خريجا لتلك المدرسة إذا قيست معرفتي به بالسنين وللدكتور الدرج تلاميذ أفاضل تربوا على يديه وشربوا منه الكثير ، رباهم على يديه ومنذ نعومة أظفارهم ، ولست بالتالي ممن يحق لهم الحديث عن هذا الرجل العملاق إلا أن حديث الأخ الفاضل الدكتور أنور حامد عنه شجعني أن أروى بعضا مما رأيت من مواقف تنبئ عن حقيقة هذا الرجل العملاق وتبين فضله وتعرف السائرين على الطريق كيف يكون العمل في وسط المجتمع لتؤثر فيه وكيف تزرع فيه الخير حتى ولو لم تقطف أنت ثمرته .
حين ترشح الدكتور الدرج فى انتخابات مجلس الشعب عام 2000 م خرجت شبرا الخيمة عن بكرة أبيها في سابقة لم تحدث من قبل مسيحييها قبل مسلميها لتؤيد الدكتور الدرج والذي كان مرشح الإخوان المسلمين عن دائرة قسم أول شبرا الخيمة فقد عايشوا الرجل وعرفوه وأيقنوا انه الأقدر على أن يمثلهم تحت قبة البرلمان ويدافع عن حقوقهم ، وحين بداء يوم الانتخاب وفى الإعادة اخذ يمر الرجل على المدارس الواحدة تلو الأخرى حتى يتابع العملية الانتخابية ولما تعثرت السيارة التي كنا نركبها واقترب موعد صلاة الظهر أصر الرجل على أن يدرك الصلاة في مسجده ( والذي كان شديد التعلق به ) الذي كان يؤوم الناس فيه إذا به يوقف احد المارة من راكبي الموتوسيكلات ويركب خلفه حتى يصل لمسجده ليصلى بالناس الظهر .
، وبعد الصلاة كنا قد قابلناه وهو يحاول دخول اللجان الانتخابية القريبة منه وإذ بالأمن يمنعه من الدخول حتى للإدلاء بصوته هو ولما أصر الرجل ادخلوه وحدة ليقابل القضاة المشرفين على العملية الانتخابية ثم رجال الأمن الذين اعلموه ساعتها أن قرار صدرا بمنع دخول أحدا من الناخبين للجان أو التصويت في شبرا الخيمة فخرج الرجل للناس في هدوء وابتسامة قائلا لهم ( إننا نشكركم على هذا التفاعل وعلى خروجكم ولقد والله حصلنا على ما أردنا وأرجوكم أن تعود والى بيوتكم في سلام وهدوء حتى لا يتعرض احد بالأذى لتلك الجموع او يختنق الاهالى بالغاز المسيل للدموع ) ولم يكد الرجل ينهى حديثة حتى تعالت الصرخات من جموع الاهالى العاديين وأخذت جموع الشباب في البكاء ( وبالمناسبة لم يكونوا من الإخوان ) رافضين ان يتنازلوا عن الرجل الذي اختاروه لأنفسهم وبدأوا يدفعون الرجل لدخول اللجان للتصويت بشدة حتى أتعبوا الرجل وكل من كان محيطا بالدكتور الدرج محاولين اخراجة من محيط تلك اللجان واخذ الرجل يبكى ويرجوهم بالعودة إلى بيوتهم حرصا على سلامتهم وهم يبكون فى حرقة فى مشهد مفعم بالأحاسيس والمشاعر لم أر مثله ولن أنساه ما حييت حتى اننى رأيت ضباط الشرطة يبكون هم أيضا من مقدار ما رأوه من حب الناس لذلك الرجل .
، ولم يكن ذلك الحب والالتفاف الجماهيري وليد لحظة او دعاية انتخابية إذ كان الرجل دائما بين الناس يشاركهم أفراحهم وأتراحهم يوقفه الصغير او الكبير فيمتثل في لين وحب وابتسامته لا تكاد تفارق محياه وساعدته مهنته كطبيب قلب وأوعية دموية ان يختلط بالناس حتى اذا اذن للصلاة قام ليصلى فى مسجده الذى لا يبعد عن عيادته الا أمتارا معدوده .
، ومما يروى عنه انه كان يحث احد الشباب ليبتعد عن طريق الانحراف فدفعه ليقيم مشروعة الصغير ( عربة كبده ) ليكسب قوت يومه منها بالحلال وكان يمر على تلك العربة يوميا بعد انتهاء موعد العيادة ليأخذ منه سندوتشات الكبدة حتى أن زوجة الدكتور ( الأخت أم عائشة ) راجعته في أمر شراء هذه السندوتشات ولكن الرجل أصر على عادته حتى استقام أمر هذا الشاب .
وكان من يرى الرجل يجده رجلا وكأنه الأسد يشبه كثيرا الدكتور عبد العزيز الرنتيسى وكنت تراه يصعد المنبر ليلقى خطبة الجمعة فتحس مدى هيبته لمنبر رسول الله صلى الله علية وسلم في قلبه - وهو الخطيب المفوه وابن جامعة الأزهر - والذي يظهر في حركاته ولفتاته وهو على المنبر وقد كان رحمة الله جياش المشاعر قريب العبرات خاصة مع أبناءة واشد ما يكون مع ابنته عائشة .
لقد كان الرجل يعبد ربه سلوكا واحتكاكا بالناس شفوقا عليهم يدخل البيوت ليداوى المرضى لا فرق فى ذلك بين غنى او فقير امين على اسرارهم يدلهم على الخير لهم ولأبنائهم محبوبا يدخل البيت كطبيب يداوى البدن فإذ به يخرج منه كصديق وطبيب يداوى الروح ويصلح بين الناس حتى ولو كانوا اهل بيت واحد .
، واحسب ان للرجل حظا كبيرا من الزهد فلم يلتفت للدنيا ليجمع منها حلالا لأولاده لينتفعوا به بعد مماته ولكن ترك لهم الحب والتقدير من الناس إحياء لذكراه وإكراما له ، فلم يشاء الرجل ان يترك عيادته بين اهالى شبرا الخيمة وهو الحي الفقير ليفتح عيادة فى مكان اخر يستطيع ان يرفع فية قيمة الكشف و لم يترك لهم من المال الا بقدر سنوات قليلة قضاها بجوار بيت الله الحرام وسرعان ما عاد الى أحبابه وأهلة الذين احبوة .
ولما كان يوم وفاته يوم جمعه وعلم الناس بخبر وفاته حوالى الساعة العاشرة صباحا امتلئ مسجده والمساجد المحيطة به بالمصليين وخرج ابناء شبرا الخيمة عن بكرة أبيهم وبالآلاف ليودعوا الرجل الوداع الأخير فى مسقط رأسة بمحافظة الشرقية فرحم الله الرجل العملاق صاحب مدرسة فى الربانية و مخالطة المجتمع والتأثير فية ودعوته لدين الله فكان ان اجمع علية الناس صالحهم وطالحهم ولم يرتضوا بغيرة نائبا عنهم بمجلس الشعب المصري ومن قدر الله أن تظل مدينة شبرا الخيمة قسم أول بلا نائب حتى انتخاب الدكتور محمد البلتاجي رفيق درب الدكتور الدرج والذي مكث بجواره وتابع حالته الصحية في مرضه الأخير وحتى وافته المنية رحمة الله غير مبدل ولا مفرط فكان ممن قال عنهم الله فى كتابة
( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله علية فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا )
بقلم : البدوي عبد العظيم البدوي
مستشار قانوني – محكم تجارى دولي - باحث
0 التعليقات:
إرسال تعليق