بعد مرور عام على العدوان، تعاود التساؤلات القديمة لتطرح نفسها من جديد: هل تقدم "إسرائيل" على شن عدوان على قطاع غزة؟ وما هي الآفاق التي يمكن أن يصل إليها عدوان كهذا؟
لتستقيم الإجابة، من المفترض الإشارة إلى أن وضع حركة حماس وقدرتها العسكرية ومنعتها السياسية، كما تبدو بعد عام على العدوان، يمثّل دافعاً وحافزية للاحتلال، كي يعيد تكرار خياراته العسكرية حيال قطاع غزة.
يضاف إلى ذلك، أن أهم خيار بديل للخيار العسكري لإسقاط حماس أو احتوائها، هو الحصار الإسرائيلي والعربي المفعل منذ عام، مع تحميل الحركة مسؤوليته وما ينتج منه من مآسٍ للشعب الفلسطيني، وربط هذه النتيجة بخيارات الحركة ونهجها المقاوم.
ورغم ذلك، تمكنت حماس من تطوير قدراتها العسكرية، استناداً إلى العبر التي استخلصتها من عدوان 2008، حتى بلغت مستويات قياسية، وفقاً للتقارير الاستخبارية الإسرائيلية، قياساً على ما كانت تملكه من قدرات عشية العدوان، الأمر الذي يزيد من أزمة "إسرائيل" وقدرتها الفعلية على تجاوز حماس بوصفها عقبة تحول دون أي تسوية يراد إمرارها والإصرار عليها من الأمريكيين.
في المقابل، هناك العديد من الأسباب والاعتبارات الكافية لكبح الاندفاعة الإسرائيلية نحو عملية عسكرية واسعة في هذه المرحلة، لعل من أبرزها:
- عدم استنفاد الرهانات على ما قد يقوم به النظام المصري، كخيار بديل للخيار العسكري المكلف، وتحديداً في ظل بناء جدار فولاذي بمزايا يمكن أن يراهن عليها إسرائيلياً، في الحد من تطوير المقاومة في غزة لقدراتها العسكرية، بالمستوى الذي يفاقم تهديدها للأمن الإسرائيلي.
- اضطرار رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو للإنسجام مع الأولوية الأمريكية، في هذه المرحلة، بدفع عملية التسوية على المسار الفلسطيني، وهو ما يؤدي إلى كبح أي اندفاعة مفترضة نحو تصعيد عسكري واسع على الجبهة الفلسطينية، قد يؤدي إلى تداعيات ميدانية وسياسية غير معروفة النتائج.
- الانهماك الإسرائيلي بالاستعداد وتوجيه الأضواء نحو البرنامج النووي الإيراني، بعدما بلغ مرحلة حرجة وتشخيص القيادة الإسرائيلية، بكل عناوينها السياسية والعسكرية والاستخبارية، بأن إيران باتت تملك ما يكفي من الخبرة والمواد والإمكانات التي تمكّنها من صناعة أسلحة نووية.
وأي عدوان على قطاع غزة، سيؤدي إلى حرف أولويات الإدارة الأمريكية واهتماماتها، وهذا آخر ما تريده إسرائيل، نظراً لما تمثله إيران من تهديد للأمن القومي الإسرائيلي.
- فتقر القيادة الإسرائيلية إلى مشروعية دولية لازمة في هذه المرحلة، وتبعاً لها مشروعية داخلية، لشنّ عدوان واسع على غزة، وخصوصاً أن الوضع الأمني شبه الهادئ من شأنه أن يكبح أي اندفاعة في هذا الاتجاه في الوقت الراهن.
كذلك، إن انسداد أفق التسوية، مع حكومة يغلب عليها الطابع اليميني المتطرف، يمثّل عاملاً إضافياً للكبح الإسرائيلي.
ميدانية صرفة، على "إسرائيل" أن تحدد أهدافها من أي عدوان جديد على القطاع، وخصوصاً أن هذا الخيار العسكري قد استُنفد على نحو كبير في العدوان السابق.
وبالتالي على القيادة العسكرية "الإسرائيلية" أن "تنتخب" أهدافها بناءً على ما يمكن أن يتحقق قياساً على تجارب الماضي: إعادة احتلال القطاع، أو تدمير القدرات العسكرية لـ«حماس» وبقية الفصائل، أو تطويعها سياسياً، أو اخيراً فرض إجراءات ميدانية تحول دون مواصلة تعاظم القدرات العسكرية.
في كل الأحوال، يبقى الرهان الإسرائيلي في هذه المرحلة منصباً أساساً على ما قد يحققه النظام المصري في هذا المجال، بانتظار ما ستؤول إليه التطورات الإقليمية على مستوى التسوية، وعلى مسار الملف النووي الإيراني.
وحسبما أفادت الأنباء، اقترح رئيس الوزراء، أثناء زيارته للقاهرة الأسبوع الماضي، أن تستضيف مصر لقاء قمة بينه وبين محمود عباس الذي يقال إنه ينظر إلى ذلك الاقتراح على نحو إيجابي كما قيل.
ما الذي يمكن أن يخرج به المرء من اقتراح نتنياهو؟ هل يمكن أن يكون ذلك الاقتراح بداية لمفاوضات "إسرائيلية" ـ فلسطينية جادة؟ ليس هناك شيء أقل احتمالاً من ذلك. إذا ما نظرنا لهذه الخطوة من جانب نتنياهو فسيتبين لنا أن لها ثلاثة أهداف:
الأول: عزل وإضعاف حماس المكروهة بنفس المقدار - وإن لأسباب مختلفة - من قبل "إسرائيل"، ومن قبل "فتح" التي يقودها محمود عباس في الضفة الغربية، ومن قبل مصر.
"فإسرائيل" ترى أن تحدي حماس المستمر لها لم يعد محتملًا.. وعباس ينظر إلى حماس باعتبارها منافساً خطيراً للقيادة الفلسطينية.. أما مصر فترى أن الحركة الإسلامية الفلسطينية، المرتبطة ارتباطا وثيقاً بجماعة الإخوان المسلمين في مصر، تمثل تهديداً أمنياً لسيناء.
ثانيا: بعض هذه المخاوف، مقرونا بالضغط الذي تمارسه "إسرائيل" والولايات المتحدة، دفع مصر للانخراط في مشروع لمحاولة منع الفلسطينيين من حفر الأنفاق التي تربط بين قطاع غزة والأراضي المصرية من خلال بناء جدار من الصلب يمتد لمسافة عميقة في الأرض على جانبها من الحدود.
ثالثا: ما يدفع نتنياهو لتقديم اقتراحه هو سرقة الأضواء من "جورج ميتشيل" مبعوث أوباما الخاص للشرق الأوسط، الذي يحاول منذ فترة حث الإسرائيليين والفلسطينيين على مواصلة المفاوضات التي انقطعت بينهما. ومن المؤكد أن نتنياهو لا يرغب في مفاوضات جدية، كما يتبين بوضوح، من خلاله مواصلة سياسته الاستفزازية في بناء المستوطنات.
علاوة على ذلك، فإن الفجوة بين آرائه بشأن المفاوضات، وآراء الفلسطينيين واسعة إلى الدرجة التي لا تتيح أي فرصة لإجراء محادثات جدية بين الطرفي بل وقد تفيد في بيان مدى عبثيتها. والشيء الذي تخشاه إسرائيل أكثر من غيره، هو التدخل الدولي لحل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني.
فهي تدرك تمام الادارك أن هناك إجماعاً قد تبلور بين الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة على حل الدولتين.
لذلك فهي تسعى من خلال الاقتراح الذي قدمه رئيس وزرائها لاستباق أي محاولة من جانب اللاعبين الدوليين لوضع إطار للمفاوضات، أو دعوة الأطراف المعنية لمؤتمر دولي.
وهدف نتنياهو من ذلك هو فرض شروطه على الفلسطينيين المهزومين من خلال مباحثات ثنائية تقتصر عليهما وحدهما دون وسيط.
الأخبار اللبنانية، 6/1/2010
لتستقيم الإجابة، من المفترض الإشارة إلى أن وضع حركة حماس وقدرتها العسكرية ومنعتها السياسية، كما تبدو بعد عام على العدوان، يمثّل دافعاً وحافزية للاحتلال، كي يعيد تكرار خياراته العسكرية حيال قطاع غزة.
يضاف إلى ذلك، أن أهم خيار بديل للخيار العسكري لإسقاط حماس أو احتوائها، هو الحصار الإسرائيلي والعربي المفعل منذ عام، مع تحميل الحركة مسؤوليته وما ينتج منه من مآسٍ للشعب الفلسطيني، وربط هذه النتيجة بخيارات الحركة ونهجها المقاوم.
ورغم ذلك، تمكنت حماس من تطوير قدراتها العسكرية، استناداً إلى العبر التي استخلصتها من عدوان 2008، حتى بلغت مستويات قياسية، وفقاً للتقارير الاستخبارية الإسرائيلية، قياساً على ما كانت تملكه من قدرات عشية العدوان، الأمر الذي يزيد من أزمة "إسرائيل" وقدرتها الفعلية على تجاوز حماس بوصفها عقبة تحول دون أي تسوية يراد إمرارها والإصرار عليها من الأمريكيين.
في المقابل، هناك العديد من الأسباب والاعتبارات الكافية لكبح الاندفاعة الإسرائيلية نحو عملية عسكرية واسعة في هذه المرحلة، لعل من أبرزها:
- عدم استنفاد الرهانات على ما قد يقوم به النظام المصري، كخيار بديل للخيار العسكري المكلف، وتحديداً في ظل بناء جدار فولاذي بمزايا يمكن أن يراهن عليها إسرائيلياً، في الحد من تطوير المقاومة في غزة لقدراتها العسكرية، بالمستوى الذي يفاقم تهديدها للأمن الإسرائيلي.
- اضطرار رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو للإنسجام مع الأولوية الأمريكية، في هذه المرحلة، بدفع عملية التسوية على المسار الفلسطيني، وهو ما يؤدي إلى كبح أي اندفاعة مفترضة نحو تصعيد عسكري واسع على الجبهة الفلسطينية، قد يؤدي إلى تداعيات ميدانية وسياسية غير معروفة النتائج.
- الانهماك الإسرائيلي بالاستعداد وتوجيه الأضواء نحو البرنامج النووي الإيراني، بعدما بلغ مرحلة حرجة وتشخيص القيادة الإسرائيلية، بكل عناوينها السياسية والعسكرية والاستخبارية، بأن إيران باتت تملك ما يكفي من الخبرة والمواد والإمكانات التي تمكّنها من صناعة أسلحة نووية.
وأي عدوان على قطاع غزة، سيؤدي إلى حرف أولويات الإدارة الأمريكية واهتماماتها، وهذا آخر ما تريده إسرائيل، نظراً لما تمثله إيران من تهديد للأمن القومي الإسرائيلي.
- فتقر القيادة الإسرائيلية إلى مشروعية دولية لازمة في هذه المرحلة، وتبعاً لها مشروعية داخلية، لشنّ عدوان واسع على غزة، وخصوصاً أن الوضع الأمني شبه الهادئ من شأنه أن يكبح أي اندفاعة في هذا الاتجاه في الوقت الراهن.
كذلك، إن انسداد أفق التسوية، مع حكومة يغلب عليها الطابع اليميني المتطرف، يمثّل عاملاً إضافياً للكبح الإسرائيلي.
ميدانية صرفة، على "إسرائيل" أن تحدد أهدافها من أي عدوان جديد على القطاع، وخصوصاً أن هذا الخيار العسكري قد استُنفد على نحو كبير في العدوان السابق.
وبالتالي على القيادة العسكرية "الإسرائيلية" أن "تنتخب" أهدافها بناءً على ما يمكن أن يتحقق قياساً على تجارب الماضي: إعادة احتلال القطاع، أو تدمير القدرات العسكرية لـ«حماس» وبقية الفصائل، أو تطويعها سياسياً، أو اخيراً فرض إجراءات ميدانية تحول دون مواصلة تعاظم القدرات العسكرية.
في كل الأحوال، يبقى الرهان الإسرائيلي في هذه المرحلة منصباً أساساً على ما قد يحققه النظام المصري في هذا المجال، بانتظار ما ستؤول إليه التطورات الإقليمية على مستوى التسوية، وعلى مسار الملف النووي الإيراني.
وحسبما أفادت الأنباء، اقترح رئيس الوزراء، أثناء زيارته للقاهرة الأسبوع الماضي، أن تستضيف مصر لقاء قمة بينه وبين محمود عباس الذي يقال إنه ينظر إلى ذلك الاقتراح على نحو إيجابي كما قيل.
ما الذي يمكن أن يخرج به المرء من اقتراح نتنياهو؟ هل يمكن أن يكون ذلك الاقتراح بداية لمفاوضات "إسرائيلية" ـ فلسطينية جادة؟ ليس هناك شيء أقل احتمالاً من ذلك. إذا ما نظرنا لهذه الخطوة من جانب نتنياهو فسيتبين لنا أن لها ثلاثة أهداف:
الأول: عزل وإضعاف حماس المكروهة بنفس المقدار - وإن لأسباب مختلفة - من قبل "إسرائيل"، ومن قبل "فتح" التي يقودها محمود عباس في الضفة الغربية، ومن قبل مصر.
"فإسرائيل" ترى أن تحدي حماس المستمر لها لم يعد محتملًا.. وعباس ينظر إلى حماس باعتبارها منافساً خطيراً للقيادة الفلسطينية.. أما مصر فترى أن الحركة الإسلامية الفلسطينية، المرتبطة ارتباطا وثيقاً بجماعة الإخوان المسلمين في مصر، تمثل تهديداً أمنياً لسيناء.
ثانيا: بعض هذه المخاوف، مقرونا بالضغط الذي تمارسه "إسرائيل" والولايات المتحدة، دفع مصر للانخراط في مشروع لمحاولة منع الفلسطينيين من حفر الأنفاق التي تربط بين قطاع غزة والأراضي المصرية من خلال بناء جدار من الصلب يمتد لمسافة عميقة في الأرض على جانبها من الحدود.
ثالثا: ما يدفع نتنياهو لتقديم اقتراحه هو سرقة الأضواء من "جورج ميتشيل" مبعوث أوباما الخاص للشرق الأوسط، الذي يحاول منذ فترة حث الإسرائيليين والفلسطينيين على مواصلة المفاوضات التي انقطعت بينهما. ومن المؤكد أن نتنياهو لا يرغب في مفاوضات جدية، كما يتبين بوضوح، من خلاله مواصلة سياسته الاستفزازية في بناء المستوطنات.
علاوة على ذلك، فإن الفجوة بين آرائه بشأن المفاوضات، وآراء الفلسطينيين واسعة إلى الدرجة التي لا تتيح أي فرصة لإجراء محادثات جدية بين الطرفي بل وقد تفيد في بيان مدى عبثيتها. والشيء الذي تخشاه إسرائيل أكثر من غيره، هو التدخل الدولي لحل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني.
فهي تدرك تمام الادارك أن هناك إجماعاً قد تبلور بين الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة على حل الدولتين.
لذلك فهي تسعى من خلال الاقتراح الذي قدمه رئيس وزرائها لاستباق أي محاولة من جانب اللاعبين الدوليين لوضع إطار للمفاوضات، أو دعوة الأطراف المعنية لمؤتمر دولي.
وهدف نتنياهو من ذلك هو فرض شروطه على الفلسطينيين المهزومين من خلال مباحثات ثنائية تقتصر عليهما وحدهما دون وسيط.
الأخبار اللبنانية، 6/1/2010
0 التعليقات:
إرسال تعليق