الهوى سلطانه قويّ، ومسلكه خَفيّ، ومصرعه أمر عصيّ. إنه عن الخير صادّ، والى الشرّ هاد، وما سُمّي الهوى هوى إلا لأنه يهوي بصاحبه الى كل داهية، وفي الآخرة الى الهاوية.
وقد يُتَّخذ الهوى إلهاً يُعبد من دون الله، كما يتبيّن في قول الله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَن اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ} الجاثية - 23، وما هو إلا عدوّ خَدوع ولكنه متبوع، فطاعة الهوى هي الدّاء، ومخالفته هي الدّواء، فاصبر على الدواء، كما تخاف من الداء. يقول علي رضي الله عنه: «أخاف عليكم اثنين: اتّباع الهوى وطول الأمل، فإن اتّباع الهوى يصدّ عن الحق، وطول الأمل يُنسي الآخرة».
ان مجاهدة المرء أهواءَ نفسه هي من أهم الواجبات وأشقّها، لأن سلطة الأهواء عنيفة، والنفس ضعيفة، وشهواتها تعمّ الأعضاء، وتُساق بقياد الأهواء، فللعين شهواتها، وللأذن شهواتها، وللسان شهواته، وللبطن شهواته..
فإذا سمع امرؤ نازعته نفسه إلى الشّهوة المحرّمة واعظ العقل، يقول له: ويحك! اتق الله ولا تفعل، فإنك إن فعلت لا تزال في سقوط في الحياة وبعد الممات، فإن كان أَسيرَ هواه لم يلتفت إلى هاتف الخير، وتهاوى في طريق السّقوط، وكان مَثل هوانه كالمثل المضروب عند العرب، وذلك أن الكلب قال للأسد: يا سيّد السباع غَيّر اسمي فإنه قبيح، فقال له: أنت خائن لا يصلح لك غير هذا الاسم، قال: فجرّبني، فأعطاه شقّة لحم وقال: «احفظ لي هذه الى غد وأنا أغيّر اسمك. ثم إن الكلب جاع وجعل ينظر الى اللحم ويُبصْبص ويصبر، فلما غلبته نفسه قال: وأيّ شيء باسمي؟ وما كلب إلا اسم حسن، فأكل! وهكذا الخاضع لطغيان هواه يختار عاجل الشهوة على آجل الفضيلة.
إن جهاد الهوى أفضل الجهاد، وقد وعد ربنا الأعلى المؤمن الذي يجاهد هواه جنّة المأوى فقال: {وأَمَّا مَنْ خَافَ مَقامَ رَبِّهِ ونَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوى فإنّ الجَنَّةَ هيَ المأْوى} النازعات - 40 - 41.
وندب الله تعالى نبيّه صلى الله عليه وسلم الى مصاحبة الصالحين الذين يذكرون ربّهم بالغداة والعَشيّ، ونهاه عن مجاوزتهم إلى ذوي الأهواء والشّهوات من الغافلين: {... ولا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا واتَّبَعَ هَواهُ وكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} الكهف - 28. ومن أَفْدح المضارّ التي يجرّها الهوى مجافاة الحق ومخالفة العدل، وقد حذَّر الله تعالى من عواقب اتّباع الهوى فقال: {فلا تتّبعوا الهَوى أَنْ تَعْدِلُوا...} النساء - 135، أي فلا يحملنّكم الهوى على ترك العدل في أموركم وشؤونكم، بل الزموا العدل في كل حال. وبهذا التأديب الربانيّ التزم عبد الله بن رواحة حين أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم الى أهل خيبر ليَخْرِص عليهم ثمارهم وزروعهم ويضمِّنهم الشَّطر، فأرادوا أن يَرشوه ليرفق بهم فقال: «والله لقد جئتكم من عند أحبّ الخَلق إليّ، ولأنتم أبغض إليّ من القردة والخنازير، وما يحملني حبّي إياه وبغضي لكم على أن لا أعدل فيكم، فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض!
إن من سنن الحياة أن مُهلكات البَشر ثلاث: «شُحّ مُطاع، وهوى مُتَّبع، وإعجاب المرء بنفسه» رواه الطبراني.
فوا عجباً لامرئ زيّنه الله بعقل راشد، وفؤاد حامد، كلما اصطرع عقله وهواه، يهزمه الهوى سريعاً، فيسقط بين براثنه صريعاً!
فكن حذراً من طغيان هواك إرضاء لمولاك، ولا تستهن بعدوان الهوى وعواقبه، فإنه إن كان عدوّك نملة فلا تَنمْ له!. ألا قطع الله نِياطَ قلب كل امرئ بالهوى رَهين، وهو في الخصام غير مُبين! [1]
من هنا جاء الإسلام ليعالج اهواء النفس بعد أن حدد أمراضها: شُحّ مُطاع، وهوى مُتَّبع، وإعجاب المرء بنفسه.
فكان العلاج للشح فعل الزكاة وكثرة الصدقات ،
وكان العلاج للهوى غض البصر وحفظ الفرج ، وكان العلاج لإعجاب المرء بنفسه علمه أنواع الأمانات وأنه مسوؤل عنها ومطالب بالوفاء بها وعندها تصغر نفسه وتعظم همته للقيام بالواجبات والدفاع عن المقدسات.
الشيخ نزيه مطرجي
[1] http://www.al-jamaa.net/Khawater.asp?id=63&p=3
وقد يُتَّخذ الهوى إلهاً يُعبد من دون الله، كما يتبيّن في قول الله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَن اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ} الجاثية - 23، وما هو إلا عدوّ خَدوع ولكنه متبوع، فطاعة الهوى هي الدّاء، ومخالفته هي الدّواء، فاصبر على الدواء، كما تخاف من الداء. يقول علي رضي الله عنه: «أخاف عليكم اثنين: اتّباع الهوى وطول الأمل، فإن اتّباع الهوى يصدّ عن الحق، وطول الأمل يُنسي الآخرة».
ان مجاهدة المرء أهواءَ نفسه هي من أهم الواجبات وأشقّها، لأن سلطة الأهواء عنيفة، والنفس ضعيفة، وشهواتها تعمّ الأعضاء، وتُساق بقياد الأهواء، فللعين شهواتها، وللأذن شهواتها، وللسان شهواته، وللبطن شهواته..
فإذا سمع امرؤ نازعته نفسه إلى الشّهوة المحرّمة واعظ العقل، يقول له: ويحك! اتق الله ولا تفعل، فإنك إن فعلت لا تزال في سقوط في الحياة وبعد الممات، فإن كان أَسيرَ هواه لم يلتفت إلى هاتف الخير، وتهاوى في طريق السّقوط، وكان مَثل هوانه كالمثل المضروب عند العرب، وذلك أن الكلب قال للأسد: يا سيّد السباع غَيّر اسمي فإنه قبيح، فقال له: أنت خائن لا يصلح لك غير هذا الاسم، قال: فجرّبني، فأعطاه شقّة لحم وقال: «احفظ لي هذه الى غد وأنا أغيّر اسمك. ثم إن الكلب جاع وجعل ينظر الى اللحم ويُبصْبص ويصبر، فلما غلبته نفسه قال: وأيّ شيء باسمي؟ وما كلب إلا اسم حسن، فأكل! وهكذا الخاضع لطغيان هواه يختار عاجل الشهوة على آجل الفضيلة.
إن جهاد الهوى أفضل الجهاد، وقد وعد ربنا الأعلى المؤمن الذي يجاهد هواه جنّة المأوى فقال: {وأَمَّا مَنْ خَافَ مَقامَ رَبِّهِ ونَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوى فإنّ الجَنَّةَ هيَ المأْوى} النازعات - 40 - 41.
وندب الله تعالى نبيّه صلى الله عليه وسلم الى مصاحبة الصالحين الذين يذكرون ربّهم بالغداة والعَشيّ، ونهاه عن مجاوزتهم إلى ذوي الأهواء والشّهوات من الغافلين: {... ولا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا واتَّبَعَ هَواهُ وكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} الكهف - 28. ومن أَفْدح المضارّ التي يجرّها الهوى مجافاة الحق ومخالفة العدل، وقد حذَّر الله تعالى من عواقب اتّباع الهوى فقال: {فلا تتّبعوا الهَوى أَنْ تَعْدِلُوا...} النساء - 135، أي فلا يحملنّكم الهوى على ترك العدل في أموركم وشؤونكم، بل الزموا العدل في كل حال. وبهذا التأديب الربانيّ التزم عبد الله بن رواحة حين أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم الى أهل خيبر ليَخْرِص عليهم ثمارهم وزروعهم ويضمِّنهم الشَّطر، فأرادوا أن يَرشوه ليرفق بهم فقال: «والله لقد جئتكم من عند أحبّ الخَلق إليّ، ولأنتم أبغض إليّ من القردة والخنازير، وما يحملني حبّي إياه وبغضي لكم على أن لا أعدل فيكم، فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض!
إن من سنن الحياة أن مُهلكات البَشر ثلاث: «شُحّ مُطاع، وهوى مُتَّبع، وإعجاب المرء بنفسه» رواه الطبراني.
فوا عجباً لامرئ زيّنه الله بعقل راشد، وفؤاد حامد، كلما اصطرع عقله وهواه، يهزمه الهوى سريعاً، فيسقط بين براثنه صريعاً!
فكن حذراً من طغيان هواك إرضاء لمولاك، ولا تستهن بعدوان الهوى وعواقبه، فإنه إن كان عدوّك نملة فلا تَنمْ له!. ألا قطع الله نِياطَ قلب كل امرئ بالهوى رَهين، وهو في الخصام غير مُبين! [1]
من هنا جاء الإسلام ليعالج اهواء النفس بعد أن حدد أمراضها: شُحّ مُطاع، وهوى مُتَّبع، وإعجاب المرء بنفسه.
فكان العلاج للشح فعل الزكاة وكثرة الصدقات ،
وكان العلاج للهوى غض البصر وحفظ الفرج ، وكان العلاج لإعجاب المرء بنفسه علمه أنواع الأمانات وأنه مسوؤل عنها ومطالب بالوفاء بها وعندها تصغر نفسه وتعظم همته للقيام بالواجبات والدفاع عن المقدسات.
الشيخ نزيه مطرجي
[1] http://www.al-jamaa.net/Khawater.asp?id=63&p=3
0 التعليقات:
إرسال تعليق