![]() |
|
بقلم: بدر محمد بدر
في الثاني والعشرين من سبتمبر الجاري (2010م) تمر الذكرى الـ93 على ميلاد العالم الجليل, والداعية البصير, فارس المنابر الشيخ محمد الغزالي السقا- رحمه الله رحمة واسعة- وأجزل له العطاء, وعوض الأمة فيه خيرًا, وفي هذه المناسبة نستذكر طرفًا من حياة الشيخ المجاهد عسى الله أن ينفعنا بها.
وُلد الشيخ الغزالي في عام 1335هـ - 1917م, في قرية "نكلا العنب" إحدى قرى مركز المحمودية- محافظة البحيرة (شمال الدلتا) بمصر, وكان أبوه تاجرًا صدوقًا يحب الدين، فسماه "محمد الغزالي" تيمنا باسم الإمام "أبو حامد الغزالي", وكان أكبر أبنائه, وفي العاشرة أكمل "محمد الغزالي" حفظ القرآن الكريم، فانتقل به والده إلى مدينة الإسكندرية, ليلتحق بالمعهد الديني الأزهري, ثم أكمل تعليمه والتحق بكلية أصول الدين جامعة الأزهر في عام 1937م، وتخرج فيها عام 1941م، وحصل على العالمية في عام 1943م, ثم اشتغل خطيبًا في مساجد مصر, وتأثر بالعالم الجليل الشيخ محمود شلتوت, أستاذه في المعهد الأزهري, والذي أصبح شيخًا للأزهر فيما بعد, وكان تأثره الأكبر بالشيخ حسن البنا؛ حيث ظلَّ وفيًّا لمدرسته في الاعتدال ولمنهجه الوسطي الشامل.
كان الشيخ محمد الغزالي شغوفًا بالقراءة منذ الصغر, ومحبًا للتأليف في تلك السن المبكرة, فكتب العشرات من الكتب, منها: "خلق المسلم- عقيدة المسلم- فقه السيرة- الإسلام في مواجهة الزحف الأحمر- ظلام من الغرب- قذائف الحق- دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين وغيرها", بالإضافة إلى آلاف المقالات في الصحف والمجلات، ومئات الخطب والمحاضرات واللقاءات الصحفية والإذاعية والتليفزيونية.
زار الشيخ الغزالي- رحمه الله- عشرات الدول, أستاذًا في جامعاتها, ومشاركًا في مؤتمراتها وندواتها, وأسس جامعة الأمير عبد القادر الإسلامية في قسنطينة بالجزائر، والتي أصبحت منارة للإسلام في شمال إفريقيا, وظلَّ يديرها حتى ضعفت صحته, فاعتذر عنها, وكان له دوره الكبير في ترشيد الصحوة الإسلامية هناك.
اشتهر الشيخ الجليل بعلمه الغزير, وأُفُقِه الرحب, وقلمه الّسيال, وعباراته المتدفقة, وحماسته المخلصة, وجرأته في عرض ما يقتنع به, وتشخيصه الدقيق لأمراض الأمة, ومهارته في الدفاع عن الحق الذي يعتقده, وتقريع المخالفين له, وحدته في مواجهة الخصوم وأعداء الإسلام.
كان- رحمه الله- موسوعي الثقافة, يتابع الأحداث في العالم, ويقرأ لكبار الكتاب والمفكرين, حتى كأنه عالم في السياسة وفي الاقتصاد وفي الاجتماع, مثلما كان فقيهًا في العقيدة والشريعة وأصول الدين.
كان- رحمه الله- يرى أن الداعية يجب أن ينهل من كلِّ المعارف والثقافات, ويناقش كلَّ الأفكار والاتجاهات؛ حتى يعمِّق رؤيته ويخدم دعوته، كان فارسًا في الحرب ضد التدين الفاسد, الذي ينشغل بقشور المسائل عن أصولها, وألف عشرات الكتب لتعميق فهم الأمة لدينها، وتبصيرها بما يحيط بها.
كان يدرس الواقع وعينه على المستقبل, ينبه إلى المخاطر, ويوجه إلى الواجبات, لم يعبأ بمغنم, ولا صده مغرم, وما تقرب من سلطان, وأتاحت له وسطيته القبول النسبي عند بعض الرسميين؛ ما أتاح له فرصة الظهور على شاشات التلفزة وفي الإذاعات, فأقام منهجه على تربية العقل بحسن التفكير, وتربية القلب بحسن الإيمان, وتربية السلوك بحسن الخلق, وتربية الوجدان بحسن الأدب.
لم تقعده سنوات الشيخوخة والمرض عن أداء رسالته, حتى خطب عيد الفطر في مسجد د. مصطفى محمود بالمهندسين قُبيل وفاته بأيام, وكان يتوافد إليه الآلاف من الشباب, ينهلون من علمه, ويتغذون من حماسته, ولم يكن يمنعه ذلك من انتهاز الفرص لفضِّ الاشتباك بين الحكومات وشباب الصحوة الإسلامية.
كان- رحمه الله- زاهدًا في الدنيا, لا يطرب لمنصب, ولا يحزن لفقده, وعندما عُين وكيلاً لوزارة الأوقاف المصرية لشئون الدعوة, وجد أن أعباء المنصب لا تناسبه, فاعتذر عنه, وفي شهر رمضان الأخير في حياته (رمضان 1416 هـ) اعتكف طوال الشهر في مسجد صغير بإحدى القرى النائية في محافظة مصرية, وقال: "رحم الله أبا حامد الغزالي الذي قال: كلما اعتكفت يومًا عرفت الله أكثر".
أكرمه الله بالعمل لخدمة الإسلام حتى آخر رمق من حياته, حيث لقي ربه مساء السبت 19 من شوال 1416هـ ـ 9 من مارس 1996م, بينما كان يلقى كلمته في ندوة عن "الإسلام والغرب" ضمن فعاليات مهرجان "الجنادرية" الذي أقيم بالرياض بالمملكة العربية السعودية, حيث فاجأته أزمة قلبية, نقل على إثرها إلى المستشفى, لكنه فارق الحياة, ليطوي بذلك صفحة من صفحات الجهاد والبذل والعطاء, نهلت من معينها الفياض شعوب الأمة المسلمة في أرجاء المعمورة, وليكون ذلك آخر عهده بالدنيا, وهو الذي قارب الثمانين من عمره, ولم يمنعه ذلك من أن يكون فارسًا يصول ويجول دفاعًا عن الإسلام وجهادًا في سبيله.
وقد دُفن بالبقيع في المدينة المنورة بناءً على وصيته, وللشيخ الغزالي- رحمه الله- ابنان: الدكتور علاء والمهندس بهاء، وخمسة من البنات: إحداهن زوجة الكاتب الصحفي المعروف محمد عبد القدوس.
رحم الله العالم الجليل، وأنزله منازل الأبرار, وإنا لله وإنا إليه راجعون.
0 التعليقات:
إرسال تعليق