السبت، 3 يوليو 2010

مراقبة الله عز وجل : العبادة المفقودة 1\3


وقبل الحديث عن العبادة المفقودة ينبغى علينا أن تنحدث عن العبودية لله عز وجل. فالعبودية هي وظيفة الدنيا من أولها إلى آخرها وظيفة العبد في دنياه حتى الموت، ليس معه وظيفة غيرها، قال الله تعالى: }وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ{ [الحجر: 99]، وقال تعالى: }وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ{ [الذاريات: 56-58].
* العبودية هي حق الله على العباد فإن لله على خلقه حقًا، وقد جعل لعباده عليه حقًا تكرُّمًا وجودًًا وتفضلاً؛ فعن معاذ بن جبل t قال: بينا أنا رديف النبي صلى الله عليه وسلم ليس بيني وبينه إلا أخرة الرحل فقال: «يا معاذ» قلت: لبيك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسعديك. ثم سار ساعة ثم قال: «يا معاذ» قلت: لبيك رسول الله وسعديك. ثم سار ساعة ثم قال: «يا معاذ بن جبل» قلت: لبيك رسول الله وسعديك. قال: «هل تدري ما حق الله على عباده؟» قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا»  ثم سار ساعة ثم قال: «يا معاذ بن جبل» قلت: لبيك رسول الله وسعديك. قال: «هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوه؟» قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «حق العباد على الله أن لا يعذبهم»([1]).
* العبودية هي رسالة الرسل إلى أممهم: فما من رسول أرسل إلى أمه إلا وأمرهم بعبادة الله، قال تعالى: }وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ{ [النحل: 36].
* العبودية هي الملك الأخروي الذي لا يزول ولا يحول ولا يفنى؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عائشة لو شئت لسارت معي جبال الذهب، جاءني ملك إن حجزته لتساوي الكعبة فقال إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول لك إن شئت نبيًا عبدًا وإن شئت نبيًا ملكًا، قال فنظرت إلى جبريل، قال فأشار إلي أن ضع نفسك، قال فقلت نبيًا عبدًا» قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك لا يأكل متكئًا، يقول: «آكل كما يأكل العبد, أجلس كما يجلس العبد»([2])، فاختار العبودية على الملك لأنها الملك الدنيوي والملك ألأخروي الذي لا يفنى ولا يزول.
* العبودية هي الحرز والحفز والحصانة والوقاية من العدو اللدود المبين المترصد الذي وقف لنا بكل طريق، العدو الذي جاءنا من كل جانب، العدو الذي طلب من ربه الإنظار من أجل إغوائنا جميعًا.
كيف نتحصن بالعبودية؟ نكون عبيدًا لله ولا نكون عبيدًا للنفس، ولا للمال، ولا للأهل، ولا للولد، ولا للزوجة، ولا للعادة، ولا للعرف، وإنما نكون عبيدًا لله عز وجل، ونخلص العبودية لله ونحرص ونحفظ بهذه العبودية من العدو، قال تعالى: }إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ{ [الحجر: 42]، ويقول: }قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ{ [ص: 82، 83].
* العبودية أيها الإخوة سبب من أسباب مغفرة الذنوب، وما أكثر الذنوب، من منا يستطيع أن يحصي ذنبه؟ لا أحد يستطيع أن يحصي ذنوبه.
ذنوبنا كثيرة، ولو كان لأحدنا في كل يوم ذنب واحد وعمره ستون سنة، بكم ذنب يلقى ربه؟ بواحد وعشرين ألف ذنب، هذا إذا كان ذنب واحد في كل يوم، ومن لا يذنب في اليوم إلا ذنبًا واحدًا؟ الذنوب كثيرة، وأسباب مغفرة الذنب أن يكون الإنسان عبدًا لله عز وجل، قال تعالى: }نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{ [الحجر: 49]، قال تعالى: }قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{ [الزمر: 53].
* لكن إذا أردنا أن نؤدي العبودية على أكمل وجه وإذا أردنا أن نحفظ بها الدنيا، وإذا أردنا أن نحفظ بها العمل، ونحفظ بها العمر، ونسعد بها في الآخرة، ونرتفع بها الدرجات العالية، ونرضي بها الرحمن، ونغضب بها الشيطان، فلا بد لنا أن نراقب الله تعالى مراقبة دقيقة جليلة.


([1]) البخاري كتاب اللباس باب إرداف الرجل خلف الرجل (5967). مسلم كتاب الإيمان باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعًا (30).
([2]) رواه أبو يعلي وإسناده حسن.

0 التعليقات:

الحقوق محفوظة لـ - مدونة المرايا المستوية | الإخوان المسلمون