الأحد، 27 يونيو 2010

دراسة في كيفية تحفيظ أطفالنا القرآن الكريم


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و الصلاة و السلام علي رسول الله و علي آله و صحبه و من والاه،

                                            و بعد ..،
           إخوتي و أخواتي فهذه ليست كلمات إنشائية أو أفكار نظرية و لكنها تجارب عملية و وسائل واقعية للتطبيق... و قد نفذت من قبل و أثمرت و ذلك  بتوفيق الله أولا و أخير "قل بفضل الله و برحمته فبذلك فليفرحوا" و هي مطروحة للإضافة و الزيادة و الابتكار و فضل الله واسع لمن فتح الله عليه و نسأل الله أن يجعل عملنا كله خالصا لوجهه الكريم و أن يجمعنا جميعا في مستقر رحمته إخوانا علي سرر متقابلين
         يذكرنا سبحانه قائلا:  " قل إن صلاتي و نسكي و محياي و مماتي لله رب العالمين لا شريك له و بذلك أمرت و أنا أول المسلمين" فهذا ما عاهدنا الله عليه يوم أن قبلنا حمل الرسالة فوق أعناقنا و تبليغ دعوته للناس أجمعين ...  و أولي شيء بالتبليغ هو القرآن الكريم ...
ففيه اطمئنان القلوب " ألا بذكر الله تطمئن القلوب"
و فيه الهداية إلي الصواب و النجاح و الفلاح " فمن اتبع هداي فلا يضل و لا يشقي"
و فيه العزة و الشرف و الذكر الحسن " لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون"
و فيه الفوز و المكسب في الدنيا و الآخرة " من أراد الدنيا فعله بالقرآن و من أراد الآخرة فعليه بالقرآن و من أرادهما معا فعليه بالقرآن"
و فيه الضمان لعدم الضلال و الانحراف " تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله و سنتي"
و إذا كنا جميعا نتمني لأولادنا الهداية و الصلاح و السعادة  في الدنيا و الآخرة و كذلك يأمرنا ربنا قائلا " و أنذر عشيرتك الأقربين"  فالطريق الوحيد إلي ما تريد هو طريق القرآن

                                          متي نبدأ بتحفيظهم؟


يسأل الكثيرون: متي نبدأ في تحفيظ أولادنا القرآن ؟ و الإجابة: عندما تقررين الارتباط بأبيه عند تكوينكما بيتكما المسلم و وضع أهدافه ... فلكي ننجح في تحفيظ أولادنا القرآن و إكمال المشوار معهم لابد أن نجعل هذا هدفا أساسيا للأسرة و ليس مجرد أمنية بل أمر يتفق عليه الأب و الأم معا و يجعلاه هدفا واضحا يضعا له خطته و وسائله و جدوله الزمني الواقعي المناسب لقدرات الأبناء حتى نستطيع متابعته و قياسه و إنجازه و النجاح فيه... و أجمل قاعدة في أساس هذه الخطة هي قوله صلي الله عليه و سلم " قليل دائم خير من كثير منقطع"
فالبداية مع الأطفال تكون منذ الحمل فقد ثبت أن الطفل في بطن أمه يسمع ما تقرؤه أو تقوله الأم فإذا داومت الزوجة علي قراءة القرآن في أثناء الحمل و بعد الولادة ينشأ الطفل يملأ مسامعه القرآن و لا تستصغري عمره فقد ثبت أن الطفل الرضيع يخزن ما يسمعه في ذاكرته و ينشأ فيجد أن تلاوة القرآن و حفظه و تسميعه عادة من عادات بيته فيجد أباه يسمع لأمه و أمه تسمع لأبيه  و يجد إخوته يحفظون أمامه عندها سنجد أن أول ما ينطق به الطفل كلمات من القرآن ... فقد تفاجأ الأم بأن الطفل يحفظ سورة كبيرة من السماع و دون أن تدري الأم أو تطلب منه ذلك لذلك أقول للأم عندما تلاحظي أن طفلك قد بدأ في ترديد ما يسمع ابدئي معه بتشغيل المسجل (الكاسيت) بجواره و هو يلعب و ليكن بشريط به قصارى السور و يا حبذا لو كان بصوت يحبه مثل صوت الأب و تكرريه عليه فستجديه يحفظه تلقائيا بإذن الله و سوف يطلب منك تشغيل "قرآن بابا"

 أما سن بداية التلقين فيمكن أن يبدأ من سن ثلاث سنوات و نصف  وقتها يكون الطفل قد اكتمل نطقه للحروف و أصبح يستجيب لك
و يا حبذا لو تكون خطة حفظ القرآن تنتهي عند أجازة الدراسة بين السنة الخامسة و السادسة كحد أقصي (قبل الدخول في الشهادات) فهذه أفضل فترة لخلو الذاكرة قبل شحنها بالمذاكرة الثقيلة و الشهادات
ثم نقسم القرآن علي هذه السنوات مع مراعاة التدرج حسب عمر الطفل و لا ننس القاعدة: قليل دائم خير من كثير منقطع فقد نبدأ مع الطفل بآية واحدة يوميا نرددها معه عند نومه فالعقل يعمل تثبيتها أثناء النوم.
 و عندما يصل الطفل إلي حفظ عدد من السور نزيد له إلي سطر يوميا 
و عند سن دخول المدرسة (أولي حضانة) يكون الحفظ في حدود 3 أسطر يوميا أثناء الدراسة و 5 أسطر أثناء الأجازة
و عند بداية الابتدائي يكون 5 أسطر أثناء الدراسة و نصف صفحة أثناء الأجازة
و عند ثالثة ابتدائي يكون نصف صفحة أثناء الدراسة و صفحة كاملة أثناء الأجازة
مع مراعاة أن هناك أيام قد يكون الطفل فيها –لا قدر الله- مريضا أو عنده امتحانات أو سفر أو غيره ... المهم البداية " ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون"  و المثابرة و عدم الكسل و الصبر سواء من الأب أو الأم و تذكروا قوله تعالي "إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب" و "استعينوا بالله و اصبروا" و " و تواصوا بالحق و تواصوا بالصبر"

التحفيز و التشجيع


لابد من وجود محفزات و جوائز دائمة و متدرجة حسب الحالة مثل:
-         جوائز بسيطة يوميا إذا انهي ورده من القرآن (مثل لبان أو ملبس)
-         جوائز أكبر عند الانتهاء من سورة أو جزء
-         عند عمل مسابقات بينه و بين إخوته
-         عمل لوحة شرف حفظ  القرآن و هي لوحة ورقية تحمل أيام الشهر و من ينهي المقطع المطلوب منه يوميا يسجل اسمه فيه و يتم توزيع جوائز في نهاية الشهر للمجتهد
-         حفلات أو رحلات سواء عائلية أو مع أصحابه احتفالا بحفظ  القرآن أو نصفه مثلا
-         و لا تنسوا تذكيره بما يعده الله له من جوائز كثيرة عنه جل و علا بسبب حفظه للقرآن أو بسبب كونه قدوة لغيره ممن يراه فيقتدي به و يتشجع بسببه

طريقة الحفظ


يجب أن نوقن بداية أن الحفظ ليس صعبا و لا يقل أحد أبدا أن حفظ القرآن صعب علي أو علي طفلي لأن القرآن ثقيل و ألفاظه شديدة علي الأطفال فقد نفي ربنا تبارك و تعالي ذلك بل و يسره لنا جميعا صغارا و كبارا فقال: " و لقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر"  و طرق الحفظ المجربة كالتالي:
-         نقرأ ما عليه حفظه أمامه
-         نفسره له تفسيرا مبسطا (معاني غريب الألفاظ و المعني الإجمالي للآيات)
-         نقرأ و نكرر في المقطع المطلوب حفظه حتى يحفظه و يسمعه بنفسه
-         من الممكن أن يسمع الجزء المطلوب حفظه في الكمبيوتر أو الكاسيت عدة مرات ليحفظ التلاوة الصحيحة و النطق الصحيح
-         التسميع سويا (يسمع الأب أو الأم مع الطفل بصوت واحد)
-         تسميع الطفل وحده
 
 
ترتيب مقترح للحفظ

1-   نبدأ بالخمسة أجزاء الأخيرة بالترتيب (جزء عم ثم تبارك ثم قد سمع ثم جزء الداريات ثم جزء الأحقاف حيث أن هذه الأجزاء سورها قصيرة فتشعر الطفل في البدايات بالإنجاز
2-   نبدأ بعد ذلك بسورة الكهف (حيث أن الطفل اعتاد أن يسمعها كل يوم جمعة مع والديه) ثم نكمل مع سورة مريم ثم طه ثم الأنبياء (حيث أنها سور بها الكثير من القصص القرآني و تكون سهلة في الحفظ) ثم نكمل بالترتيب حتي سورة الجاثية و بذلك يكون الطفل قد حفظ نصف القرآن  
3-   نكمل بعد ذلك من أول البقرة حيث يكون الطفل قد كبر نسبيا و اعتاد حفظ القرآن و عنده الدافع و الحماس لإتمام القرآن و نتابع بالترتيب حتى سورة الإسراء فيكون الطفل قد ختم القرآن حفظا بفضل الله

 

 

المراجعة


القرآن يتفلت أشد من تفلت الإبل من عقلها لذلك لابد من المراجعة
أثناء الحفظ نطلب منه قراءة – عندما يتعلم القراءة- من ربع إلي حزب يوميا مع المقطع الجديد المطلوب حفظه  و قبل تعلمه القراءة نقرأ معه الجزء المطلوب مراجعته بصوت مسموع 
و عند الانتهاء من حفظ السورة نقسمها إلي أجزاء معقولة ليكن 3 صفحات يوميا يراجعها و يسمعها حتى يراجع السورة كلها قبل الدخول في السورة التالية
طرق أخري للمراجعة:
-         القراءة الجماعية مع إخوته أو مع أبيه و أمه للجزء المطلوب مراجعته
-         السماع من الكمبيوتر أو الكاسيت مع المتابعة في المصحف
-         التسميع الثنائي مع أحد إخوته أو أحد الأبوين
-         المراجعة الفردية مع نفسه مع تصديقه و الثقة فيه
-         و لا نغفل في هذا دور المسابقات فهي تجدد النشاط لدي الطفل و تشجعه علي مراجعة ما حفظه بالإضافة إلي كونها حافز لغيره بالقدوة

معوقات الحفظ


-         الطفل "لعبي" و لا يركز: في هذه الحالة يراعي الآتي:
               - نبدأ بالتحفيظ عند النوم (مع حدوتة قبل النوم)
               - تشجيع بالجوائز
               - رؤية الأبوين و الإخوة يحفظون أمامه
-         الطفل عنده مذاكرة و واجبات كثيرة: لذلك نراعي:
               - نعذره أيام مذاكرته الكثيفة
               - نقلل كمية الحفظ و لكن لا نوقفها و لو بأي قدر بسيط 
-         مراعاة أيام مرضه –لا قدر الله- أو سفر أو أي انشغال ليس له يد فيه و أيضا تراعي الفروق الفردية بين ابن و آخر المهم ألا ينتج عن تكاسل و يجب أن تساعد الأم ابنها علي تنظيم وقته و لا يلزم أن تكون متفرغة له و لكن يمكن أن تقرأ معه و هي واقفة في المطبخ أو و هي ترتب الملابس و هكذا....

حفظ القرآن و الدراسة


كما ذكرنا من قبل قليل دائم خير من كثير منقطع ففي موضوع المذاكرة كما ذكرنا في معوقات الحفظ نراعي هذا الأمر و لكن لا نوقف الحفظ قدر المستطاع فحفظ القرآن و مراجعته ينمي الذاكرة عند الأطفال و ينمي قدراتهم اللغوية و القدرة علي التعبير و زيادة الحصيلة من المعاني و المترادفات
 و المهم هو تنظيم الوقت و الاتفاق مع الطفل علي ذلك مع استعمال المحفزات كما سبق 

 

أدوار متعددة يجب أن تتكامل


حفظ القرآن أمر جليل  و مهمة قد يراها البعض صعبة و لكنها بعون الله و قدرته ثم بإخلاص النية لله و الأخذ بالأسباب يذلل الله لنا كل الأمور و يجب أن نعرف أن الطفل ليس هو الطرف الوحيد في الموضوع بل هناك أدوار لأطراف أخري و من ذلك:
-         دور البيت:
                - الإخلاص: فإخلاص القصد لله سر من أسرار التوفيق و النجاح: "فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا و لا يشرك بعبادة ربه أحدا"
                - تقوي الله و اجتناب المعاصي :"يا أيها  الذين آمنوا إن آمنوا إن تتقوا يجعل لكم فرقانا" و " شكوت إلي وكيع سوء حفظي فأرشدني إلي ترك المعاصي و أخبرني أن العلم نور و نور الله لا يهدي لعاصي" و "و كان أبوهما صالحا"
               - الدعاء:  دائما يدعو الأبوان لأولادهما أن يكونوا من حفظة القرآن و أهل الله و خاصته فالدعاء سلاح المؤمن النفاذ "وقال ربكم ادعوني استجب لكم"
               - القدوة: عندما يري الطفل أبواه و إخوته يحفظون و يراجعون يصبح هذا الأمر عادة بل يصبح محببا لديه
               - الصبر و المثابرة و عدم اليأس و عدم الكسل و اجتناب التعبيرات السلبية من أمثال (الولد ده مش نافع – البنت دي خايبة من يومها – ده ذاكرته ضعيفة و مالوش في الحفظ .....) و لكن بشروا و لا تنفروا و لو بأي بادرة إيجابية و لو بسيطة ..... و تفاءلوا بالخير تجدوه
              - تفعيل إخوته في تحفيظه و مساعدته بل وآخرين مثل الجدة و الجد إذا كانا موجودين بالبيت

-         دور المدرسة:
المدرسة لها دور مهم في تشجيع الأبناء لذلك لابد من اختيار المدرسة التي تنمي هذا الجانب عند الطفل بعدة طرق منها:
      - بإقامة المسابقات
      - اعتبار القرآن من شروط قبول الطفل أو من أسباب التفضيل
      - القرآن نقطة تفضيل عند ترتيب الأوائل

      - القرآن مادة نجاح و رسوب

      - و أثناء الأجازة إن لم يكن هناك نشاط صيفي للقرآن بالمدرسة نحاول إيجاد من يكمل المسيرة سواء عن طريق محفظ أو دار تحفيظ و قد وجد بالتجربة العملية أن ذهاب الطفل وسط مجموعة لحفظ القرآن يساعد علي توليد حب المنافسة و التشجيع
و لكن من المهم جدا أن ننوه  هنا أن الطفل حتي لو كان يحفظ مع محفظ أو مسجد أو في المدرسة فإن كل هذا لا يلغي مطلقا دور البيت من تثبيت للحفظ و المراجعة و ينبغي أن نوقن أن الدور الأكبر يقع علي عاتق البيت دائما و أبدا فلا ننسي ذلك

و أخيرا إخوتي الآباء أخواتي الأمهات تذكروا دائما
         لا تستهينوا أبدا بأولادكم و قدراتهم
         لا تقللوا أبدا من شأن أولادكم
         بل شجعوهم و ساعدوهم و خذوا بأيدهم "يأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم و أهليكم نارا وقودها الناس و الحجارة"
        و لا تنسوا أبدا "ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر" ؟

فحي علي جنات عدن فهي                    منازلنا الأولي و فيها المخيم

                 اللهم اجعل عملنا صالحا و لوجهك خالصا
                           ********************

0 التعليقات:

الحقوق محفوظة لـ - مدونة المرايا المستوية | الإخوان المسلمون