صديقي المسيحي : نحن أصحاب البلد و أهلها الأصليين و انتم جيتو علينا ... فلازم يكون لنا وضع مميز..
أنا : طيب تعالي نراجع الأحداث... لما دخل عمرو بن العاص مصر كان قوام جيشه حوالي 5000 جندي مسلم و دخلوا مصر و حاربوا الحامية الرومانية في العريش حتي وصلوا إلي الدلتا ثم في الإسكندرية حتي طردوا الرومان تماما و وجد المسيحيون المصريون في الغزاة المسلمين المخلص لهم من طغيان الرومان فأجابوهم و أحبوا دينهم و دخلوا فيه أفواجا و لم يسجل التاريخ سواء المؤرخين المحايدين أو مؤرخي الكنسية أي حوادث اضطهاد لمسيحيي مصر للدخول في الإسلام قسرا فأسلم حوالي 90 % من مسيحيي مصر طواعية ... فإذا أنا و أنت أجدادنا مصريون مسيحيون و ليسوا من جزيرة العرب من الغزاة الفاتحون و دخل أغلبية أولاد أجدادنا طواعية في الإسلام و بقيت أقلية منهم علي مسيحيتهم حتي اليوم ... إذن نحن جميعا أهل مصر الحاليون مسلمين و مسيحيين أصحاب هذا البلد و أهلها الأصليين... ثم إن كل من تبقي من جيش عمرو (حوالي 3500 جندي) بعد استشهاد 1500 منهم في المعارك مع الرومان خرجوا جهة المغرب العربي لاستكمال الفتوحات.
صديقي المسيحي: و لكن الإسلام انتشر بالسيف و نموذج وضع السيف علي الرقبة و أسلم تسلم معروف و مشهور
أنا : هذا ياصديقي نموذج سينمائي فقط ظهر في بعض الأفلام السينمائية المغرضة و ليس له وجود في أرض الواقع .. فمن الناحية النظرية عندنا " لا إكراه في الدين" و من الناحية الواقعية التطبيقية لم يسجل التاريخ حادثة واحدة لإجبار مسيحي علي الدخول في الإسلام و استمرار وجود المسيحيين في مصر أكبر دليل علي عدم اضطهادهم و إلا لكان أهل مصر جميعهم مسلمون و كل المسيحيين إما دخلوا في الإسلام طواعية أو قهرا و إما قتلوا لعدم سماعهم الكلام و لكن ظلت هذه النسبة الموجودة حاليا و سيادتك منهم لتحكي للجميع قصة عدم الاضطهاد ... و أرجو أن تقارن ما حدث لمسيحيي مصر بعد دخول الفاتحين المسلمين و بين ما حدث لمسلمي الأندلس بعد دخول الفاتحين النصاري الأسبان و كتب التاريخ الغربي قبل العربي تمتليء بما تقشعر له الأبدان مما حدث لمسلمي الأندلس من اضطهاد و قتل و تعذيب و قطع للأطراف و سحق للعظام و نماذج محاكم التفتيش وقتذاك لا تزال وصمة عار في جبين الضمير الإنساني .
صديقي المسيحي: لكن انتشار مظاهر الدين من لحي و حجاب و نقاب و كذلك شعار الإسلام هو الحل الذي ترفعونه دائما و المطالبة الدائمة بتطبيق الشريعة الإسلامية كل هذا يزعجنا و يخيفنا...
أنا : صديقي العزيز .. تطبيقنا و التزامنا بالإسلام ليس موجها ضد أحد و ليس عندا أو نكاية فيكم و لكنها أوامر الله لنا فكما أمرنا بالصلاة و الصيام و الحج أمرنا أيضا بتطبيق الشريعة و الحدود... و لكن النقطة الهامة هي أن تطبيق الشريعة و الحدود سيكون علي الكل مسلمين و مسيحيين و هذا أمر معمول به في كل دول العالم حيث أن شريعة الأغلبية هي السائدة و هي قانون و دستور البلد و هويتها.. هذه واحدة أما الثانية فهي أننا لا نجبر أهل البلد علي تطبيق الشريعة و كل ما نطالب به هو أخذ رأي الشعب كله بمسلميه و مسيحييه في استفتاء شعبي سليم: هل توافق علي تطبيق الشريعة الإسلامية ؟ و لو وافق أغلبية الشعب علي ذلك سيكون الكل أمام القانون سواء و لن يخاف من الشريعة الإسلامية إلا الفاسدين و المجرمين و اللصوص سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين...
أما بخصوص انتشار مظاهر الدين من صلاة و لحي و نقاب و خلافه فاعلم صديقي العزيز أن المواجهة الحقيقية لحوادث العنف الطائفي إنما تكون بنشر و تشجيع التدين الوسطي الصحيح سواء وسط المسلمين أو وسط المسيحيين يعني نريد أن يكون المسلمون في مصر متدينين ملتزمين و كذلك المسيحيون يكونون متدينين ملتزمين لأن الذي يقوم بحوادث العنف الطائفي دائما ما يكون دائما إما جاهل بالدين و إما متعصب متطرف خارج عن الإجماع و عن وسطية الدين الصحيح .. و الخطأ الكبير الذي يحاول البعض أن يجرنا إليه هو أن نحارب التطرف و العنف بمحاربة أصول الدين و مظاهره كتجريم النقاب و اللحي و الصلاة و مظاهر الالتزام و الأخطر من ذلك مقترحات مثل العبث بنصوص الدستور و هوية البلد أو اقتراح إلغاء خانة الديانة في البطاقة الشخصية لأن كل ذلك سيؤدي إلي زيادة الاحتقان و العنف و الطائفية علي عكس المطلوب ... و عموما لابد أن تعلم و يعلم الجميع أن الوصول لحالة التسامح و المحبة المطلوبة لا تكون بالتنازل عن ثوابت و مظاهر ديني و كذلك الحال بالنسبة لك و لا يعقل أن يطلب ذلك أحد من المسلمين أو من المسيحيين فنشر الدين الوسطي الصحيح هو الحل لكل تلك المشاكل و ليس العكس.
صديقي المسيحي: طيب و موضوع الجزية ؟؟
أنا :ياعزيزي لازم تعرف و تتأكد من شيء هام جدا هي أن الشريعة الإسلامية جاءت لحفظ العدل و الحق في الدنيا كلها و لكل الناس علي اختلاف ألوانهم و عقائدهم و الشريعة لا تظلم أحد مهما كان... و غير المسلمين في المجتمع الإسلامي مواطنون لهم كافة الحقوق و عليهم كافة الواجبات مثلهم مثل المسلمين و عليه أقول لحضرتك أولا موضوع الجزية موضوع اختلف العلماء في حكمه في العصر الحالي بعد اشتراك المسيحيين في الجيش و التجنيد و جوانب الخدمة و الدفاع عن الوطن لذلك قال كثير منهم بسقوط الجزية الآن ... و ثانيا لن يدفع المسيحي شيئا زائدا عن المسلم لكونه مسيحي و لكن سيكون – لو استمرت الجزية – هناك تعادل بين الاثنين بمعني أن دفع الجزية سيكون للمسيحي القادر مثل الزكاة التي يدفعها المسلم القادر و تحصل من الاثنين بواسطة الدولة لتنفقها علي فقراء الشعب و علي إنشاء مشروعاته و متطلباته و احتياجاته... إذن سيكون هناك تعادل بين الاثنين لكونهما مواطنين في نفس الوطن و عليهما نفس الواجبات.
صديقي المسيحي: و لكن نحن عددنا كبير قد نصل إلي 10 أو 15 مليون من سكان مصر و مع ذلك فنحن مضطهدون فلا نستطيع أن نبني كنائسنا بسهولة و لا نصل إلي المناصب الحساسة مثل الداخلية و الرئاسة و مجلس الشعب وغيره فدائما نحن منبوذون و مستبعدون فلماذا !!؟؟
أنا : أولا بخصوص عددكم فلا أعرف حتي الآن لماذا لا تعلن الحكومة الحقائق بوضوح من خلال التعداد الرسمي الدوري العام الذي يتم في كل بلدان العالم لأن الإشاعات كثيرة مثل مقولة إن الكنيسة عاوزة تزود في عدد أتباعها علشان تحصل علي مكاسب سياسة من الحكومة و الحكومة لا تريد أن تعلن الحقيقة حتي لا تعمل مشكلة و مركز الإحصاء الأمريكي أعلن منذ عدة شهور إن عدد المسيحيين في مصر 5.9 مليون نسمة و الكنيسة زعلت و اتهمت جهات رسمية إنها سربت الأرقام دي و قالت الكنيسة إن عددنا 11 مليون و ساعات يرتفع الرقم إلي 14 أو 15 مليون و ضبابية الأمور يعطي الفرصة لانتشار مثل هذا الكلام و اللغط و الإشاعات و الحكومة لا تقول شيئا لماذا ؟ لا نعرف !!! ... علي أي الأحوال في رأيي هذا الرقم لن يفرق كثيرا في شيء لو وجدت الدولة المدنية الطبيعية التي تحتوي كل أولادها و تساوي بينهم دزن تفرقة أمام النظام و القانون فالعبرة للاجتهاد فقط .. أما المشكلة الحالية فهي أن كل أهل البلد مسلمين و مسيحيين حقوقهم منقوصة لذا يتسابق الكل للحصول علي بعض حقوقة بأي طريقة كانت و أنتم كمسيحيين تحاولون الوصول لحقوقكم الطبيعية و لكن بطريقة طائفية فأنتم ممنوعون من الوصول لأماكن و مناصب معينة و كذلك كثير جدا من إخوانكم المصريين المسلمين الملتزمين المتدينيين و لا يصل إلي هذه المناصب إلا من كان مواليا من المقربين و الأتباع و أصحاب التوصيات الذين يكون ولاؤهم للأشخاص و ليس للوطن ... و أحب أقول في هذا المقام أن ضغطكم علي الحكومة للوصول لبعض حقوقكم – مع عدم معارضتنا لأي إنسان أن يصل لحقه – و لكن محاولاتكم للوصول لحقوقكم بطريق طائفية و ليس بطريقة وطنية تشمل كل أهل الوطن سوف يؤدي إلي حدوث حالة من الكراهية لكم من جيرانكم و إخوانكم المسلمين و سوف يزيد التعصب و تنتشر حوادث العنف و العنف المضاد مما يعرضنا جميعا و نحن أهل مركب واحد لمخاطر عديدة لا تحمد عقباها و لا يعلم أحد مداها قد تصل بنا إلي قتال داخلي ثم احتلال أجنبي لا نجني منه سوي الخراب و الدمار لا قدر الله!!! أما بخصوص بناء الكنائس فلك أن تعرف أن بناء المساجد يقابله صعوبات و خطوات معقدة قد تكون أكثر من بناء الكنائس .. و إن لم تصدقني فمازال المسلمون يصلون حتي الآن في كل محافظات مصر أثناء صلاة الجمع و التراويح و غيره في الشوارع و الحواري الجانبية لعدم استيعاب المساجد الموجودة حاليا لأعداد المصلين المسلمين و هذا أمر لا نراكم تعانون منه... و علي كل فقانون بناء دور العبادة الموحد المزمع صدوره الذي يقوم علي العدد الواقعي لأهل كل حي سوف يحل هذه الإشكالية بشكل واقعي و منطقي و نرجو أن يصدر هذا القانون قريبا إن أرادت الحكومة حل هذه المشكلة.
صديقي المسيحي: و لكن نحن في نظركم كفار بنص القرآن عندكم و أنتم أيضا مطالبون في القرآن بحرب الكفار و القضاء عليهم لذلك نحن نخاف منكم و من تطبيق الإسلام...!!
أنا : صديقي ... العقيدة أمر قلبي و نحن كمسلمين نعتقد أننا علي الدين الحق و العقيدة الصحيحة و غيرها من العقائد و الملل الأخري كفر لأنه – في نظرنا – في موضوع العقيدة الحق واحد لا يتعدد فأنتم نعم في نظرنا كفار و هذا أمر اعتقادي قلبي كما ذكرت من قبل لكل فرد الحرية الكاملة فيما يعتقد و لكن السؤال المهم هو: ماذا بعد طالما أنت كافر في نظري ؟ هل ستكون الخطوة التالية أن أقتلك ؟ الإجابة: لا بالطبع لإن الكافر المطلوب قتاله هو الكافر المحارب المعتدي و يكون قتاله في هذه الحالة ليس بسبب كفره بداية و لكن بسبب اعتدائه علينا و محاربته لنا و القرآن عندنا واضح و صريح " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلونكم في الدين و لم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم و تقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين" أما أنت فأنت شريكي في الوطن و لك عهد و ذمة هي أمانة في عنقي أؤديها التزاما بديني .. و كما قلت من قبل لم يسجل التاريخ طوال عقود الخلافة الأسلامية (حوالي 1300 سنة) أي حادثة اعتداء علي المسيحيين من قبل المسلمين بسبب مسيحيتهم.
صديقي المسيحي: و لكن لماذا تغضبون منا إذا طالبنا بحقوقنا و اتبعنا أساليب مختلفة للوصول لبعض حقوقنا و تتهموننا في بعض الأحيان بالانتهازية والخيانة و في بعض الأحيان بالعمالة للخارج و معاونة قوي الاستعمار؟؟
أنا : أولا ياصديقي و كما قلت من قبل دعنا نتفق علي أن جميع أبناء الوطن مسلمين و مسيحيين لا يجدون داخل بلدهم الحد الأدني الطبيعي من حق الحياة الكريمة مثل بلاد العالم المحترمة...
ثانيا لابد أن يكون لنا عبرة من التاريخ الطويل الذي مر بنا و أن نأخذ خبرات و دروسا من الأحداث السابقة و نعرف و نتيقن أن الغرب طامع علي مدار التاريخ في الشرق و في استعماره و الاستيلاء علي خيراته و ثرواته و دائما ما يكون ذلك مغلفا بأهداف و دوافع نبيلة راقية في ظاهرها مثل المحافظة علي طرق التجارة قديما ثم حديثا مثل محاربة الإرهاب و نشر الديمقراطية و محاربة أسلحة الدمار الشامل و كل هذه الحجج المصطنعة و البروباجندا التي ينبغي ألا تنطلي علينا و تاريخ الشرق عموما و مصر خاصة حافل بالكثير من هذه التجارب المريرة بداية من حملات الفرنجة قديما و الحملة الفرنسية و حملة فريزر ثم الاستعمار الانجليزي و حديثا الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين و القدس و سيناء و الجولان ... ثم الاحتلال الأمريكي للصومال و أفغانستان و العراق ثم مخطط الغرب و إسرائيل لتقسيم السودان الجاري علي قدم و ساق اليوم و السبب النبيل المعلن هو حماية الأقليات و يعلم كل ذو عقل أن هذه بروباجندا لا تنطلي علي أحد و لا يمكن أن نستبدل الفساد و الظلم المحلي من أبناء جلدتنا بالاحتلال الأجنبي و الدخول في النفق المظلم لمخططات التقسيم و الاحتلال الأجنبي الغاشم و أمامنا الاحتلال الإسرائيلي لا يفرق في القتل بين الفلسطيني المسلم و الفلسطيني المسيحي و يهدم المساجد و كذلك الكنائس و المحتل الأمريكي في العراق لا يفرق في القتل بين العراقي المسلم و العراقي المسيحي إذن فلا ينبغي أن نعطيهم الفرصة "ليضحكوا علي ذقوننا" و ننزلق في مخططهم و "نبلع الطعم" حتي لا نقول مقولة الثور الأسود: " لقد أكلت يوم أكل الثور الأبيض"
و سؤال أخير لعقلك و قلبك صديقي: من تظن أنه أقرب إليك اليهود الصهاينة العنصريين الدمويين أم الأمريكان و الغرب المتغطرس المتعصب الدموي أم جيرانك وأهل بلدك المصريين المسلمين ؟؟
إذن فنحن جميعا إخوة الوطن نعيش في مركب واحد يسير بنا وسط الأمواج فيجب علينا جميعا أن ننتبه و نتكامل و نتكاتف لكي تسير سفينة الوطن بأمن و أمان الله و نصل إلي بر الأمان بإذن الله.
بقلم: د. جمال يوسف
0 التعليقات:
إرسال تعليق