الاثنين، 11 أكتوبر 2010

الإخوان ومشاركتهم في العملية الديمقراطية


يجوز للدعوة أن تشارك في الحكم العلماني، وترشِّح بعض دعاتها كوزراء ووكلاء وزارة وأعضاء برلمان، يقول أ. محمد أحمد الراشد في كتابه (أصول الإفتاء والاجتهاد التطبيقي في نظريات فقه الدعوة الإسلامية- الجزء الرابع، ص 67): "وهذه قضية خلافية أورثت جدلاً طويلاً بين الدعاة، ثم استقرَّ الإفتاء في النهاية على جواز تولِّي الوزارة، واستند في ذلك على فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية التي أجاز فيها للمستفتي أن يستمر في عمله مع سلطان ظالم من أجل تقليل الشر، وأوجب عليه ألا يتعفف عن ذلك؛ لأن السلطان سيولِّي غيره، ويكون البديل ظالمًا فيجتمع على الناس ظلم العامل وظلم السلطان معًا"، ثم يقول: "وإن كان أخي السلفي المتشدد فضيلة الشيخ الدكتور عمر الأشقر انتهى في بحثه المطبوع إلى القول بالجواز بشروط احتياطية، فهل يبقى بعد ذلك مجال للحرج؟!".

والقضية من الناحية الفقهية محسومة فيما أرى، وكبير فقهاء الدعوة فضيلة الشيخ القرضاوي قال بالجواز، وفي ثنايا شرح العلماء لقول يوسف عليه السلام @831;اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ@830; (يوسف: من الآية 55) يكمن منطق صائب يعضد القول بالجواز، مثل قول القرطبي، قال بعض أهل العلم أن في هذه الآية ما يبيح للرجل الفاضل أن يعمل للرجل الفاجر والسلطان الكافر بشرط أن يعلم أنه يفوِّض إليه في فعلاً لا يعارضه فيه، فيصلح منه ما شاء، وأما إذا كان عمله بحسب اختيار الفاجر وشهوته وفجوره فلا يجوز ذلك.

ثم يقول الأستاذ الراشد: "بل أكثر من ذلك: يجوز للداعية المسلم أن يمكث مع قوم كفار أو حزب علماني أو مجموعة غلب عليها الفجور، إذا كان وراء مكثه خدمة مصالح المسلمين بشكل من الأشكال التي يتفق عليها أمراء الدعوة"، ودليله ما أورده القرطبي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: "إن أناسًا من بني هاشم وغيرهم قد أُخرجوا كرهًا لا حاجة لهم لقتالنا، فمن لقي منكم أحدًا من بني هاشم فلا يقتله، ومن لقي أبا البحتري فلا يقتله ومن لقي العباس فلا يقتله، فإنه إنما أُخرج مستكرهًا" وذكر الحديث أنه أسلم يوم بدر"، وكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأخبار المشركين، وكان يحب أن يهاجر فكتب إليه الرسول صلى الله عليه وسلم: "أمكث بمكة فمقامك بها أنفع لنا" تفسير القرطبي/338.




أما الثانية، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول عن حلف الفضول- وكان حلفًا في الجاهلية لنصرة المظلومين-: "لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفًا ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو دعيت إليه في الإسلام لأجبت"، أترفض من يتحالف معك لنصرة الحق، وتتهمون الإخوان لأنهم تحالفوا مع الوفد أو العمل، ما الفرق بين هذا العمل وما تمنَّاه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال "لو دعيت إليه في الإسلام لأجبت" إنه تعاون على الوقوف في وجه الظالمين، ثم ألم تدخل "خزاعة" وهم مشركون في حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية، ثم ألم يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة بعد عودته من الطائف في جوار المطعم بن عدي وهو كافر؛ ليبلِّغ دعوة ربه، وكان ينادي في مواسم الحج هل من رجل يأويني ويحميني حتى أبلِّغ دعوة ربي.

نحن جماعة إصلاحية دعوية، وكل مؤسسات الوطن هي مؤسسات تقوم بأدوار لمصلحة الفرد والمواطن، تركها المفسدين يؤدِّي إلى تفاقم الفساد، ولكن لا بد من إصلاحها من الداخل، واستمع قول الله تعالى عن مؤمن سورة غافر الذي كان في مجلس شورى فرعون، ولما سمع المكائد لموسى عليه السلام وأتباعه لم يصمت، ولم يعتزل هذا المجلس لأنه "كفري" كما تقولون ولكن قال: وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) (غافر) فقد أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، فدخول البرلمان ليس هو منهاجنا في التغيير، ولكن نقوم بالدعوة والتكوين وتربية النشء ورعاية مصالح الضعفاء من أرامل وأيتام، وإني أُحيلك إلى رسالة المؤتمر السادس للإمام حسن البنا، وهو يقول تحت عنوان "وسيلتنا" أما وسائلنا العامة فهي:


ولمن أراد أن يستمع لكلام ابن عثيمين- رحمه الله- في هذا الموضوع وهو يشرح كتاب السياسة الشرعية لابن تيمية 22، ما نصَّه الفصل الأول "استعمال الأصلح" يقول ابن تيمية: "لا يقدم الرجل لكونه طلب الولاية أو سبق في الطلب بل يكون ذلك سبب المنع"، يقول ابن عثيمين معناه إن طلب الولاية سبب في منع من طلب، أما الذين يطلبون الولاية في الانتخابات فإنهم لا يقصدون أن يتولوها أنفسهم، لكن يقصدون أن يتولى حزبهم؛ لأن هناك حزبًا مضادًا فلو تركت الأحزاب الأخرى، فإنه يحصل الفساد، وهذا كقول يوسف عليه السلام @831;اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ@830; (يوسف: من الآية55)، ويقول ابن عثيمين- رحمه الله- في موضع آخر من نفس الكتاب السابق ص 137 فصل "التوظيف لمنع المظالم أو تخفيفها أو خوف دخول المفسدين" يقول: إذا كان ولي الأمر ظالمًا فإن عملك معه في هذا المكان سيخفف من الضرر الواقع على المسلمين، فإن ذلك يعتبر من باب المعاونة على دفع الظلم، وتؤجر على ذلك، وإذا امتنعت تأثم.





إننا أمام أمرين إما حكم الفرد (الديكتاتورية) أو حكم الشعب (الديمقراطية)، والإسلام منهما براء، ولكن إذا أردت الإصلاح فأي الخيارين أفضل، قطعًا ستختار الديمقراطية لما فيها من حرية إبداء الرأي ووجود الرأي و الرأي الآخر، فهذا المناخ جيد لأصحاب الدعوات يستطيعون أن ينشروا فكرتهم ويربوا أفرادهم على الإسلام دون اعتراض من أحد، وفي دولنا الإسلامية إذا خُيِّر الشعب بين أن يُحكم بالإسلام أو أن يُحكم بالقوانين الوضعية، فسوف يكون خياره الإسلام، ورأينا ذلك في مواقف كثيرة، كالتفافه حول رموزنا في الانتخابات البرلمانية وفي النقابات.


والحقيقة أن هذا الكلام اتهام يردُّه الواقع، فإذا أخذنا التجربة التركية مثلاً وهي تجربة كثيرًا ما يضرب بها الأخ الفاضل الشيخ عبد المنعم المثل في حلقاته على موقع (صوت السلف)، نجد أن الديموقراطية كانت سببًا لتمكين حزب الرفاة ومن قبله لحزب السلامة، ولكن العلمانية وهي النظام المدني الذي ترفعه الدولة أطاح بالحزب وإصلاحاته؛ لأن العلمانية فوق الديموقراطية، ونحن في مصر ينص دستور الدولة على أن دين الدولة الإسلام، وأن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، فالإسلام فوق الديموقراطية، والإسلام أولاً.


وكان جوابه: نرى أنه يجوز الدخول في هذه الانتخابات، حتى لا يختص الأشرار والمبتدعة بتلك المناصب والولايات، فإنهم قد يفرضون قوَّتهم على أهل السنة وأهل الصلاح، ويكون في ذلك ضرر على أهل الخير، كما لا يجوز الخروج على الأئمة وولاة الأمور، فقد وردت أحاديث في ذم الخوارج الذين خرجوا على عثمان وعلي رضي الله عنهما، يطالبون ببعض حقوقهم، فورد أنهم: "كلاب النار"، وأنهم: "يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية"، ولكن مع ذلك يجوز للمحرومين المطالبة ببعض حقوقهم، ولو استدعى ذلك مظاهرات سلمية دون إحداث شغب أو نحو ذلك، وإن خيف الضرر على أهل الخير جاز الاستسلام والطواعية، وحرِّم الخروج والمظاهرات التي تضر بالمسلمين، قاله وأملاه: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين في 21/12/1426هـ.


وكانت إجابة الشيخ بن جبرين: لا بأس بالدخول في هذه الانتخابات التي تختص بأمور التشريع؛ وذلك لأن أنظمة هذه البلاد ترشح الأكثر اختيارًا ويرشحونه ولو كان غير كفء، وحيث إن هناك كثيرًا من المبتدعة والفسقة يختارون من ليس صالحًا، حتى يمكنهم من إظهار شعائرهم ومحاربة من خالفهم، فنرى مضايقتهم والدخول في هذه الانتخابات سيما الدعاة المخلصين، فإنهم لا يختارون إلا مَن في ولايته صلاح للإسلام والمسلمين، وفي تولِّيه تقرير لأهل الخير ونصرة للحق وأهله، بحيث يُولَّى الصالحون الوظائف المهمة كالقضاء والتعليم والخطابة والإمامة، فنرى أن دخول الصالحين فيه مصلحة كبيرة، ونقول أيضًا لا بأس أن يشارك طالب العلم وينظِّم ويعمل في اللجان الخاصة بهذه الانتخابات، والتي تقوم الدولة بترشيحهم إلى العمل فيها، ولكن يشترط أن يكون قصده الإصلاح وإدخال التحسينات والاقتراحات المفيدة، وتقريب أهل السنة ورفع مكانة علماء المسلمين، وإبعاد المبتدعة والعصاة عن هذه الانتخابات، فلعله بذلك يحسن إلى الأمة، والله أعلم، قاله وأملاه عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين في 17/7/1423هـ.



دور مجلس الشعب رقابة الحكومة وسن التشريعات اللازمة، ووجود الإسلاميين داخل المجلس يضمن الرقابة الجادة، وكشف الفساد، وما حدث في الدورة الماضية شاهد على ذلك، أما بخصوص سن التشريعات اللازمة لملء الفراغ التشريعي الذي ينظِّم حياة الناس، ويضبط حركاتهم، فوجود الإسلاميين يضمن عدم مخالفة هذه القوانين شرع الله عزَّ وجلَّ، أما أن ندفن رءوسنا في الرمال، ونقاطع لزعمنا وجود مفاسد محتملة، ونترك المصالح المتيقنة من دخول الإخوان البرلمان، فهذا يخالف قاعدة الموازنة بين المصالح والمفاسد.


0 التعليقات:

الحقوق محفوظة لـ - مدونة المرايا المستوية | الإخوان المسلمون