نحن جماعة من البشر نسير سويا و نتفق فيما بيننا علي أسلوب و طريقة لهذا السير - هياكل و أنظمة و لوائح- ... و نحن بشر لكل منا عقل و رؤية و ثقافة و توجهات و مقاييس و أعراف و موازين و نظرات و أحكام .. صحيح أن الدعوة تقرب بين عقولنا و قلوبنا و رؤانا و لكن تظل الفروق الفردية و الشخصية موجودة و مؤثرة.. إذن فهذا أمر فطري طبيعي لا يزعجنا و لا يخيفنا بل المفترض أنه علي العكس يفرحنا و يقوينا لأنه يثري الأفكار و يعدد الاختيارات و قد تندمج و تتلاقح فتنتج أفكارا جديدة مبتكرة متطورة قوية و لكن هذا مشروطا بأن نتبع أسلوبا سليما كي نصل إلي هذه النتيجة .. فما هو هذا الأسلوب ؟؟
قلنا أننا بشر من الناس و طبيعة البشر الاختلاف كثيرا .. و قلنا أن هذا الاختلاف لا يزعجنا أبدا بل يزيدنا قوة و نؤكد هنا علي ألا يكون هذا الاختلاف لمجرد الاختلاف و لكن ينبغي أن يكون من أجل المصلحة المعتبرة الحقيقية ..
يلي ذلك انه لابد من التشاور و التحاور و النقاش حتي نصل إلي حالة إقناع بعضنا لبعض أو نتوصل إلي حالة من التوافق و نلتقي وسط الطريق و هذا يتطلب منا جميعا أن نكون متجردين و بعيدين كل البعد عن أن يتعصب كل فرد لرأيه لمجرد أنه رأيه و لكن نذكر هنا أن يكون الحوار و التشاور داخل الدائرة المنوط بها اتخاذ القرار
و لكن لابد أن ندرك أن أعمالنا الدارجة في الدعوة لا نتحدث و لا نختلف فيها حول الصواب و الخطأ و لكن نختلف حول مدي صواب هذا الأمر أو مدي خطأه و نختلف حول نسبة الإيجابيات و نسبة السلبيات فيه .. و لابد أن نذكر أن الأمر الواحد و عكسه في كليهما نسبة من الإيجابيات و نسبة من السلبيات و نحن نتفاوت في تقدير هذه النسب مثل موضوع المشاركة في الانتخابات من عدمه مثلا و نسبة المشاركة و غيره من مثل هذه الأمور
لابد أن نؤكد ثانية أن نمارس هذا الاختلاف و النقاش في الدائرة الخاصة به و قد تتسع هذه الدائرة أحيانا لتشمل الصف كله و لا يصح أن ننشر هذا الخلاف خارج هذه الدائرة بلا داعي لأننا بذلك نتسبب في حالة من الارتباك و البلبلة التي لا داعي لها إلا إذا كان الأمر مطروحا للنقاش العام أو علي مسويات متعددة أو علي كل المستويات فلا بأس حتي نعرف خلاصة توجه هذه المستويات و عموم الصف ثم يتم بلورة الأمر أمام القيادة
إذن فنحن في غالب الأحيان إن لم يكن كلها نختار أمرا صائبا من عدة أمور أو اختيارات صائبة تختلف نسب الصواب فيها فهل في ذلك أي ضرر أو مشكلة ؟؟
و لكن يقول القائل أنا أختار الأكثر صوابا .. فنقول له هذا من وجهة نظرك و لك عقلك و اختيارك و لا تنس أن الآخرين أيضا لهم نظر و عقل مثل عقلك و قد يكون أفضل من عقلك فهنا ننظر إلي الملاحظات التالية...
هو صواب مختار من عدة اختيارات صائبة يقابله صواب اختاره عدد أكبر من الأفراد فهنا نحن أمام عدة مواقف الأول أن أتعصب و أصمم علي رأيي و لا أتنازل عنه فإما أن يؤخذ برأيي و إلا ... هذا فراق بيني و بينك ! و الثاني أن أظل علي الحياد أي أنني لا أناصر رأي المجموع وفي نفس الوقت لا أعارضه ! و الثالث أن أناصر رأي المجموع و لكن يظل في نفسي شيء من عدم الرضا و الرابع و يظل هو الأروع و الأورع أن أتبني رأي المجموع و أناصره و أدافع عنه بلا حرج و لا تردد و بلا شيء في نفسي .. فكيف نحقق هذا النموذج الراقي ؟؟
بداية نعلم أن الله تعالي هو مجري الأقدار و مقرر الأمور و لا يختار الإنسان لنفسه قرارا بل الله يقدر له و يهديه لهذا الأمر أو ذاك مع العلم بأن الإنسان هو الذي يختار و يقرر و لكن هذا هو تقدير الله له من قبل .. و الله تعالي أراد للفئة المؤمنة أن تتخذ قراراتها بطريق الشوري (و أمرهم شوري بينهم) و الشوري تعني المشاورة و تقليب الآراء و التناصح و الاختيار من متعدد ثم أخذ الرأي ذو الكفة الراجحة أي بالأغلبية .. أي أن الله تعالي أراد أن تجري أقداره بهذه الطريقة و أن الله تعالي يهدي الأغلبية لوجهة معينة إذن فاختيار الأغلبية هو تقدير الله عز و جل للجماعة .. لذا فعلي العاقل أن يطمئن و يرضي و يسلم و يقنع بطيب خاطر إذا اختارت الشوري أمرا حتي و لو كان علي غير هواه و رؤيته فهو يقول لنفسه هذا هو اختيار و تقدير الله سبحانه و تعالي لنا
نقف الآن مع من يعارض رأي الأغلبية و يرفضه – طبعا بعد مرحلة النقاش و المراجعة و إبداء الرأي و الحيثيات و ما إلي ذلك و داخل دائرة المنوط بها اتخاذ القرار- و مع ذلك يصر علي رأيه و علي المخالفة و يخرج عن الإجماع .. هو طبعا يضعف الجماعة إذ فقدت عضوا من أعضائها و نقص عدد مناصريها و لو نظريا علي الأقل .. يضاف إلي ذلك أنه قد يتأثر برأيه أفراد آخرون خاصة صغار السن و الخبرة من محبيه و أصدقاؤه فيؤدي ذلك إلي بعض الخلخلة و الضعف لا شك !! و هذا – و ياللعجب – عكس ما كان يريده و يصبو إليه إذ كان بموقفه الذي أصر عليه يريد المصلحة الأكبر للجماعة فإذا به يؤدي إلي خلل و ضعف فهل هذا عقل أو منطق ؟!! .. و الأدهي و الأمر من ذلك أنه قد يترك السفينة و يغادرها و ينزل منها !! فإلي أين ؟؟ إلي الماء فيصارع الأمواج و الرياح و النتيجة دائما معلومة حتي لو قاوم وحده قليلا فلن يستطيع الاستمرار أمام الأمواج العاتية و سوف تجرفه لا محالة إلي أعماق المجهول و الأمثلة أمامنا كثيرة و لا مجال للسرد و التاريخ خير حاكي و من يتأثر به و يذهب معه سيلاقي نفس المصير المؤلم ... فهل يعقل العقلاء ؟؟
و هناك موقف أقل من الخطورة .. أنه يظل علي السفينة و لا يغادرها و لكنه في حال من السكون و الجمود لا إلي هؤلاء و لا إلي هؤلاء أي أنه لا يلتزم و لا يناصر رأي الأغلبية و لا يصر علي رأيه و يظهر منه هذا الموقف الرافض أمام المجموع فهذا يكون مآله لأحد حالين: الأول أن تكشف الأيام أن رأي الجماعة كان أصوب فيكون موقفه موقف الخزي و الانكسار , أما الثاني أن تكشف الأيام أن موقفه هو كان أصوب فيكون موقفه موقف الخزي أيضا لأنه أولا كان غير مقنعا للآخرين حتي يأخذوا برأيه و ثانيا لأنه ربما لو كان قد دعم و أيد رأي المجموع – الذي هو أقل صوابا – لربما زاده قوة و دعما فكان ذلك سببا في أن تكون نتيجته أفضل فالاجتماع علي نصف الحق و دعمه يؤدي إلي نتيجة إيجابية أفضل بكثير من التفرق علي الحق كله .. إذن هو في الحالين في خسران و يؤدي إلي نتيجة عكس ما كال يصبو لجماعته إذا كان يريد لها الخير و المصلحة
قضية أخري هامة نريد أن نتحاور حولها و هي إذا كانت دائرة من دوائر اتخاذ القرار تناقش أمرا و وصلت فيه لقرار عن طريق الأغلبية و كان من الطبيعي أن يكون هناك رأي معارض لم يؤخذ به فهل من المنطقي أن يخرج أحد أصحاب هذا الرأي المعارض ليعلنوا تفاصيل هذا النقاش و الخلاف علي دوائر أخري أو علي الملأ و يحكي أنني قلت لهم كذا و كذا و لكنهم لم يأخذوا برأيي ؟ فلمثل هذا الفرد نسأله ماذا تريد و إلام تصبو ؟ هل تريد المصلحة أم تريد مجدا شخصيا أم تريد البلبلة و زرع الخلل و الخلاف ؟؟ بالطبع الكل يريد المصلحة إذن فلنعرف و لنوقن أن المصلحة الأكبر دائما و أبدا في جمع الكلمة و وحدة الصف بلا أدني شك لأنه كما ذكرنا من قبل أن الاجتماع و لو علي نصف الصواب يقويه و يؤدي إلي نتيجة جيدة أما التفرق علي الصواب كله تكون نتيجته ضعيفة و سلبية
و كلمة أخيرة ...فإن المؤسسات و الهيئات في أماكن متفرقة من العالم تشتري بالمال و بالماديات منظّّرين لها كي يتبنوا وجهة نظرها و يعلنوها و يقنعوا الآخرين بها و ينظّّروا لها في مواجهة الآخرين و هي وجهات نظر فيها ما فيها .. فما بال البعض منا و هم قطعة منا و نحن قطعة منهم لا يتبنوا مواقف جماعتهم و آراءها – و هي كما قلنا في مجال الصواب و الأصوب و ليست في مجال الخطأ و الصواب ؟ - تحت مسميات و استدلالات في غير موضعها من قبيل حرية الرأي و في الأمر سعة و التعددية و الحرية مع عدم معارضتنا لهذه المعاني و لكن في مكانها و إطارها الصحيح
فهل نحافظ علي سفينتنا و ندفع كلنا في اتجاه واحد فالتحديات كثيرة و الأمواج و الرياح الخارجية قوية و عاتية و لكننا لها و قادرون علي ترويضها إذا اجتمعنا كلنا علي كلمة واحدة فالاتحاد قوة و نصر و عزة.
بقلم د. جمال يوسف
0 التعليقات:
إرسال تعليق