دخلت المسجد ذات يوم، قبل صلاة الظهر بثلث الساعة او يزيد، واذا بعصفرة واقفة داخل المسجد، يبدو اجهادا قد اصابها. فأخذت أرقبها من بعيد، فاذا بعصفور يظهر فى المشهد ، اخذ يحوم حولها المرة تلو المرة، وبعد كل مرة يطير عالياً ليقف على الجزامة مرة ثم على الشباك المغلق الأوسط مرة، ثم على الشباك العلوى المفتوح، لاحظت أن العصفور يقف قليلاً على الشباك المفتوح قبل أن ينزل ليحوم حول العصفورة مرة أخرى. ظننت أنهما فى موسم تزاوج فى بادئ الأمر، فالمكان خالى ولا أحد يعكر عليهما صفو اللقاء، ولكننى لاحظت أن سلوك كليهما لا يعكس هذا، فمشهد العصفورة الساكن لا ينبأ بذلك، بل إن حركة العصفور المطربة غير المنسجمة تنبئ بغير هذا، تابعت المشهد لاصل إلى حقيقة الأمر ..
وما هى الا دقائق الا وبدأت العصفورة فى الحركة والطيران، فاذا بها تطير مرتفعة نحو الجزامة ولا تكاد تصل إلى الرف الثانى منها غير متجاوزة اياه. هنا ادرك الحقيقة؛ فقد كان جناح العصفورة مصاب بالدرجة التى لا تستطيع معه الطيران؛ لذا ادركت أن المشهد ليس مشهد تزاوج لكنه مشهد الحث على الانطلاق والطيران، فما حركة العصفور المطربة المتسارعة المتكررة الا لحث العصفورة على ترك المكان فما هى الا دقائق قليلة ويأتى المصلون ومعهم اولادهم؛ ولربما وقعت العصفورة فى اسر أحدهم؛ وهنا تقاذفت فى ذهنى أسئلة عديدة منها:
1. هل العصفورة لم تطير بالرغم من محاولة العصفور فى حثها لعدم معرفتها بطريق الخروج (الجانب المعرفي)؟
2. هل العصفورة لم تطير لعدم رغبتها فى الخروج (الجانب الوجداني)؟
3. هل العصفورة لم تطير لعدم معرفتها بطرق الطيران ومهاراته (الجانب المهاري)؟
اقول لا فالعصفورة قد توفر لها الجانب المعرف بالمحاولات المستمرة من العصفور لحثها على الطيران، بل اقول إن العصفورة نفسها ربما دخلت من نفس المكان الذى يرشدها اليه العصفور، لذا فقد توفر لها الجانب المعرفي على اعلى مستوى. اما رغبة العصفورة فى الطيران تفوق رغبة العصفور؛ لأنها تعلم جيدا معنى الأسر على يد الأطفال .. فالرغبة فى الطيران وعدم الوقوع فى الاسر يعلى من الجانب الوجدانى عندها ومن ثم يحثها بل ويدفعها دفعاً للطيران. اما مهارة الطيران (الجانب المهاري) فكونها عصفورة تجعل من هذه المهارة أحد مكوناتها الأساسية، بل هى من تعلم صغارها تلك المهارة.
ويظل السؤال قائماً: لماذا لم تطير العصفورة بالرغم من توفر كل العوامل الازمة للطيران الذى يمثل لها عادة تعودت عليها واصبحت تُعرف بها بل ويُعرف بها.
إن العقبة الوحيدة فى طيران العصفورة وتحليقها من جديد، هو ما اصاب جناحها من علة جلتها لا تستطيع القدرة على الطيران بالرغم من امتلاكها. كل المقومات السابقة وهنا يأتى أهمية الجانب الإيماني في حياتنا كلها لنبدأ صفحة جديدة فى حياتنا وحياة الأخرين، إن العصفورة قد امتلكت كل موقومات النجاح فى الطيران ولكنها لم تطر لما اصابها من علة بجناحها، وكذلك أنت ربما امتلكت كل مقومات النجاح ولكن الجانب الإيماني به قصور؛ فالمعاصى والذنوب هى ما أقعدتك وقيدتك من الانطلاق لذا كان هذا الجانب هو ما نبدأ به صفحتك الجديدة على خلاف معظم برامج التنمية البشرية؛ لما له من تأثير عميق فى حياة الانسان كل الإنسان فى الأرض كل الأرض عبر الزمان كل الزمان.
0 التعليقات:
إرسال تعليق