|
- حب الناس مفتاح النجاح والخبرة تأتي من الفشل
- مهارات الدعوة الفردية ضرورة لا غنى عنها
- رفع سقف الأهداف عاليًا يؤدِّي إلى الإخفاق
حوار: علاء عياد
الدعوة الفردية ليست أمرًا سهلاً، ولهذا لا يمكن أن يقوم بها سوى أناس بعينهم، كما أن الضغوط الحياتية المتنوعة التي تثقل اليوم كاهل الناس في كل زمان ومكان، تجعل مهمة مَن يقومون بهذا العمل شبه مستحيلة!!.. هذه الشكاوى وغيرها تترد على ألسنة الكثيرين اليوم، وهو ما أدَّى إلى تثبيط همم البعض وتسرُّب بعض الأفكار الخاطئة إلى آخرين.
وفي سطور الحوار التالي يؤكد الداعية الإسلامي د. علاء محرم أهمية التعرُّف على فنون ومهارات الدعوة الفردية المختلفة باعتبارها أفضل معين للسائرين على درب الحبيب، الذي أولى هذا النوع من الدعوة اهتمامًا كبيرًا فإلى تفاصيل الحوار:
* لماذا يعتقد البعض أن النجاح في ممارسة الدعوة الفردية مرحلة بالغة الصعوبة؟
** القول بأن الهدف الوحيد من الدعوة الفردية هو إدخال أفراد جدد إلى الإخوان قد أحدث عدة إشكاليات، أولها: صعوبة ممارسة الدعوة الفردية على أفراد الصف؛ لأنه كلما ارتفع سقف الهدف قلَّ عدد مَن يستطيع تحقيقه، ثاني هذه الإشكاليات: اعتبار الحالات التي لم ينجح الداعية في ضمها إلى صفوف الدعوة فشلاً، مما يحدث صدمةً لديه ربما تدفعه إلى التوقُّف عن ممارستها مستقبلاً.
وأحسب أننا إذا أجرينا مسحًا في وسط الدعاة سنجد أن النتائج وفقًا للانخراط في صفوف الجماعة لا تتجاوز واحد على عشرة، بمعنى أن كل عشرة أشخاص يمارس معهم الدعوة الفردية ينضم شخص واحد إلى جماعة الإخوان، وهذا يؤكد الخطأ الكبير في وصف ما حدث مع هؤلاء التسعة بالفشل، فهؤلاء الذين لم ينجح الداعية في ضمهم إلى الإخوان من الممكن أن يتم توظيفهم في خدمة مجتمعهم ويصبحون مساندين للدعوة، ويقدمون لها الكثير مقارنةً بآخرين موجودين داخل الصف بالفعل.
وهنا أضرب مثلاً باثنين من أعمام الرسول صلى الله عليه وسلم، أحدهم دخل الإسلام هو سيدنا حمزة بن عبد المطلب، والثاني هو أبو طالب الذي لم يسلم وقدَّم خدمات جليلة جدًّا للإسلام؛ حيث وفَّر حمايةً كبيرةً للنبي صلى الله عليه وسلم حتى وصل إلى أنه عندما مات سُمي هذا العام بعام الحزن.
الهدف العام
* وإلى ماذا ترجعون اعتقاد البعض أن الدعوة الفردية مهمة قاصرة على أشخاصٍ بعينهم دون سواهم؟
** الحقيقة أنه نما بالفعل مفهوم داخل الصف يقول إن الدعوة الفردية لها أناس مخصوصة، لدرجة أنك تجد اليوم مَن يقول لك هل من الممكن أن أمارس الدعوة مع الناس حتى مرحلة معينة ثم يقوم شخصٌ آخر بإكمال المهمة لعدم قدرتي على إكمال الأمر حتى النهاية!؟ وهذا الفهم المغلوط كان وراءه ارتفاع سقف هدف الدعوة الفردية كما أوضحت؛ ولذلك يجب أن يكون الهدف العام لها هو التوظيف لخدمة الإسلام؛ بحيث يعرف المدعو أن العمل لنصرة الإسلام واجب يأثم مَن لم يقم به أمام الله عزَّ وجلَّ، ومن ثَمَّ توجيه المدعو إلى القيام بخدمة الإسلام، وبذلك تصبح الدعوة الفردية مشروعًا مجتمعيًّا يعمل به الجميع.
ولنفترض مثلاً أن هناك أبًا لديه ولد مدخن، فإذا اكتفى هذا الوالد بتوجيه النصائح والانتقادات لابنه فربما لا ينجح، أما إذا بدأ بدراسة كاملة لشبكة العلاقات الخاصة بالابن والمؤثرات المختلفة المحيطة به، وتعامل مع ابنه من منطلق الحب والقرب والاهتمام، ثم قام برفع إيمانياته، وأدخله في بيئة جيدة، ثم قام بإدخال المفاهيم بالتدرج؛ سنجد أن الولد سوف تتغير- مع الوقت- تصرفاته، وسوف تصبح أفضل كثيرًا من ذي قبل؛ ولذلك أقول إن ثقافة الدعوة الفردية المتدرجة غير موجودة في المجتمع، ووظيفتنا أن يتبنَّى المجتمع هذه المشاريع.
* ومن أين نبعث هذه الرؤية الجديدة للدعوة الفردية؟
** هذا الرؤية جاءت بعد أن حدث تآكل للعمل العام نتيجة الهجوم المتكرر على النقابات واتحادات الطلبة في التسعينيات، ونحن سبقنا هذه النماذج، وهذه الرؤية التي أتحدث عنها نحن ننفذها منذ عشر سنوات، ومشاريع مثل صنَّاع الحياة، ورسالة لفتت النظر، لكن الحقيقة أن الشباب الموجودين ضمن هذه المشاريع مهددون بالذوبان؛ لأن أعمال البر التي يمارسونها يجب أن يسير معها على نفس الخط أعمال تربوية، وهذا أمر في غاية الخطورة، ولكن أعتقد أنه غائب الآن عن أذهان الكثيرين.
وبصورة عامة فإن المجتمع لا يزال فيه طاقات وكنوز لا بد من توظيفها؛ ولذلك أقول إن الدعاة إذا أحسنوا التعامل مع الدعوة الفردية، وأصبح سقفنا خلالها التوظيف، فسوف يتم تفعيل أكثر من عشرة أمثال عدد الدعاة الحالين، وهذا يعتبر قفزة مجتمعية كبيرة، وبذلك سنضرب قوة الدعاة في عشر أمثالهم.
دليل صلاح
![]() |
* كيف ترى واقع الدعوة الفردية في ظل القول بتراجع الاهتمام بها أمام العمل العام؟
** الدعوة الفردية تتم كل يومٍ بشكلٍ تلقائي، ومن أبسط صورها تأثير فرد على فرد، وهذا يتم كل يوم، ولكن الحقيقة أن الكثير من الجهود غير منظمة، وهو ما ينعكس بالطبع بصورةٍ سلبيةٍ على الأهداف،
وأكبر دليل على أهمية الدعوة الفردية أننا نجد أن معظم الأشخاص الذين يلتزمون يكون السبب في التزامهم جهد تراكمي قام به مجموعةٌ كبيرةٌ من الدعاة في أكثر من مرحلةٍ زمنية.
* بم ترد على مَن يقول إن هناك تراجعًا وعدم اهتمام بتطوير دراسات الدعوة الفردية بما يتواكب مع روح العصر؟
** بلا شك فإن هناك تطويرًا يتم بصورةٍ مستمرة؛ حيث تمَّ تطوير الرسالة الأولى التي كتبها الأستاذ مصطفى مشهور، والتي كانت تؤكد أن الأساس في الاختيار هو الأخلاق الإسلامية، فقد تغيَّر وأصبح أساس الاختيار الأخلاق الأساسية، وكان التركيز يتم على الأشخاص الذين يصلُّون في المسجد، ولكننا رأينا أن الصلاة في المسجد ليست دليل صلاح، فمن الممكن أن يصلي الرجل به ولا يتقن عمله أو يستدين ولا يرد الديون أو يرتشي، بالإضافة إلى ذلك فالشخص الذي لا يصلِّى من الممكن أن ندعوه إلى الصلاة، لكن المهم أن يكون الشخص الذي أدعوه كريمًا صادقًا شجاعًا حتى وإن لم يكن يصلي، فمن الصعب أن نغير من الشخص البخيل ونجعل منه كريمًا.
* وكيف يمكن أن يتغلَّب الداعي على المؤثرات المختلفة التي يقع المدعو تحت تأثيرها داخل المجتمع؟
** المؤثرات نوعان، أحدهما إيجابي والآخر سلبي، وعند التعرُّف على الشخص يجب رسم خريطة له تحدد المؤثرات المختلفة، ودور الداعية أن يقوم بزيادة مساحة المؤثرات الإيجابية على حساب السلبية من خلال الحب والتعارف والصداقة وليس الأمر العسكري, وكما يقولون النفس لها قدرة استيعابية معينة، و"الشطارة" أن ندخل إلى المدعو كل فترة شيئًا إيجابيًّا ولو كان بسيطًا، ففي استمراره على هذا الشيء زيادة لإيمان المدعو وعلاقاته بربنا، التي تمثل المضاد الحيوي.
حاسبات كثيرة
![]() |
* ما رأيك في تحوُّل الدعوة الفردية من الاتصال الشخصي إلى غرف الشات والدردشة؟
** أهم شيء في الدعوة الفردية هو الاتصال، والذي لا يستلزم أن يكون جسمي بجوار جسمك، ولكن أن يكون عقلي بجوار عقلك، وهذا يمكن أن يحدث عن طريق الموبيل أو الإنترنت، وهو ما أدَّى إلى إلغاء شرط القرب المكاني، وإمكانية ممارسة الدعوة مع شخصٍ في فرنسا مثلاً دون أن تحتاج أن إلى تسافر له أو تنتقل إليه.
ويمكن الاستفادة من وسائل التكنولوجيا كذلك إذا كان الداعية يمارس الدعوة مع شخص وقدَّر الله أن يسافر هذا الشخص فجأةً، فليس معنى ذلك انتهاء علاقة الداعية بالمدعو، بل من الممكن استمرار الدعوة ومتابعة المدعو من خلال الوسائل الحديثة.
* تسقط من حسابتنا في أحيان كثيرة طرح بذور الدعوة الفردية في المحيطات الأكثر قربًا (الأسرة ودوائر العمل والدراسة) فهل هذا أفضل لحساسية العلاقات؟
** الأفضل أن يحظى الأقرب بالحظ الأوفر من الدعوة الفردية، يقول الله تعالى: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأْْقرَبِينَ (214)﴾ (الشعراء)، وهذا ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم؛ حيث كان في بيته بداية البعثة زوجه السيدة خديجة، وطفل هو علي بن أبي طالب، وغلام هو زيد بن حارثة، الذي فضَّل العيش في العبودية مع الرسول صلى الله عليه وسلم عن الحرية مع والده وعمه، وكلهم أسلموا.
والجانب الخلقي هو أهم شيء في الدعوة، وهذا يفسر فشل البعض في الدعوة الفردية مع أهله وأقاربه، وإذا أراد شخص أن يكون إنتاجه في المحيط القريب، فعليه أن يكون ذو أخلاق وتعامل طيب مع الناس.
معرفة ومهارة
* الأوساط الأكثر ترابطًا تجعل الداعي دائمًا "تحت المجهر" ومحل تربص، فكيف يمكن أن يواجه الداعية ذلك؟
** لقد أوضحت أن الدعوة الفردية لا تكون إلى الإخوان المسلمين ولكنها إلى الإسلام، وهذه هي دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، والانتظام في جماعةٍ ليس شطارة من أحد، والدعوة إلى جماعة يصنع دائمًا فشلاً.
فالأصل أننا ندعو الناس إلى الإسلام، والذي تكون إمكانياته تؤهله إلى ذلك سيأتي بنفسه، وكلما كانت الدعوة منطقية وسهلة سارت بطريقة جيدة، والخطأ أن ندعو الناس إلى الإخوان وليس الإسلام.
* ما الشروط التي يجب أن تتوافر في الداعية حتى يكون للدعوة الفردية ثمرة؟
** شأن أي عمل هناك ثلاثة شروط يجب أن تتوافر في الداعية وهي: الرغبة والقدرة والبيئة، وكل شرط من هذه الشروط الثلاثة ينقسم إلى اثنين، فالرغبة دافع وحافز، والقدرة معرفة ومهارة، والبيئة داخلية وخارجية.
إذًا هناك 6 عناصر استيفاؤهم مهم جدًّا للداعي، فلا بد أن يكون عند الداعي دافعية داخلية للقيام بالدعوة، وحافز من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم"، وفي رواية: "خير لك مما طلعت عليه الشمس".
والقدرة تشمل المعرفة والمهارة، فلا بد من معرفة الخطوات والمراحل حتى لا تأتي مرحلة قبل مرحلة، ويعرف الداعي كيف ينفِّذ كل مرحلة، والمهارة تضم مهارة الحوار واستيعاب الآخرين والاتصال.
ثم تأتي البيئة داخليًّا، ومنها نتعرف على ظروف الداعي، والبيئة الخارجية هي البيئة المساعدة لإتمام مراحل الدعوة.
تدارك الأخطاء
![]() |
* أثناء عملية الدعوة الفردية كيف يمكن تدارك الأخطاء وتقويم أداء الداعية؟
** الدعوة مثل السباحة، والداعي هو مدرسك وليس الكتاب، وبالتجربة تتكون مهارة التعامل مع الآخرين، والخبرة قد تأتي من الفشل، كما تأتي من النجاح، فعندما يفعل شخص شيئًا خطأً فمن المؤكد أنه لن يكرر ذلك مرةً أخرى.
فلا بد من الممارسة والتوكُّل على الله عزَّ وجلَّ، فالقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيفما يشاء، وطالما أنك تريد أن يقود الله قلوب الناس إليك فلا بد لك من الإخلاص، وإذا اعتمدت على قوتك وخبرتك ستفشل؛ لأنه لا حول ولا قوة لك إلا بالله.
وعلى قدر ما يحمل الداعية من حب للناس تكون الدعوة ناجحة وليس على قدر المعلومات، والحب له علاقة بعلاقتك بالله وبكتابه، فمصدر الحب الكبير هو الله عزَّ وجلَّ.
* مع الانشغال الحياتي الذي يمر به أغلب الدعاة، يشكو الكثيرون من عدم وجود وقت لممارسة الدعوة الفردية؟
** أنا أرى أن الظروف الآن أفضل من قبل، فوسائل الاتصال سهَّلت أشياءً كثيرةً، والدعوة الفردية لا تحتاج إلى أن تجلس مع المدعو بل تحتاج إلى أن تتعامل مع المدعو؛ بحيث تعطي له في كل مرة جزءًا من رصيد الإسلام، فالأمر يحتاج إلى إدارة الحالة وليس التفاصيل.
0 التعليقات:
إرسال تعليق