التصور الاقتصادي والبيئي للسهل الساحلي بين مدينتي شلا تين وأبو رماد جنوب الصحراء الشرقية ، مصر.
من المبكيات أن يعلم المصريين أننا نعيش فقط على حوالي 5 ٪ من مساحة مصر متمثلة في طول الوادي الضيق لنهر النيل العظيم والدلتا اليتيمة ثم نشكو ضيق المدن وتزاحم البشر وسوء التخطيط الذي يلازمنا منذ العقود الخمسة الأخيرة. إن الزيادة السكانية تتزامن دائما مع تدمير كثير من الأراضي الزراعية لتوسيع المدن القديمة لاستيعاب هذه الزيادة مما تسبب في اتساع الفجوة بين احتياجاتنا الغذائية والمنتج من الغذاء على الرغم من المحاولات المستمرة لتقليل هذه الفجوة رأسيا بزيادة إنتاجية ما تبقى من الأراضي الزراعية. ولا ينكر أحد أن الدولة قد أولت اهتماما لزيادة مساحة الأرض المنزرعة بعيدا عن الوادي القديم من خلال مشاريع كبيرة مثل مشروع الوادي الجديد ومشروع توشكي ولكن للأسف صادف هذا الجهد القليل من النجاح مع كثير من إهدار المال العام وذلك لغياب الدراسات العلمية الجيدة وعدم الاستعانة بأهل الخبرة في هذا المجال لاختيار الأرض ألقابلة للزراعة وسهلة الاستصلاح وأنواع المزروعات، ونظم الري التي يجب أن تتوافق مع الأحوال الجوية وموارد المياه المتاحة.
ونعلم أيضا أن هذه المشروعات قد تركزت في الصحراء الغربية ولم ينظر مطلقا إلى الصحراء الشرقية على اعتبار أنها تتكون من جبال وعرة وان التربة فيما بين هذه الجبال صخرية ليست جيدة للزراعة. وهناك أيضا أفكار لمشاريع بنائه لتنمية مصر مثل فكرة مشروع سلم التنمية الذي اقترحه ابن مصر البار والعالم الجليل د. فاروق الباز ولكن مع عظمة هذه الفكرة إلا أنها تتوجه غربا أيضا.
ولإرتباطى بالصحراء الشرقية (25عام عمل حقلي) ومن خلال التنقيب عن المعادن الأستراتيجيةالذي تقوم به هيئة المواد النووية في الصحراء الشرقية، يمتد الاهتمام إلى الرمال الشاطئية على طول الخط الساحلي في مواجهة مصبات الوديان عبر تاريخ طويل من السيول وعمل التيارات البحرية والتي تمثل بيئة ملائمة للمعادن الثقيلة بما فيها المعادن المشعة.
وتطبيقا للدراسات الجيولوجية والجيوفيزيائيه التي قام بها الفريق البحثي للهيئة لاستكشاف القدرات التعدينية لمناطق جنوب مصر أمكن تحديد دلتا وادي دييت، بين مدينتي شلاتين وأبو رماد على ساحل البحر الأحمر في الصحراء الشرقية
وهذه الدلتا تشكل السهل الساحلي الواقع في هذه المنطقة وهى عبارة عن مساحة شاسعة (100ألف فدان) من الأرض المنبسطة المغطاة بتتابع سميك من الطمي مما يجعل خصوبتها تضاهى إن لم تزيد على خصوبة أرض دلتا نهر النيل. ويزول الاستغراب عندما نعلم أن هذا الطمي تكون عبر مئات ملايين السنين من خلال ما تأتى به مياه السيول المتعاقبة من مناطق نزول الأمطار في شمال السودان وجنوب مصر.
ولأن المياه العذبة هي أهم الأسس في تأهيل المناطق الجديدة وتعميرها فهي أحد الأهداف الرئيسية لهذا المشروع حيث يمثل التتابع الرسوبي السميك البيئة المناسبة كخزان للغاز والنفط والمياه. أما من ناحية الرمال السوداء، وللمرة الأولى فقد تم تحديد إحتياطى كبير يمثل إضافة اقتصادية عظيمة حيث تمتد هذه الخامات على طول خط الساحل بمواجه الدلتاإلى أكثر من 10كم مع عرض متوسط 50m وعمق يتراوح بين 50سم إلى 100سم بتركيز يزيد عن 85% إلى جانب مساحات أخرى بتركيزات أقل ولكنها في كل الأحوال ذات قيمة اقتصادية كبيرة لما تحويه من معادن قيمة. الملاحظات الميدانية الأولية إلى جانب إجراء بعض دراسات التركيز الطبيعي والفصل لهذه المعادن أمكن تحديد بعض المعادن والعناصر الاقتصادية ذات القيمة الأستراتيجيةالعالية مثل الإلمينيت،الروتيل،والزركون والنيوبيوم وآثار من الذهب والفضة.
إذن نحن بصدد مساحة كبيرة من الأرض الزراعية الخصبة الغير ملوثة وسهلة الاستصلاح مع وجود المياه اللازمة للاستزراع، مخزون كبير من المعادن الشاطئية الثقيلة يمثل إضافة للثروة التعدينية لمصر مع احتمالات قوية لوجود غاز ونفط وأكثر من ذلك سهولة ويسر طرق الاتصال والنقل حيث موانىء البحر الأحمر العديدة، لذلك وجب التنبيه أن هذه الدلتا تمثل منطقة استراتيجية مهمة بالنسبة لمصر وتمثل أيضا أساس قوى لمشروع وطني لإنشاء حضارة جديدة تسمح بلانتشار الأفقي للسكان للخروج من الوادي الضيق وتساهم يجزأ ليس بهين في حل مشكلتي نقص المنتج الغذائي والبطالة. وأنها تحتاج لدراسات علمية جادة قد بدأتها بالفعل هيئة المواد النووية وتحتاج لدعم من قبل صانعي القرار على اعتبار إنها مشروع وطني جاد يكون معبرا للتنمية تتلاقى عنده حضارة المصريين مع احتياجات كل جيراننا من الدول الإفريقية.
بقلم
دكتور جيولوجي/ طارق محمد محمود
0 التعليقات:
إرسال تعليق